إعادة استنساخ التاريخ يأتي على شكل مهزلة

إعادة استنساخ التاريخ يأتي على شكل مهزلة
لقاء فيينا الثاني سينتج عنه تشكيل "حكومة الكيلومتر الأخضر في دمشق".. دولٌ كثيرة منها "روسيا" تحاول إعادة إنتاج "نظام أسد" عبر فسح المجال لشخصيات من نظامه، بعضها حالي وبعضها سابق، ثم تسويقها وبيعها للسوريين.

ومن هذه الشخصيات مناف وفراس طلاس، الأول ضابط منشق، والثاني، صاحب تيار الوعد "السياسي"، وهما أبناء "مصطفى طلاس" وزير الدفاع الأسبق، طيلة حكم حافظ الأسد و في بعض سنوات حكم ابنه بشار، والذي صرح غير مرة أنه كان يوقع أسبوعيا على قرارت إعدام تضم قوائم لمئات المعارضين لحكم حافظ الأسد!

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي عملت جهات دولية ذات نفوذ على وصول شخصيات غريبة الأطوار إلى حكم كثير من الدول العربية، عبد الناصر وعبد الحكيم عامر زوج الراقصة برلنتي، والقذافي وحسن البكر وحافظ الأسد وصدام حسين وعلي عبد الله صالح وبشار الأسد...، الثورات عرّت هذه الشخصيات ليتبين الآن للشعوب العربية أنها لو عثرت على مصباح علاء الدين وفركته وخرج العفريت المارد وطلبت منه العثور على شخصيات مشابهة لها في طول الكوكب وعرضه، لجلس العفريت يندب ويلطم ضعفه وعدم قدرته!.

مع ذلك.. في زمن انكسار الشعوب العربية آنذاك، وهزيمتها على كل الأصعدة، وانكفائها عن المساهمة بالعمل الوطني والتغيير، فُرضت هذه الشخصيات _ليس حكاما فقط_ وقُدّمت على أنها شخصيات عبقرية التفكير وصاحبة رؤى استراتيجية، وذات ثقافة ربانية لا يمكن أن نحظى نحن الشعوب، والبشر الطبيعيين بمثلها!. فمثلا كان المطلوب من كتاب القذافي الأخضر بكل سخافاته ووضاعة رؤيته ولغته أن ينافس الكتب المقدسة!؟ لذلك كان من السهل في تلك الأزمان الخائبة أيضا تمرير ودحش شخصية مصطفى طلاس بينهم.

"مصطفى طلاس" الشخصية المثيرة للسخرية عند السوريين، والمشهور بتعليقه لأوسمة براقة تخفي بزته العسكرية، والتي لا يعرف السوريون كيف وسبب حصوله على تلك الأوسمة، إذ لم يربح الجيش في ظل قيادته التي تواصلت لأربعة عقود  معركة واحدة، سوى معركته على الشعب السوري ذاته في حماة وحلب بين أعوام 1980 و1982! كما كان يطيب للعماد أيضا أن يمشي بسيارته مرتديا بزته العسكرية وأوسمته المزركشة في شوارع دمشق يتحرش بطالبات الجامعة!؟.

وللمفارقة، أيضا، قدم العماد "طلاس" نفسه كما "القذافي" كاتبا ومفكرا ومؤرخا عبقريا بأفكاره وخطاباته الشتائمية التي تكاد تكون نسخة مشابهة لإنتاج القذافي "المثقف"! كما أن طلاس لم يكُن أمينا حتى على أسرته، فمن المعروف أنه باع ابنته المراهقة إلى رجل أعمال ثري يكبرها بثلاثة أضعاف عمرها ليموت "الزوج" بعد أشهر من "زواجهما" وترث ثروته، ثم لتصرفها على "طموحات" العائلة "السياسية" حاليا!

يعج تاريخ سوريا السياسي الحديث بجنرالات عسكريين أداروا فرقا وألوية، انشقوا عن الحكم وقادوا محاولات انقلابية، ناجحة أو فاشلة، لكنهم جميعهم انشقوا بضباطهم وعساكرهم، وداهموا وحاصروا فرقا وألوية عسكرية أخرى تابعة للحاكم المنقلب عليه، أو حاصروا مباني هامة كالإذاعة والتلفزيون في دمشق، أوحلب... إلخ.

لكن "مناف طلاس"، (قائد اللواء 105 حرس جمهوري) ظهر في باريس، منشقاً، وحيداً، بشعر "مسرسب"، ووجهٍ "مسمسم"، وقميص "مفتوح"، يكشفُ عن "جلّ صدره"، وكأنه عارض أزياء على ممشى!. الجنرال الديغولي "مناف" كما يتم تسويقه حاليا، لم يستطع أن يخرج من دمشق برفقة مدير مكتبه على الأقل وليس بعساكر فرقته! يبيعونه لنا اليوم على أنه سيكون باني جيش سوريا الحديث وموّحد الكتائب المقاتلة على الساحة السورية!.

لا أعرف كيف سيوحّد هذا الوجه "المسمسم" الجيش الحرّ مع الفصائل الإسلامية، كـ/ جيش: "الإسلام والأمة والنصرة والمعز وخالد والقعقاع، بقيادات كزهران أو أبو قتادة وأبو القعقاع وأبو وو، مع كتائب الشبيحة، بقيادة النمر والعقرب والأسد وكل حيوانات الأرض المفترسة، بجيش واحد"؟!.

