حياة السوريين في المناطق المحررة ازدادت صعوبة عام 2015

حياة السوريين في المناطق المحررة ازدادت صعوبة عام 2015
نشأت في المناطق المحررة أنماط اقتصادية متعددة، لضمان استمرارية الدورة الاقتصادية فيها، ولتفادي معاناة السوريين بسبب ندرة المواد الغذائية في الأسواق، في ظل إغلاق المعابر، والتشديد من قبل حواجز النظام على دخول السلع الأساسية، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ما أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي للسوريين عام 2015.

المواد الغذائية في المناطق المحررة

 

بالنسبة للمواد الغذائية في مدينة إدلب المحررة، فإن مدينة "سرمدا"على الحدود السورية التركية، تعد مصدراً هاماً للمواد الاستهلاكية، التي تغذي مناطق الشمال السوري كـ إدلب وريفها وريف حلب، وهذه المواد يتم تأمينها من تركيا أو مصانع حلب، أو مدينة اللاذقية غرب سوريا.

وبالتالي فإن وضع السوق المحلي يعتمد على سعر صرف الدولار الأمريكي، والذي يتحكم بشكل كبير بسعر المواد الاستهلاكية القادمة من تركيا، ودفع ثمن التجار لها بالدولار، وهو ما يدفعهم إلى بيعها بالدولار أيضاً لتفادي الخسارة، و تحكم التجار بأسعار المواد الغذائية، لعدم وجود رقابة.

بالإضافة إلى أن تكلفة أجور النقل من المناطق المحاذية للحدود التركية إلى مناطق  ريف إدلب الجنوبي، أحد أهم الأسباب في ارتفاع الأسعار، حيث تبلغ تكلفة جلب البضائع من بلدة "سرمدا" نحو 200 دولار، ويعود ذلك بسبب النقص الحاد لمادة المازوت.

وما يزيد من أسعار المواد الغذائية ايضاً، هو تعرض التجار أثناء عودتهم لنهب كبير من الحواجز المنتشرة على طول الطريق، بحيث يدفعون وسطياً لكل حاجز ما يقارب 4000 ليرة سورية، للسماح لهم بنقلها، فيما يبلغ مثلاً عدد الحواجز المنتشرة في ريف حماة 34 حاجزاً، هذا عدا عن الخطر الكبير الذي يتعرضون له.

أما في درعا فقد استطاع الثوار السيطرة على معابر حيوية ومهمة منها "درعا القديم"، ومعبر "نصيب الحدودي"، والمنطقة الحرة المشتركة السورية الأردنية، التي تم إغلاقها فيما بعد من قبل السلطات الأردنية.

فيما أدى إغلاق المعابر الحدودية إلى فقدان السوق سلعاً أساسية، وبالتالي ارتفاع أسعارها، فضلاً عن معاناة استيراد هذه المواد الغذائية من العاصمة دمشق بسبب وجود الحواجز، التي تعتبر المصدر الرئيسي للبضائع.

من الجانب ذاته تعاني الغوطة وضعاً إنسانياً صعباً للغاية، وذلك جراء الحصار الغذائي والطبي المطبق الذي تفرضه قوات النظام السوري عليها، منذ أكثر من سنتين.

بحيث يوجد هناك مافيات ومستفيدون يتولون تهريب المدنيين والعسكريين وشاحنات الأغذية، من حصار الغوطة الشرقية الخانق، إلى خارجها أو بالعكس من المدن المجاورة، بالإضافة إلى اعتماد سكان هذه المنطقة على الاكتفاء الذاتي من زراعة وتربية المواشي وغيره.

وبعد أن نجح النظام في الاستيلاء على نفق يصل بين مدينة جوبر والقابون، أصبح النفق الذي يصل حرستا ببرزة هو المنفذ الوحيد للغوطة الشرقية الذي يتم عبره نقل البضائع.

الحوالات والصرافة في المناطق المحررة

 تعمل محلات الصرافة بدون ترخيص، ويمكن لأي شخص فتح مثل هذه المكاتب والمحلات، وقد تكون محلات البسة أوموبايلات، المهم أن تكون ملتزمة بقواعد السلوك الأخلاقي وحسن التعامل والأمانة، وإيصال الحقوق والأموال إلى أصحابها.

ومع توفر مبالغ  كبيرة من القطع الأجنبي، بسبب وقوع بعض المناطق المحررة في الجنوب السوري مثل درعا إلى جوار الأردن ما أمن للتجار الحصول على العملات من مصادر وفيرة، أهمها حوالات المغتربين خارج سوريا، والمساعدات النقدية المقدمة من بعض الهيئات الإنسانية، ورواتب المقاتلين في الجيش الحر والفصائل المعارضة الأخرى، وبعض المعاملات التجارية الأخرى مع تلك الدول، وإن كانت على نطاق ضيق.

 يضاف إليها عمليات التهريب لبعض المواد والحصول على أثمانها بالقطع الأجنبي، وعليه يكون سعر صرف العملة الأجنبية في المناطق المحررة، أقل مما هو عليه في المناطق الأخرى من سوريا.

ويتعامل سكان المناطق المحررة بالدولار بشكل أساسي، ولهم معاملات أيضاً بالدينار الأردني والريال السعودي كما في درعا، وتم مؤخراً التعامل باليورو، بعد أن هاجر عدد كبير من الشباب إلى أوروبا.

 ويوجد مبالغ شهرية يتم تحويلها لسوريين من خارج سوريا، ولاسيما من دول الخليج والأردن وتركيا، وتبلغ عشرات الآلاف من الدولارات، وتحصيل الصرافين منها جيد، حيث يتقاضون  20 دولاراً على كل ألف دولار كسعر وسطي، إضافة إلى الأرباح التي يحققونها من تصريف العملة.

