تلك اللعنة تلاحقنا، جواز سفر أزرق ضد التفجير والتلف، يظهر في كل ساحة تضرجت بدم ضحايا لفعل إرهابي، تماماً كما كانت تظهر أكياس الخضراوات والفواكه بجانب القتلى في دمشق بعد التفجير، وكأن المطر الذي شكر أهل الميدان الله عليه عندما تعامل معنا النظام كأغبياء ليفسر مظاهرة الميدان، كأن ذلك المطر يظهر من جديد في كل شبر في العالم الأعمى.
إن غيرت صورة بروفايلك على الفيس بوك ووضعت العلم الفرنسي يا صديقي السوري، وإن لم تغيره، وإن أدنت الهجمات أو لم تدنها، إن اتهم العالم كله داعش أو لم يتهمه، إن مات في باريس سوري,ن أو لم يمت مننا أحد، إن خرجت في مظاهرة تعاطف أو لم تخرج، إن أدركت حجم الجحيم الذي سيلاحقك كلاجئ في أوروبا أو لم تدركه، أنت اليوم متهم ومذنب، مذنب لأنك خرجت من سوريا ولم تمت برصاص الأسد، ومتهم لأنك تحمل جواز سفر أزرق ولم تملك الجرأة لسرقة آخر يحمل لوناً آخر في مطار ما في العالم.
لا أذكر متى عاتبت ذلك الشاب الذي نسي كلام الغزل فنسيني في غمرة الموت المتراكم، ولم أفهم يوماً في السياسة لأجاريه في تحليلاته، يخبرني أن التفجيرات التي حصلت في فرنسا ليست أكثر من رسالة لفيينا، وأن روسيا اليوم وإيران والأسد هم المنتصرون الوحيدون والسعيدون بكل وأي عمليه إرهابية، أستمع لما يقوله وأقول في نفسي "ماشي ماشي.. اشتقتلي؟"، أتحدث مع نفسي ولا أجرؤ أن أخبره بما أفكر، سيتهمني بأنني منفصلة عن الواقع الذي نعيشه، أصمت وأخفض رأسي وأقول "أرجوك أيها العالم أن تنساني، hسقطني من حساباتك، لا تفتعل المؤتمرات على حساب دمي، كل ما أطلبه اليوم هو كلمة غزل من حبيبي يجعلني أتنفس وسط هذا الدمار والموت، ليأتيني بدلاً عنها تهمة إرهاب، يلصقونها على جواز سفري الملعون، وأنا لازلت لا أستطيع سرقة جواز سفر أحمر أو أخضر".
يتصل بي أخي من دمشق، أتلهف لصوته، يأتي كلامه من البعيد خافتاً متعباً، وعندما أسأله عن رأيه بتفجيرات باريس يضحك، أضحك لأنني لم أعرف ما هي النكتة التي أخبرته بها وجعلته يضحك لكنني أشعر بالسعادة لأنني أضحكته، يُنهي ضحكته ويروي لي شعوره عندما اعتقلوا صديقه قبل ساعات على حاجز شارع بغداد وأخذوه لخدمة الجيش، ويسترسل عندما لا أقاطعه "نحن يا أختي نهرب من الحواجز متل القط الذي وقع بالمصيدة، الشام مجنونة، الشباب كلن ع الجيش والموت، لا تواخذيني ما قدرت أبكي منشان الفرنسيين اليوم، كنت هربان من حواجز الأسد بالعاصمة السجن"، ومع إنهاء المكالمة شعرت بالعجز وغيرت خطتي من سرقة جواز سفر لاستخدمه في المطارات لأشعر ببعض الكرامة، لسرقة جواز سفر لأخي على أمل أن يخرج من سجنه الحالي وموته المستقبلي المحقق.
صديقي الذي لا تغادره الكآبة واليأس في بيروت لم يغير صورة بروفايله لأي من صور الضحايا، أصرخ به "لست إنسانياً"، فيرسل لي على صندوق التشات الفيسبوكي وجهاً أصفراً ساخراً "لستُ إنسانياً"، وبعد لحظات يفجر غضب العالم في وجهي "هل تعرفين أنني عالق هنا، أحمل تذكرة سفر إلى ألمانيا، وفيزا نظامية، ولا أستطيع الصعود إلى الطائرة لأن الأمن اللبناني اعتقل جواز سفري الأزرق، ومامن أحد هنا في بيروت ألجأ إليه، وبضعة أيام وستنتهي فترة صلاحية الفيزا التي حصلت عليها، وسأبقى في معتقلي اللبناني، ولن يضع أحد صورتي على بروفايله"، أعود للتخطيط بسرقة جواز سفر لصديقي المكتئب.
تضيع دوما وأطفالها، وتموت داريا وشبابها، ولا تزال صورة "آلان" الطفل الغريق الذي غطت صوره إعلام العالم هي الوحيدة الصالحة للقنوات الإخبارية، ولا تحرك صور دوما ولحظات الرعب التي تلتقطها عدسات المصورين السوريين الشباب على وجوه الناس منتظري القذائف، لا تحرك تلك الصور مشاعر العالم الأعمى، وتختفي أسماء الشهداء لتبقى فقط في أرواح أحباءهم.
ماذا سأكتب في رسالتي إلى "عبد" في دوما، كيف سأطمئن عليه، وهل سيرد علي كالعادة "الله يسلمك.. لسا عايش"، لن أكتبها ولن أضع علم فرنسا على صورتي رغم أنني حزنت على كل من مات بالتفجير الإرهابي، ولكنني لا أملك جواباً إذا ما سألني أحد من سوريا عن سبب وضع ذلك العلم على صفحتي بدلاً عن أطفال سوريا، إذاً، سأسرق جواز سفر فرنسي لأضع علماً فرنسياً، وأتحول لمواطنة فرنسية.
سأسرق جواز سفر لصديقي في لبنان، وحبيبي، وأخي، وكل من أعرفهم في سوريا، وسنتحول إلى إنسان بدلاً من أن نكون إرهابيين فقط، وسأبتسم لحاملي الجواز الملون الأزرق عندما يتعاطفون معي.
التعليقات (7)