من أجل سوريا مات 130 شخصاً في فرنسا، ومن أجل سوريا طعن أحد المعتوهين الناس في ميترو لندن وقتل 3، ومن أجل سوريا أصيبت قدمي بالتواء، ومن أجل سوريا أعلن داعش عن مسؤوليته عن أي حادث جنائي أو إرهابي أو حتى حادث سيارة حدث ويحدث وسيحدث في أي حارة من حارات العالم، ومن أجل سوريا ارتأت الدول التي تتلاعب بنا أن تستصدر قراراً أممياً يغيب فيه اسم ومصير الأسد.
سقط المنطق في سوريا سقوطاً مدوياً، يستيقظ صباحاً ليراقب تهافت المعارضة للذهاب إلى السعودية لحضور مؤتمر مصالحة، تتصالح المعارضة في الرياض وكأن كل ما سبق من خلاف واختلاف واتهامات لم تكن أكثر كذبة، وربما شعرنا نحن السوريون أننا اخترعنا كل تلك الخلافات، وليكتب لؤي حسين الساخر أنه كان شاهداً على أكثر المصالحات سلاسة، ويحق لحسين أن يكتب في صحيفة الحياة " تبدأ ملامح المرحلة الانتقالية بالظهورقبول جميع الأطراف بصيغة «لا غالب ولا مغلوب»، هذه الصيغة التي اتُهمنا بكل موبقات السياسة حين قلناها قبل أكثر من أربع سنوات، وأضفنا أن كل الضحايا والخسائر بعدذاك ستكون مجّانية ولن تغيّر المعادلة التي استقرت مذاك" ، فالمعارضة التي بنت القصور وأكلت وشربت ونامت في فنادق الخمس نجوم، وأرسلت معظم عائلاتها لبلاد اللجوء مع توصية من الائتلاف تارة ومن الحكومة المؤقتة تارة أخرى، جلست مع حسين الذي بقي يسمي الأسد بـ"الرئيس" إلى ما قبل حين دعوته إلى الرياض، هذه المعارضة اليوم تحدثت باسم السوريين، وتابعت استصدار القرار الذي تم طبخه في المطبخ الروسي الأمريكي، وطأطأت رأسها لقلة الحيلة والعجز، ولحفظ ماء الوجه أصدر الائتلاف بياناً ينتقد فيه القرار "المايع"، وقبل البيان تضاربت تصريحاتهم كما عادتهم، فكتب الخوجة تغريدة على حسابه في التويتر ينتقد فيها القرار، بينما ظهر محمد يحيى مكتبي على قناة العربية يمتدح القرار، سقط المنطق، وشرب التراب دماء شهدائنا، ومدّ المنطق لسانه للمعارضة ورفع الغطاء ليدفن رأسه تحته بحثاً عن قليل من الدفء.
"لو تكلم الموتى"، عنوان تقرير الهيومان رايتس ووتش الذي أذهل العالم، وهو ذات التقرير الذي نشر صور "سيزر" لشهداء سوريين ماتوا تحت التعذيب في جهنم الأسد ومعتقلاته، وإن كانت رايتس ووتش اختارت عنواناً جارحاً صادماً، فإن ذلك الأسد صاحب أكثر الضحكات سماجة في العالم، زار كنيسة في دمشق ضاحكاً مازحاً بعد إصدار التقرير بيومين أو ثلاثة، وأثناء اجتماع مجلس الأمن بشأنه، ونعم، سقط المنطق وسقطنا.
يمشي الشاب السوري في دمشق مخفياً رأسه بين قدميه، يشتري باروكة نسائية يضعها على رأسه خوفاً من افتضاح أمره كذكر محروم من المشي في العاصمة لأنه سيسحب من كرامته إلى الجيش، يُجبر المنطق "الساقط سلفاً" على النهوض معه ووضع المكياج على وجهه للاستفادة من نعمة البقاء حياً خارج جيش السفاح.
يجتمع لاجئون سوريون في سويسرا، يصفقون ويتمايلون مع عزف موسيقية سورية، مكتوب على جباههم أنهم مثقفون، الموسيقية تحمل صفة اللاجئة أيضاً تعزف الموسيقا لجمع التبرعات للاجئين السوريين، يشربون نخب سوريا، يناضلون في وجه الأسد وداعش، يعرضون نظرياتهم على الطاولة، تبتسم الموسيقية ابنة أحد الصحفيين الذي حمل لقب "بوق للنظام"، وهي نفسها لم يسمع أحد منها يوماً كلمة معارضة للأسد، ولكنها تلم التبرعات، فلأي لاجئين تجمع المساعدات صاحبة الأذن الموسيقية، يبدو الموقف مضحكاً، نكتة صباحية تجعل المنطق يقع على الأرض من فرط الذهول ويفكر "اللهم لا اسألك رد القضاء وإنما اللطف فيه"، علينا إذن أن نعتاد على شبيحة ومؤيدين يجمعون التبرعات باسم الموتى، ولنصفق لهم، فالمنطق سقط في سوريا والعالم.
يحتج المنطق على صاحبه السوري، ينهره ويشمت به، وقبل أن يستسلم المواطن يقرر أن يجول على الصحف العربية والأجنبيه، الواشنطن بوست تعترف أن الإعلام الأمريكي فشل في مواجهة إعلام داعش، وانطلاقاً من أن الاعتراف فضيلة، تتابع الواشنطن بوست اعترافاتها بأن أمريكا اليوم ستغير سياستها الإعلامية، ويرتبك كيري أمام كاميرات الإعلام في تحديد مستقبل الأسد، ولكنه لا ولن ولم يرتبك يوماً في تحديد مستقبل داعش، ويخرج فابيوس وزير خارجية فرنسا ليعلن أنه لا يرى مشكلة في بقاء الأسد، وأما الأسد السعيد فيظهر 5 مرات في الإعلام العالمي خلال 3 أسابيع، رافعاً أصبعه الوسطى في وجه العالم، وبينما يتحدث الإعلام ويحلل تفاصيل القرار الأممي "الضبابي"، يصر كيري على تصريحات نارية بشأن الأسد، فأي منطق يحكم تصريحات مجانية عن شعب يموت ويموت ويموت.
تتسابق الصحف العربية والغربية في تحليل الثورة السورية، يتخذ كل كاتب وضعية الجدية، واضعاً نظاراته الطبية، متنكراً بابتسامة تساعده على الانتهاء من زاويته باكراً، وكلهم يعرفون ويدركون ماذا يحصل هناك في سوريا، جميعهم يقررون أن الأسد زائل لا محالة، ولا أحد منهم يتهم بلده بالتقصير، وما بين السخرية والتحليل والتسابق لتغطية مؤتمرات المعارضة الساقطة مع المنطق، يخرج أب من ركام الغوطة الشرقية حاملاً أشلاء أولاده بين يديه صارخاً في وجه العالم "لحم سوري للبيع، ومع صرخته الأخيرة يسقط المنطق في سوريا، وتكمل الحياة مسيرتها في باقي الكرة الأرضية، يموت اللاجئون من البرد قبل أن تنتبه الحكومة المؤقتة والائتلاف إلى أن وقت البيانات الفارغة قد حان، ويسرقون وقتاً على هامش مؤتمراتهم ومهاتراتهم لإطلاق نداء التسول للعالم باسم اللاجئين المرتجفين برداً.
ولا يزال يخرج علينا أغبياء ليقنعونا أن لابد من أن ينتصر المنطق في النهاية.
إنه المنطق.. المنطق الذي تبول على نفسه في سوريا.
التعليقات (6)