أما بالنسبة لعلاقات مكاتب الصرافة والتحويل في الخارج، فإنها تتعامل مع عشرات المكاتب في العالم، ولهم فروع حيث يتواجد السوريون، أما بالنسبة لزبائن المكتب فهم إما من المنتمين إلى فصائل الثوار، أو ممن لهم أقارب خارج سوريا.

ويحتاج العمل في هذا المجال، أن يمتلك الشخص مبالغ كبيرة من المال، تخوله للعمل، إضافة إلى شبكة علاقات مع أصدقاء ومكاتب خارج المناطق المحررة، وخارج سوريا، بحيث أن  كل المعاملات المالية والتحويلات، تتم بدون مستندات أو وثائق، وهي تقوم على الثقة وحسن النية، عبر "الواتس أب" وصفحات التواصل الاجتماعي.

أما بالنسبة لعملية التحويل فهي تتم بشكل بسيط، بحيث يقوم الشخص بالخارج بالاتصال بالمكتب الذي يتعاملون معه في الداخل، ويقول مثلا "سلم لفلان مبلغاً مالياً وقدره كذا"، وبدورهم  يتأكدون من شخصية صاحب الحوالة والشخص المحول له، من خلال الهوية أو أي مستند رسمي تعريفي، وبالتالي يتم تسليمه الحوالة.

وبخصوص عمولة أصحاب المكاتب، فيأخذونها من مكاتب الفروع الأساسية، أو من المكاتب  التي يكون أصحابها مرتبطين بحسابات مالية في بنوك كبيرة خارج سوريا، عن طريق تجار كبار أو أقارب أو معارف موثوقين تحول الأموال إلى حساباتهم.

فيما يضطر الزبائن عادةً للقبول بالسعر الذي يضعه المكتب، وإلا أن يذهبوا لفرع آخر، وهذا يكون مستبعد لأن الطرق تكون محفوفة بالمخاطر، إضافة إلى أن أجرة وسيلة النقل، تعادل تقريباً المبلغ المقتطع.

كما تصنف هذه العمليات بأنها من عمليات ابتزاز وأحياناً احتيال يخضع لها الناس عنوة، لأنه لا بديل لذلك، ولا يحكم هذه المكاتب أية قوانين، عدا على أنهم يصرفون المبالغ بالليرة السورية أحياناً بسعر أقل عن السوق، بحجة عدم وجود قطع أجنبي لديهم.

شراء طرق من جيش النظام

باتت المناطق السورية موزعة من حيث موازين القوى إلى مناطق تخضع لسيطرة النظام ومناطق تحت سيطرة الجيش الحر، وأخرى لا تخضع لهذا ولا لذاك، إنما لجماعات متطرفة وقطاعين طرق.

ويشتري المهربون عادةً نقاط تفتيش يديرها نظام  الأسد ويأخذون 250 دولار، عن كل دقيقة يتم فيها فتح النقطة، أما المهم فهو كيفية تقييمهم لدرجة خطورة الطرق، فيما يتم بالدرجة الأولى نقل المواد الغذائية من قبل التجار، أو تهريب أحد الأشخاص وغالباً ما يكونوا مطلوبين من قبل نظام الأسد.

فمثلاً طريق خطورته 50% من دمشق إلى باب الهوى يتقاضى المهربون فيه 900 دولار للشخص الواحد، و2000 دولار  إذا كان عدد المتنقلين 5، فيما تكلف مرور سيارة بيك آب مع مواد غذائية 1600 دولار، ومع ارتفاع نسبة خطورة الطريق طبعا ترتفع النسبة.

وثمة طرق أخرى من حلب إلى دمشق يسيطر عليها قطاعي طرق، فمثلاً من حلب إلى الرقة تكلف حمولة سيارة 200دولار.

فيما خصصت بعض كتائب الجيش الحر فرق متخصصة في النقل أطلقت عليها "كتائب المواصلات"، بحيث تمتلك "كتائب الغوطة الشرقية" و"لواء الإسلام" و"المغاوير" مثل هذه الكتائب التي تسير عملياتهم وتنقل الأفراد شمالاً وجنوباً.

وفي نفس السياق كشف مصدر مقرب من قوات النظام السوري في درعا، بأن شخصاً قام بدفع مبلغ نحو 120 ألف دولار لجيش النظام  لإعادة فتح طريق نوى-الشيخ مسكين أمام المدنيين، بعد إغلاقه لنحو عام.

أما في دوما ذكر أحد الأشخاص "معن"، بأنه خرج من مدينة عين ترما بالاتفاق مع أحد السماسرة، بحيث التقى  بالسمسار في مدينة برزة، لكن مفاجأته الكبرى كانت عند معرفته أن سيارة سوداء من نوع رياضي، مزينة بصور حزب الله، ستكون وسيلة نقله الآمنة إلى لبنان.

وفي حالة مشابهة سلك "أبو عبادة"  طريق التهريب إلى تركيا، لكن هذه المرة عن طريق شبيحة النظام، مقابل نصف مليون ليرة سورية بحسب قوله.

ومن خلال ذلك يكون من الصعب تحديد المناطق التي يسيطر عليها كل طرف نتيجة تغير المعطيات والوقائع على الأرض بشكل مستمر، فبينما أخضع الجيش الحر مناطق واسعة من الأرياف لنفوذه، يفرض النظام سيطرته على كل المدن الكبرى ومنها دمشق، والحسكة، والسويداء، وحماة، وطرطوس، وإدلب، واللاذقية، في حين تستمر معارك السيطرة بين الطرفين على حلب وحمص بين الكر والفر.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات