خيار وزير خارجية النظام بالذهاب للصين لم يكن رفاهية، فقائمة الدول المستعدة لاستقباله تعد على أصابع اليد الواحدة، لكن هذا ليس السبب الوحيد، فالصين وفي تصرف مفاجئ كانت أعلنت قبل أيام عن استعدادها إلى استضافة اجتماعات لحكومة الأسد وشخصيات معارضة، لما قالت عنه إنه للمساعدة في "عملية السلام"، ليأتي الرد من قبل المعلم بالزيارة فعلا، على أمل أن تتفاعل الدعوة، علّها تؤثر على نتائج اجتماع الرياض من خلال إحداث أي شروخ في المعارضة طالما راهن عليها النظام، وروسيا، وفي هذا الإطار وضع وليد المعلم أول الشروط "غير المستساغة" وهو أن وفد نظامه سيكون مستعدا للـ"محادثات" بمجرد تسلم قائمة بوفد المعارضة، وكأن نظام الأسد ينتظر أيضا أن تكون تسمية وفد المعارضة إحدى مهامه، أو أنه يجب أن يوافق أولا على الأسماء التي سيفاوضها، وهذا سَبَق يسجل له، فلم يعرف تاريخ التفاوض في العالم أن تكون معرفة كل وفد للأخر وموافقته عليه شرطا للبدء بالتفاوض!
وفي ذلك أيضا تذكير إلى روسيا والمبعوث الأممي ستيفان دي مستورا أن عليهم أن يتحركوا لإجراء التعديلات اللازمة على وفد المعارضة الذي ستفرزه اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية، فيبدو أن موسكو وعدت الأسد بأن تبذل جهدا أكبر في هذا الشأن، ومجددا أراد المعلم إحراجها علنا، لكن الموقف الأكثر غرابة هو التفسير "العقيم" للقرار الدولي الذي طرح في بكين، بأن نظام الأسد ذاهب للتفاوض ومستعد لأن يصل مع المعارضة إلى "حكومة وحدة وطنية" وهذا تفسير غريب لنص القرار الدولي الذي دعا إلى مرحلة انتقالية وهيئة حكم انتقالية مناط بها الوصول إلى دستور جديد وأخذ البلاد إلى الانتخابات وهذا شأنها، وليس شأن "حكومة الوحدة" التي يطرحها النظام، فهل قرر الأسد، ومن بكين أن ينقلب على الصيغة التي توافق عليها (رغم كل سلبياتها) حليفه الروسي، وكذلك الصيني أم أن الأمر غير ذلك؟
يبدو أن الأمر برمته دُبر في ليل، وعُرض على واشنطن الزاهدة في الملف السوري، فبصمت عليه، وأعادت تسليمه إلى روسيا مع غطاء لتستمر بالقصف ولتناور في السياسية، ففضح المعلم المخطط، ووضعه أمام العالم ليصبح الأمر مكشوفا، روسيا دبرت صيغة القرار "التوافقية"، والولايات المتحدة غير الأبهة صادقت عليه، وجرت معها المواقف الأوربية، وكان مطلوبا من نظام الأسد أن يرحب بالقرار، ثم يبدأ بالتصرف بناء على رؤيته الخاصة المعطلة، لتقوم موسكو بعد ذلك بجر التفاوض إلى ذات الطريق، علها توقع المعارضة في كمين جديد، مستغلة الغطاء الشرعي للقصف بالطائرات، ومراهنة على تعب المجتمع الدولي من ملف لا يراد له أن يغلق، إلا على مقاس الأسد وهو أطول من أن يكون مقاسه مناسبا لأي صيغة حل.
التعليقات (3)