الوسيط الموثوق و عراب التسويات

الوسيط الموثوق و عراب التسويات
وهكذا فمن الحرب العراقية - الإيرانية إلى غزو الكويت مروراً بالملف النووي الإيراني؛ والحرب في اليمن وما يحدث في مصر؛ ووساطتها الأخيرة في الجزائر فيما يعرف بأحداث مدينة غرداية وصولاً للملف السوري قضايا هذه المناطق برمتها علمتنا أن الظهور العلني لعُمان في أي ملف، يعني انتهاء سلسلة اجتماعات سرية كانت تُعقد على أراضيها ؛ وأن الاتفاقيات قد أبرمت وما تبقى محل خلافٍ لن يفسد للاتفاق قضية.

زيارة الخوجا لعُمان منذ يومين من ثم  زيارة وزير الخارجية العماني للأسد في وقت قريب آخر ، تثبت ما سُرب منذ ثلاثة أشهر عن اجتماعات متواصلة سرية تضم المعارضة السورية وممثلين عن الدول المعنية بالملف السوري لكنه لم يلق صدى

في وسائل الإعلام التي عادة ما تلتقف الأخبار خصوصا المتعلقة منها بالوضع السوري في مثل هكذا اجتماعات أو زيارات أو تسريب السري منها.

ارتبطت سلطنة عمان بإيران تاريخيا بعلاقة قديمة تذبذبت في ودها إلى إن أصبحت واقعا مفروضا عبر سيطرتها هي وإيران على مداخل الخليج العربي و أصبحت العلاقة أكثر نضجاً سياسيا بعد تولي الأمير قابوس في عام 1970 ؛ حيث أمد من إيران و الأردن وبريطانيا عسكريا لقمع ثورة ظفار في حين كانت هذه الثورة مدعومة من بعض الدول العربية رسميًا و دربت ثوارها , وكان رد الجميل من السلطنة لعب دور التقريب بين إيران ودول الخليج العربي و كانت بدايتها في عام 1976 عندما دعا السلطان قابوس لمؤتمر الدول الثمانية المطلة على الخليج العربي في مسعى لإزالة سوء التفاهم الخليجي الإيراني لكن هذه المحادثات لم تحقق نجاحًا يُذكر.

وعند ما تم تأسيس الجمهورية الإسلامية عبر الثورة الإيرانية في السبعينات سعت عمان للحفاظ على موقفها بشكل أو أخر على الرغم توتر العلاقات الخليجية والعالمية ضد إيران لا سيما الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

و بعد الحرب العراقية-الإيرانية في عام 1980، والتي استمرت نحو عشر سنوات ، ودعمت العراق في تلك الحرب من قبل  دول الخليج ، إلا أن عمان استمرت في علاقتها مع  إيران ولم تقم بقطعها، ليبدأ هنا دور الوسيط تاريخا لعمان حيث أبقت على خطوط التواصل مع طهران دائما مفتوحا و بدأت بلعب عراب التسويات في المنطقة بين إيران والدول العربية تارة وبين بريطانيا وأمريكا تارة .

حيث كانت أرض عمان مسرح المحادثات السرية في الحرب العراقية - الإيرانية لوقف إطلاق النار بين العراق و إيران ولم تستجب لدعوة مقاطعة إيران دبلوماسيا واقتصاديا في عام 1987، ورفضت أن يستخدم العراق أرضها في الهجوم على جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى ، وعند انتهاء تلك الحرب التي استمرت لعشرات السنوات قامت السلطنة بلعب دور لإعادة العلاقات الخليجية عموما والسعودية خصوصا مع إيران و الأمريكية الإيرانية ، حيث كان لها الدور في المساعدة في تحرير الصيادين المصريين الذين احتجزوا لدى إيران في أيام الحرب العراقية فأعادت بذلك العلاقات المصرية الإيرانية المقطوعة عام 1991  .

وقامت عمان مرة أخرى بالتوسط لتحرير رهائن اوروبين محتجزين كانوا لدى طهران  ومن ثم الإفراج عن بحارة بريطانيين عام 2007 و من ثم رهائن أمريكان عام 2011، وقامت عمان بتمثيل المصالح الإيرانية لدى الدول التي لا يوجد فيها تمثيل دبلوماسي لإيران بها ، وفي  الخلاف النووي بين إيران والغرب ، دعت عُمان إلى ضرورة الحلول السلمية والتحاور المباشر بين جميع الأطراف لحل هذا الملف و إشكالاته و في غاية تجنيب المنطقة خطر الحرب التي بدت في بعض تلك  المراحل قاب قوسين وأدنى .

أما بالنسبة للأزمة اليمنية فهي واحدة من أهم الملفات الحيوية التي تمس أمن الخليج بشكل مباشر،  وسلطنة عمان -بحكم موقعها- واحدة من الفاعلين الأساسيين في الأزمة اليمنية، ورغم محاولاتها الظهور في الآونة الأخيرة عبر حديثها عن أدوار دبلوماسية لحلحلة الأزمة وحوار يمني- يمني منتظر، إلا أنه – وبحسب المراقبون- لم يعد مجهولا توجهها المغاير لباقي الدول الخليجية.

السلطنة في رؤية دول مجلس التعاون الخمس، لم تقدم المأمول منها، رغم قيامها كوسيط في تسوية الاتفاق الأخير بين الحوثيين والسلطة وبقية الأطراف السياسية المسمى بـ "اتفاق السلم والشراكة الوطنية".

أما الأن فقد دخلت عمان على خط الوساطات الجارية حاليا لحل الازمة السورية ، من خلال الزيارةالاخيرة التي قام بها وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي منذ ايام إلى العاصمة السورية دمشق حيث التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد ، وطرح امام هذا الاخير بعضا من االافكار والحلول ، خصوصا أن بن علوي كان استقبل قبل أسبوع رئيس الائتلاف السوري المعارض  خالد خوجة في العاصمة العمانية  مسقط، الأمر  الذي  نفاه الائتلاف السوري المعارض أن يكون رئيسه حمّل بن علوي أي رسالة إلى الأسد أو طلب منه أن يكون وسيطا بين المعارضة والنظام، وسط ترجّيحات من قبل  معارضين سوريين الى تفعيل المسار السياسي في فترة قريبة جداً.

وكان قد تلقى السلطان قابوس بن سعيد رسالة شفهية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتعلق بالأوضاع في المنطقة ، عقب الاجتماع الرباعي الذي عقد الجمعة الماضية في العاصمة النمساوية " فيينا " ، وناقش الأزمة السورية بمشاركة وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا ، ولم يتوصل المجتمعون إلى توافق في ما يتعلق بمصير الأسد ، لكن الدول الأربع اتفقت على مواصلة تلك المشاورات. وأعلنت موسكو على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف تأييدها إجراء محادثات بين حكومة الأسد «وجميع أطياف» المعارضة السورية، وأضاف أن الأطراف كافة تتفق على الحاجة إلى دعم الجهود لعملية سياسية في التسوية السورية». وأوضح أن ذلك يتطلب بدء محادثات واسعة بين ممثلين عن الحكومة السورية وجميع أطياف المعارضة السورية الداخلية والخارجية بدعم من لاعبين خارجيين .

لعل كل الأحداث آنفة الذكر تثير تساؤلات شتى من بينها، هل  اتخذ القرار بشأن سوريا وتم الاتفاق عليه والان تقوم عمان بالتسويق له بعد بعض المحادثات التي جرت على اراضيها كما حصل في الملف النووي ياترى، ولن نبتعد كثيرا عن الجواب فهذا ما يجب ان تظهره التحركات القادمة في المنطقة والتصريحات، ما سيقوم به عراب المنطقة -كما يشاع- أنها عمان، لعل القادم سيخبرنا بمزيد من التفاصيل والإجابات التي ما تزال تساؤلاتها في رؤوس الجميع.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات