في شأن بعض المعارضة، وشجونها..

في شأن بعض المعارضة، وشجونها..

اشتد  في الأيام السابقة حراك المعارضة السياسية السورية استعداداً لمؤتمر الرياض، فقواها السياسية الكبرى والصغرى على حدٍ سواء تتداول في شأن الاستحقاق القادم، على السطح يعيد المعارضون فيما بينهم التأكيد على ثوابتهم، ويزيدون على ذلك برفع سقف المطالب السياسية، رغم إدراكهم أن ورقة (فيينا) حددت سقف ما سيحدث في جلسات المفاوضات العتيدة. 

وفي بواطن هذا الحراك يتسارع تنسيق هذه القوى مع الدول الإقليمية الداعمة، وفي الكواليس ثمة حروب صغيرة هنا وهناك عمن يستحق أن يكون حاضراً في المؤتمر، وحول نسب الحضور لكل قوة سياسية، مع معرفة الجميع بأن الجهة المضيفة أي المملكة العربية السعودية صرحت بأن "الجميع" سيكون حاضراً، من أجل الخروج بوفد موحد للمعارضة. وفي السياق ذاته تتسارع الإعلانات كل يوم عن ميلاد قوى سياسية جديدة، وكأن الإعلان بذاته سيمنح المعلنين الحق في الذهاب إلى الرياض..!

وبعيداً عن الدوائر الخاصة بالمعارضة، يُظهر الواقع بأن الشعب السوري الغارق في هموم تأمين العيش، والحصول على الملاذات الآمنة، والمشتت بين جزر النزوح واللجوء، وبين مناطق السيطرات المتعددة على الأرض، غير مهجوس بكل ما سيحصل، لا في (الرياض)، ولا حتى في (فيينا)..! فالذهاب إلى الخيارات الشخصية بات هو شعار السوري، ليس لأنه قد انفض عن واقعه مجبراً، وليس لأنه فقد الأمل بنهاية واضحة لهذه المقتلة التي يعيشها، بل لأن أحداً من القوى المعارضة لم يتوجه إليه ليطلعه على ما يحصل الآن، أو ما قد يحصل غداً..!

يتذكر السوريون أن شيئاً مشابهاً لما يجري الآن قد حدث سابقاً، فالشعب الذي جرى تغييبه عن السياسة طيلة أكثر من نصف قرن على يد نظام البعث، لم يحصل على الإشراك المطلوب من قبل القوى السياسية المعارضة التي حملتها ثورته إلى الواجهة، ولعله من الطريف والمؤلم معاً، أن قوة سياسية كالمجلس الوطني، قد جرى سحبها من الواجهة ليحل محلها الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، عبر ذريعة عدم تمثيل المجلس لكل قوى الثورة السورية، ولكل فئات الشعب السوري! 

وكما غاب وضوح آليات اختيار المشاركين في المجلس كان الحال في اختيار المشاركين في الإئتلاف. حاول المؤتلفون في البداية تقديم أنفسهم على أنهم طيف سوري واسع وحقيقي، فتم إشراك أسماء تمثل الحراك الثوري الشبابي في الشارع، ضمن تشكيله، ولكن أحداً من السوريين البعيدين عن الدوائر السياسية لم يدر كيف تم اختيار هؤلاء الشباب، وبذات الآلية من غياب الوضوح، وفي اجتماعات الإئتلاف تمت صياغة العشرات من التفاصيل السياسية والمجتمعية، دون أن يدري السوريون لماذا يكون المعارض الفلاني بدلاً من المعارض العلاني، في هذا الموقع أو ذاك..! وبكل الأحوال ورغم تأثير تكوين وبنية الإئتلاف على الكثير من التفاصيل التي عاشها السوريون اللاجئون في غير بلد، والتي تتصل بالشؤون المعيشية، والمؤسسات التي تصدت لهذا الأمر كوحدة تنسيق الدعم، وكذلك الحكومة السورية المؤقتة، إلا أن الطامة الكبرى كانت تتمثل في غياب الوضوح بين التشكيل الأكبر للمعارضة وبين السوريين في المفاصل السياسية الأخطر، ففي التحضير لمؤتمري (جنيف) في الربع الأول من عام 2014، يتذكر الجميع كيف أن كل التفاصيل قد صيغت في الغرف الضيقة، وأن السوريين الذين حرموا من حق اختيار ممثليهم، لم يجدوا ما حرموا منه في ممارسات القوى السياسية التي يفترض بها أن تمثلهم..! 

ويتكرر الأمر في الوقت الحالي، وتعيش المؤسسات المعارضة نوبات صرعها، كلما أزف موعد استحقاق مفصلي كمثل (جنيف) أو (فيينا) أو (الرياض)، وحين ترتفع الأصوات التي تطالب هذه المؤسسات بالوضوح وباللجوء إلى السوريين، والتعاطي مع الناس بشكل مباشر، يتم اتهام المعترضين بـ"الرومانسية السياسية"..! وفي أحسن الأحوال تتذرع هذه المؤسسات بأن الواقع (تشتت السوريين بين النزوح واللجوء، وسيطرة القوى العسكرية) يمنع قيام هذا التواصل المباشر!

هل القوى السياسية السورية المعارضة منفصمة عن واقعها؟ 

يبدو السؤال مجحفاً بحقها، فهي لم تولد من الفراغ، ويؤخذ بالحسبان أن غياب المعارضة على الأرض بسبب القمع السياسي، قد جعل من وجوه المعارضة التي عرفها السوريون خلال السنوات الخمس الماضية أشبه بنبت طارئ وغير معروفٍ، ولكن شيئاً من تفاصيل السؤال يبدو واقعياً، طالما أن ممارسات هذه القوى في العلاقة فيما بينها، وفيما بين من يفترض بها أن تمثلهم، ظلت مبنية على "الكولسة" (اشتقاق من كواليس)، والتي تحولت إلى صفة دائمة من مواصفات السياسيين السوريين المعارضين، ما جعلها بحاجة لجرعات عالية من الشفافية، لم تقو على تناولها، ليس بسبب عدم قدرتها على ذلك فقط، بل بسبب ارتهانها لقوى إقليمية، ساهمت في خلقها وتكريسها كمعارضة أمر واقع، تعيش بين وزارات الخارجية، بدلاً من تكريسها كقوة فاعلة على الأرض تعيش في حاضنتها الطبيعية أي الشعب السوري، وضمن هذا السياق يبدو مفهوماً كيف أن القوى الإقليمية المتحكمة بالقوى العسكرية، لم تساهم في خلق أي مساحة في الداخل السوري، للجهاز التنفيذي (الحكومة السورية المؤقتة)، بل تركته في حالة انعدام وزن، تسمح بالتخلص منه عند الحاجة لذلك. وهذا ما كشفت عنه وقائع اجتماعات الإئتلاف التي جرت في الأيام المنصرمة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات