كوميديا سوداء.. من سوريا إلى سوريا

كوميديا سوداء..  من سوريا إلى سوريا

لعل أكثر المشاهد التي رسخت في ذهن المشاهد من مسلسل "صح النوم" السوري كانت جملة نهاد قلعي الشهيرة"إن أردت أن تعرف ماذا في البرازيل عليك أن تعرف ماذا في إسبانيا"، وما رسخ المشهد في اذهان المتابعين ليس كوميديا يحملها ولكن غرابة الفكرة، تلك الغرابة التي بدت اليوم حقيقية ومضحكة مبكية، فالسوريون الذين خرجوا من الزبداني اجتازوا دولتين للوصول إلى إدلب، ومن سوريا إلى سوريا تبدأ الكوميديا السوداء ولا تنتهي..

للذهاب من الزبداني إلى إدلب، عليك أن تجتاز الحدود إلى لبنان، وتصعد في الطائرة مجتازاً الحدود التركية، لتعود لتقطع الحدود السورية وصولاً إلى إدلب، وأما الخارجون من الفوعة فاجتازوا الحدود التركية إلى لبنان على أن يدخلوا مرة أخرى إلى سوريا، لولا أن مضيفهم "حزب الله" قرر بالنيابة عن الحكومة اللبنانية "غير الموجودة أساساً"، قرر أن "هؤلاء ليسوا لاجئين، وإنما ضيوف على الضاحية الجنوبية"، حسبما قالت جريدة النهار اللبنانية عن تسريبات وصلتها ونشرتها في الأيام الماضية، فحلّ سوريّو الزبداني ضيوفاً على أهل إدلب السورية، والخارجين من الفوعة "ضيوفاً" على قاتلي السوريين، في لبنان.

بالتأكيد كان يمكن أن يتم نقل جرحى الزبداني وساكني الفوعة بطرق أخرى، وربما أسهل الطرق وأكثرها سلاسة طائرة، على اعتبار أن حجة الدول التي تدخلت لعقد الاتفاقية تلخصت بأن الطريق البري غير مضمون بسبب وجود داعش، ولكن تلك الدول والنظام السوري، كانوا مصرين على إقناع السوريين والعالم أن سوريا اليوم عبارة عن كانتونات عسكرية، لا يربط بينها سوى النار والموت.

 كما لم يغب عن تلك الدول وعن النظام وحزبه الشيعي الطائفي وإيرانه أن ضجة كالتي تم افتعالها لاخراج بضعة مئات من الجرحى، ستغطي على الحصار الدامي على مضايا، وستجعل قضية الموت في مضايا والزبداني قضية ثانوية أمام مشهد الخروج، وهذا ما حدث فعلاً.

نعم.. اليوم على كل سوري يود الانتقال من منطقته إلى منطقة سورية أخرى، أن يخرج من سوريا ويعود إليها، وكأنها أشبه بلعبة الأطفال "الليغو"، إنها الكوميديا السورية المبكية.

الكوميديا السوداء لا تنتهي في سوريا، تتجاوز التوقعات والميدان، لتصل إلى السياسية وليظهر أبطال السياسة السورية أقرب إلى الأراغوزات، فبعد اتفاق المعارضة السورية على وفد للتفاوض بحضور مندوب عن قائد جيش الإسلام زهران علوش ورئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين، وبرغم جلوس ووجود حسين "المعترف بالأسد" مع ممثل عن واحد من أكثر الفصائل العسكرية السورية قوة معاً في الرياض لعدة ايام وجلوسهم مع بقية المعارضة إلى طاولة واحدة، وتصريحاتهم وتوافقهم على رياض حجاب كرئيس لوفد التفاوض، قتلت روسيا علوش، فنعاه رياض حجاب، وأما لؤي حسين فقد "حرد" من حجاب ولامه على نعيه لعلوش، واستنكر واستهجن وندد، ولكنه سرعان ما اعتذر "ويبدو أن أحداً ذكره بأن ما كلامه ضد نعي علوش يصنف في باب الغباء السياسي"، وبعد اعتذاره هاجم رياض حجاب، ليحافظ الأخير على صمته، وليتعامل مع كلام حسين وكأنه كلاماً صبيانياً لا قيمة له، وربما يكون حجاب هو الأكثر حكمة بردة فعله، إذ أن الوفد كله أصبح بلا قيمة تقريباً رغم الاجتماعات التي تنعقد بين الفينة والأخرى، فروسيا مستمرة في سياستها القاتلة ضد السوريين الذين من المفروض أن يحصلوا على إجازة من الموت ريثما يتم التفاوض، وبقيت رسالة روسيا والأسد واضحة "لن نفاوض قبل فناء الشعب"، وأصاب الخرس العالم إزاء رسائل روسيا والأسد، وبقي الأمر الوحيد الواضح أن ما حدث ويحدث ليس أكثر من اتفاق سيتم تنفيذه بحذافيره بين تلك القوى التي تدّعي قيادة العالم.

بعد سنوات سينبري كتاب الدراما للكتابة عن سوريا خلال الثورة والموت، وعلى اعتبار أن التاريخ "رغم احتمالات تزوير الكثير منه" لا يُنسى، فإن مشهداً غريباً مضحكاً ومبكياً سيكون من الصعب على الكاتب أن يترجمه إلى مشهد واقعي، وإن استطاع كتابته فستكون مهمة تجسيده صعبة.

كيف سيستطيع ممثل ومخرج وكاتب أن يصور مرور جرحى الزبداني الذين أهانوا حزب الله وكسروا شوكته ولم يستطع انتزاع أي نصر منهم على مدى عامين، كيف سيجسد مرور هؤلاء من الحدود اللبنانية السورية ومن ثم دخولهم إلى المطار أمام أعين وبرعاية عناصر الحزب المسيطرين على الحدود وعلى المطار، وفي الجهة المقابلة مقاتلو الفوعة وكفريا مع عناصر لبنانية منتمية لحزب الله والذين حاصرهم جيش الفتح وقبله الفصائل العسكرية الإسلامية المتشددة، وخروجهم برعاية وحماية جيش الفتح ومروا من البلدات الإدلبية التي مات من مات فيهم على يد هؤلاء الميليشيات والمقاتلين التابعين للأسد، مشهدين غريبين أخرجهما جيش الفتح وإيران بإبرابهم هدنة تم تنفيذ بعض بنودها والتي شكل الخروج أوضح مشاهدها.

التعليقات (3)

    زهره العراق

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    الله يرحم فنانين وفنانات الوطن العربي الذين افرحوا قلوبنا في حياتهم

    52544

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    سيدتي الجملة هي اذا اردنا ان نعرف ماذا في ايطاليا فعلينا ان نعرف ماذا في البرازيل ...واردت ان اصحح الجملة للدعابة فقط وشكرا على مقالك...

    داريا العز

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    كلام واقعي ووصف دقيق مماحصل وسيحصل في بلدنا والله يجيرنا من شيء أعظم
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات