نحن نفاوض.. ونحن نقايض
حملت صفقة التبادل عنوانا كبيرا وهو جبهة النصرة المستعدة للتفاوض والتسوية في أي ملف، وإن كان إقليميا، وهذا ما يلمع صورتها السياسية التي تعمل على رسمها من خلال هذا النوع من الاتفاقات، فالنصرة أثبتت قدرتها على التفاوض والوصول إلى نتائج مع "حكومات"، كما أرسلت إشارة أنها لا تقتل الأسرى لا بل تكرمهم، وهذا ما بدا واضحا من خلال شهادات العسكريين اللبنانيين لوسائل الإعلام (بعد وصولهم إلى لبنان)، كما أكدت النصرة أنها معنية بحال اللاجئين السوريين القابعين في المخيمات تحت برد الشتاء، والمحاصرين بالجبال والجيش اللبناني وعناصر مليشيا حزب الله، والأهم أنها أفرحت بل أحيت لبنان الذي تحول لجثة، بعد أن ورطه حزب الله وتورط هو كدولة ببعض سياسييه في دعم نظام الأسد، عسكريا وسياسيا ولوجستيا، فلا يمكن نكران أنها -أي النصرة- كانت شريكة في إنجاح الاتفاق لأنها أوصلته إلى النهاية السعيدة عن وافقت الحكومة اللبنانية على مبدأ المقايضة، كما استطاعت (رغم تمسكها بتنظيم القاعدة، واعلانها غير مرة عدم رغبتها الانفكاك عنه) بأن تظهر واقعية، ومرونة، وبراغماتية كما الفصائل الثورية ذات الأهداف المحددة محلياً.
ثم أي..
الاتفاق تضمن بنودا تتعلق بمنطقة أمنة، وممر يصل مخيمات اللاجئين ببلدة عرسال اللبنانية، وهذا يعني حرية التنقل والحركة لأشخاص كان لبنان يتعامل معهم على أنهم جزء من "منظومة الإرهاب"، أو على الأقل أشخاص منبوذين، لا يفضل التعاطي مهم بإيجابية، فكيف إذا سيفتح الممر ويصبح وادي حميد أمنا؛ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قال: "الممر الآمن سيكون عبر حواجز الجيش اللبناني، ومن خلال انتشار الجيش على ما سماها -جبهة عرسال- من المستحيل أن يمر أي أحد إلا من خلال حواجز الجيش." وأضاف ابراهيم" التفلت الأمني في جبهة عرسال لم يعد موجودا."، قد يكون هذا الكلام ممكنا، لولا تجربة السنوات الماضية التي ارتهان قرار الجيش في كثير من الأحيان في تلك المنطقة، لأوامر حزب الله، ولولا أن أمرا يتعلق بالثقة بقدرة جبهة النصرة على ضبط الحدود من الجهة السورية، وإلى حد ما المخيمات في الجهة اللبنانية، لم يكشف الأمر في الاتفاق علنا، لكنه أصبح أمرا واقعا؛ المحلل العسكري ناجي ملاعب قال لأورينت "إن وجود النصرة في المنطقة الممتدة من الزبداني إلى عرسال كقوة فاعلة، ودخولها ونجاحها في هذه المفاوضات، يمكن أن يساهم في تبريد الجبهة، سيما وأن حزب الله بدأ بالانكفاء باتجاه الداخل اللبناني."
حزب الله مر من هنا.. انْكَفأ
المنطقة التي جرى فيها التبادل، والمناطق التي انطلقت منها النصرة إلى لبنان، ومحيطها كانت يوما ما من نصيب حزب الله الذي أعلن غير مرة سيطرته على أجزاء واسعة منها، لكن لا يبدو له أي أثر فيها هذه الأيام، وكذلك تشير الأنباء إلى بدء انسحابه فعليا من كثير من مناطق القلمون السورية "الانكفاء للداخل"، لكن هذا ليس الغياب الوحيد بل غيابه أو تغييبه، كان واضحا عن كل مشاهد الصفقة، وما قبلها وما بعدها رغم أن اللواء عباس ابراهيم اشركه في الصفقة عندما أعلن "أنه زار نصرالله الشهر الماضي ووعده بالاتصال مع أمير قطر لتحريك الملف، وبعد ذلك بأسبوع تحرك الملف، وبدأ بالتسارع." بحسب ابراهيم، وهذا يعني ببساطة أن الحزب بدأ فعليا بلملمة ما يستطيع تمهيدا للهرب، والعودة لقواعده، وإلا لماذا كان يعترض طيلة عام ونيف على مبدأ المقايضة مع النصرة، وما الذي تغيير؟ قد يكون تغير الكثير؛ ميزان الربح والخسارة على المدى البعيد، كذلك المناح العام الذي أفرزه العدوان الروسي، وما صاحبه من شروط روسية بشأن المنظمات المقاتلة غير قوات الأسد، إضافة إلى اجتماعات فيينا التي شكلت إلى حد ما مؤشرا على نية للبدء بحل (بغض النظر عن مضمونه)، وهذا يعني أن على الأطراف جميعها استيعاب ما عليها تقديمه خدمة للظروف الراهنة.
وكأنه اتجاه للحلحلة..
تأتي هذه الصفقة في بنودها المتعلقة بالجانب الانساني وكأنها نصر للجبهة، لكنها ليست كذلك إذا ما أخذت بمنطق أن هؤلاء هم لاجئون ليس إلا، لكنها تأتي أيضا منسجمة لحد ما مع ظرف راهن من المتوقع أن يعرف تسوية ملفات عدة منها ما يتعلق بريف دمشق أو ريف حمص، وبعيدا عن مضمون التسويات وما قد تشهده من شروط متبادلة (قد تكون مجحفة)، لكن يبدو أنه لابد منها، إذ كانت اليوم في كلمة الرئيس الأميركي بارك أوباما لأول مرة، عندما لمح إلى أن جبهات عدة في سوريا يمكن أن تشهد وقف اطلاق نار، كفاتحة للذهاب إلى فيينا، حيث ستجري المفاوضات بين المعارضة والتي تضمن هذه المرة عسكريين فضلا عن السياسيين.
أميركا ستقاتل وحيدة..
رغم تلميحه إلى إمكانية وقف اطلاق النار، لكن كلمة الرئيس الأميركي خلال في قمة المناخ، لم تقدم جديداً في الشأن السوري سوى كلام مكرر عن فقدان الأسد للشرعية، مع إشارة إلى دور الفصائل السورية التي ستمر من غربال "الفرز الإرهابي"، أوباما قال: "نريد أن نرى دوراً للفصائل المعتدلة في الحل القادم".، كما دافع أوباما عن خيار رحيل الأسد، ورد على كل من علق التمسك به على شماعة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية كي لا تنهار، بأنه "يُمكن الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية من دون بشار الأسد."، أما التطور الأبرز الذي صدر من واشنطن فهو ما صرح به وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر عن أن الولايات المتحدة سترسل قوة خاصة من أجل القيام بعمليات من جانب واحد في سوريا، وهذه القوات سيكون بمقدورها تنفيذ غارات والإفراج عن رهائن وجمع معلومات الاستخبارات وأسر زعماء من تنظيم الدولة، تصريحات وزير الدفاع كانت واضحة بشأن الالتزام بقتال التنظيم فقط، لكنها حملت أيضا تصريحاً بأن أميركا لن تقاتل مع أحد أي بلا شركاء، وهذا يشمل بالتأكيد وحدات الحماية الكردية التي كانت تمني النفس بأن تتطور علاقتها مع واشنطن عسكريا بعد وصول المدربين إلى "كوباني" وتتحول إلى مساندة حربية خاصة بعد تشكيلها أي الوحدات لغطاء جديد يسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، ويشمل عدم الشراكة أيضا تركيا التي أعلن رئيس وزرائها، أحمد داوود أوغلو، عن تشكيل قوة عسكرية مع السعودية لقتال التنظيم، وهذا يعني أن أوباما بعد التردد، والزهد قرر أن يرسل قوات خاصة، بأعداد صغيرة، ولعمليات محدودة، وأن يقاتل وحيداً.
التعليقات (3)