في المقابل أظهرت دراسة أعدّها اتحاد جمعيات أصحاب الأعمال "TISK" أن أكثر من 300 ألف عامل سوري يعملون في مدن تركية دون تسجيل قانوني، فيما تعرض عدد من العمال السوريين للاحتيال بعد ممارستهم أعمالاً معينة لم يتلقوا عليها أجورهم.
عروض منافسة
يتحدث العامل السوري "عدنان الأحمد" الذي يستقرّ حالياً في مدينة غازي عينتاب عن تفاصيل حدثت معه أثناء البحث عن عمل منذ قدومه إلى تركيا، ويقول لأورينت نت:"مجال عملي في الإنشاءات، وأول ما قدمت إلى تركيا بدأت أبحث عن ذات اختصاصي حتّى ساعدني ابن عمي كي أعمل معه في ورشة بناء جديدة".
ويكمل حديثه، بدأنا بالعمل سوية واتفقنا على أن يعطيني أجراً يومياً وقدره 55 ليرة تركية، في نهاية الأسبوع الأول حاسبني رب العمل كما اتفقنا، لكن في الأسبوع الذي تلاه "أي منذ نحو شهرين" حسب لي أجر اليوم بـ 35 ليرة تركية، وعندما سألته عن سبب خفض أجري اليومي، أجاب أن عليه التزامات كثيرة وأنه قادر على أن يأتي بعمال سوريين يعملون بأجر أقل.
ترك عدنان العمل مع رب العمل التركي الأصل، ومضى يبحث عن عمل آخر فيما يقول، إن هناك عمالاً سوريين يعملون اليوم بأجر لا يزيد عن عشرين ليرة تركية لليوم الواحد.
من جانب آخر يقول بشار العمر وهو عامل آخر يقطن في حي شعبي بعينتاب، يقول لأورينت نت "منذ أكثر من سنتين إلى الآن لم أستمر بورشة عمل أكثر من شهرين متواصلين، وكلما نسمع عن طريق أصدقائنا بورشة جديدة نتنافس على من يستلم الورشة ويأتي بعمال من طرفه عن طريق عرض رواتب أقل مقابل العمل المتوقع إنجازه".
ويضيف، الأكثر حظاً في العمل من بين السوريين من تعلم اللغة التركية وكوّن علاقات مع المتعهدين الأتراك في مجال البناء، وأعرف أكثر من شخص يستلم عدة ورشات ويوظف العمال السوريين بأجور قليلة.
احتيال
العامل السوري الذي يعمل بشكل غير قانوني لا يحق له أن يشتكي إلى الشرطة التركية من أجل تحصيل حقّه إذا ما تم الاحتيال عليه من أحد ما، بهذه الكلمات يبدأ "إبراهيم الخلف" حديثه لأورينت نت وهو أحد العمال الذين تم الاحتيال عليهم قبل نحو سنة من قبل رب عمل سوري في مدينة كيليس التركية.
يقول في حديثه: "منذ أن خرجت من ريف حلب الشرقي بعد أن سيطر تنظيم الدولة عليه، مضيت إلى تركيا باحثاً عن عمل، وكان في جيبي ما يغطي مصاريفي مدة شهر لا أكثر، تعرفت إلى شاب سوري في مدينة عينتاب ووعدني بتأمين عمل بأسرع وقت".
ويتابع، بعد نحو أسبوع اتصل بي وقال إنه وجد عملاً لي معه في مجال طلاء جدران المنازل، عملت معه مدة ثمانية أيام وتركت العمل بعدما هرب وأغلق هاتفه الخليوي، لست أنا الوحيد المحتال علي من قبله، بل جميع العمال في الورشة، فكّرنا أن نشتكي عليه ولكن لا يوجد أي قيد له بتركيا.
عدة قصص اطلعت عليها "أورينت نت" خلال البحث في قضايا العمالة السورية في تركيا، وكان للاحتيال على العمال أكثر من حادثة، بينما لا يوجد أي مؤيد قانوني يمكن للعمال الذين تعرضوا للاحتيال أن يقدموا عن طريقه شكوى كون وجودهم بالأصل غير قانوني، حيث الكثير من العمال لا يحملون بطاقة الضيف أو جواز سفر سوري ممهور بختم دخول نظامي.
آثار اقتصادية
تأثر العديد من العمال السوريين من ذوي الدخل المحدود بانخفاض قيمة الليرة التركية أمام العملات الأخرى حتى وصلت إلى 2،90 للدولار الواحد، فيما انخفضت بداية الشهر الحالي لتصل إلى 3 ليرات تركية للدولار الواحد.
الخبير الاقتصادي "محمد الموسى" أحد المطلعين لنشاط العمالة السورية في تركيا يقول لأورينت نت "قبل نحو سنتين كان وضع العمالة السورية بتركيا أفضل من الآن بنسبة تصل إلى 30% إذا ما قلنا إن قيمة الليرة تركية كانت آنذاك 2،08 للدولار الواحد، أما أجور العمال اليومية فكانت تتراوح بين 20 إلى 70 كحد أقصى".
ويكمل، اليوم ارتفعت الأجور بالتوازي مع انخفاض قيمة الليرة لكن ليس للحد المطلوب فقد أصبح الحد الأدنى لا يقل عن 30 ليرة تركية كأجر للعامل السوري، لذا يمكننا القول إن العامل السوري تأثر بشكل سلبي بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية.
أما عن فرص العمل ومدى توفرها للسوريين فيجيب "الموسى":" من الطبيعي أن يلجأ أرباب العمل الأتراك إلى العامل السوري، لمزايا منها رخص اليد العاملة وغياب التأمين المفروض عليه إضافة للجهد المضاعف بالعمل".
القوانين التركية
في شهر أغسطس من العام الحالي قال وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي "فاروق جليك": إن اللاجئين السوريين في تركيا لن يحصلوا على تصاريح عمل خاصة مضيفاً أن ذلك سيكون بمثابة ظلم للأتراك العاطلين عن العمل ويبحثون عن وظيفة".
وأضاف، لا يمكن أن يوجد إجراء عام يقدم للسوريين تصاريح عمل لأننا نملك قوة العمل الخاصة بنا، وإننا نحاول تعليم وتدريب العاطلين عن العمل لدينا حتى نمكنهم من إيجاد وظائف في تركيا.
وكان قد صرح ذات الوزير في الشهر الثاني من العام الحالي قائلاً "لا يمكن أن يتجاوز عدد العاملين السوريين بأي ورشة عمل كانت نسبة 10 بالمئة من إجمالي عدد اللاجئين الذي يعملون بها، كما لن يُسمح لأصحاب العمل بتشغيل السوريين برواتب تقل عن الحد الأدنى المسموح والبالغ 864 ليرة تركية.
قرارات ودراسات
قال وزير العمل والشؤون الاجتماعية التركي "فاروق تشيليك" في أوائل السنة الحالية، لا يمكن أن يتجاوز عدد العمال السوريين في أي ورشة عمل نسبة 10 بالمئة من إجمالي عدد العمال، أما الحد الأدنى للرواتب فقد تم تحديده بـ 864 ليرة تركي.
في المقابل ذكرت وكالة رويترز في تقرير صدر لها بداية الشهر الحالي، أن أرباب العمل الأتراك يفضلون تشغيل العمال السوريين بسبب استفادتهم منهم خاصة أن اليد العاملة السورية رخيصة وغير قانونية لا تتطلب تأميناً ولا فرض حد أدنى للأجور، فيما لا يخشى العديد من أرباب العمل الأتراك فرض غرامة عليهم بسبب تشغيلهم لعمال بشكل غير قانوني معتبرين أن الكل يعرف وإن طبق ذلك سيبقى العامل السوري بلا عمل.
وحسب ما ذكرته الوكالة ضمن التقرير على لسان المحامية التركية "بيكجي" فإن هناك ستة آلاف عامل سوري فقط يعملون بشكل قانوني ولديهم تأشيرات قبل الحرب ولديهم الآن تراخيص عمل.
من جانب آخر أظهرت دراسة مشتركة أعدها اتحاد جمعيات أصحاب الأعمال "TISK" التركي ومركز أبحاث السياسات والهجرة في جامعة هاجه تبه في أنقرة، أن ظروف العمل اللاجئين السوريين قد تتدهور أكثر إذا لم تتخذ إجراءات ملموسة ودائمة بشأن أكثر من 300 ألف عامل سوري يعملون دون تسجيل.
وشملت الدراسة التي استمرت نحو خمسة أشهر 18 ولاية تركية والتي أضافت أنه من المتوقع أن يتجاوز عدد اللاجئين السوريين الثلاثة ملايين في المستقبل القريب.
التعليقات (5)