أما "فراس طلاس" الذي أسس تيار الوعد، فما لبث أن اكتشف السوريون أنه مجرد تجمع لمراهقين ومراهقات تحت يافطة سياسية، هدفه تسخيرهم لإغواء الناشطين وبعض المسلحين على الأرض لجلب معلومات استخباراتية، ومن ثم تزييف بعض هذه المعلومات وتجييرها لضرب مواقع الكتائب التي لم تبايعه مع أخيه، وتصويرها على أنها كتائب إرهابية وداعشية ليتم قصفها من قبل قوى دولية عسكرية متورطة في سوريا!.واضحٌ أن جينات طلاس في تطور انحداري مستمر، من الأب للأولاد للأحفاد، لكنها حافظت على بوصلة مرتكزها الأساسي وهو تطويع عملهم بالدعارة السياسية لخدمة طموحات العائلة.

قبل عدة أشهر اتصل بي أحد الأشخاص المؤثرين على الساحة السورية، والتقينا، تحدثنا في عدة مواضيع لكن أيا منها لم يكن هدف اللقاء، ثم استجمع الرجل وقال: "فراس ومناف طلاس أبناء وزير الدفاع الأسبق انشقوا عن حكم الأسد، ويجب أن يكونوا داخل المعادلة السياسية الحالية والمستقبلية لسوريا، وأعتقد أن لهما شعبية ما"!.

فأجبته لقد صدقت فعلا لهما شعبية لا يستهان بها فالفيلم الأخير الذي كان بطله "فراس طلاس" حصد نحو خمسة ملايين مشاهد!.(ظهرت مؤخراً صورٌ عدة وأفلام خلاعية لفراس وبعض أتباعه على صفحات التواصل الاجتماعي). فأجابني:"لا تكمل. فهمتك. لقد اختصرت كل الشروحات"!. لكني وجدت علامات الضيق عليه فسألته: لماذا يحك وجهه؟ فقال: بالأمس التقيت فراس وسلم علي وقبلني، والآن أحس برغبة للاستحمام"!. ضحكنا.. وذهب مستعجلا حمامه!  

ربما لو كانت هذه الشخصيات ومن على شاكلتها موجودة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت ستستطيع المرور كما مرّ أباؤهم من قبل، لكن كيف ستمر اليوم والشعب السوري يقاتل في كل شبر من وطنه بدمائه لتحريره من هذه الحثالات؟! وأباؤهم أنفسهم حينما تمكنوا من الاستيلاء على حكم البلاد بالخديعة قضوا على الشخصيات التي حكمت قبلهم وشتتوا عائلات سياسية سورية شهيرة وشريفة كالعظم والأتاسي وكيخيا والحراكي... إلخ، لا تستحق مطلقا ما جرى لها.

لا يحدث هذا فقط مع السوريين فهناك محاولات تجري لإعادة تمرير أمثالهم في بعض دول الربيع العربي، لكنها لن تنجح وقريبا سنرى نتائجها الكارثية على شعوب المنطقة برمتها، فإذا ما قرر المجتمع الدولي أن يستنسخ مرة أخرى لعبته في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما بعدها من الأزمان القميئة، فإن ذلك يعني أن المنطقة تسير نحو مزيد من الخراب والدماء، كما أن المحاولة ذاتها تحمل بالضرورة رمزيات سيئة ومهينة للشعوب العربية المطالبة بالتغيير، عموما، وللشعب السوري صاحب المليون شهيد حتى اليوم، خصوصا.

الرمزية الأولى، أن "دولة أسد" ونظامه، الكيماوي البراميلي، باقية رغم مجازره وجرائمه. والرمزية الأسوأ؛ إهانتهم للشعب السوري واتهامه بأنه مفلس وعاقر وغير قادر على الإنجاب وتقديم شخصيات أخرى. وبالمحصلة سيؤكد المجتمع الدولي للسوريين ما يتهمونه به بأنه القاتل الحقيقي للشعب السوري والمحطم لروح ثورته وطموحاته والذي يسبي حقوق من قادوا بأرواحهم رحلة البحث عن التغيير.

السوريون لن يتوقفوا ويبدؤوا حياتهم الطبيعية أحرارا قبل أن تخرج شخصيات حكم "أسد الأب والولد" من مستقبل سوريا، تلاحقهم لعنات السوريين أبد الدهر على إجرامهم، فلن يكون لزمن السوريين القادم، زمن الحرية، شخصيات من زمن يضحون بأرواحهم لسحقه ودفنه، ليصح القول الحق إن: "لكل زمان دولة ورجال".

اقرأ أيضاً

إشارات ظهور حكومة "الكيلو متر الأخضر السورية"

التعليقات (4)

    syrien

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    الى السيد المحترم غسان عبود انا ابصم لك بل العشرة.لان هؤلاء على قول المثل (كلب خلف جرو طلع انجس من اباه ) هؤلاء هم عصابة نهبت خيرات الوطن وكل مايملك الوطن من شعب وكرامة.فلذلك من الصعب جدا ان تعول على افراد النظام المشقين وغير المنشقين .نحن بحاجه الى نخبة جديدة تملك شروط الديمقراطية وتملك الحق في تسير الامور والسياسة المطلقة. ابن البلد.

    خالد عبدالله

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    اه لو رجال الاعمال العرب يسخرو اموالهم لاوطانهم وشعوبهم المغلوبه ، كان الحال تغير، لاكن في اوطانا رجل الاعمال هو رجل السلطه . شكرا لك يابن الشام الاصيل, كل ماتنفقه ستجده عرفانا لك في الدنيا ، وجزاءا لك في الاخرة من ربك الذي يحب من يدافع عن الحق

    أيممن عصمان ليبيا

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    صدقت لا فض فوك

    Wonder

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    Then ask Orient News editor to stop censuring your readers letters and have the courage to tell Syrians who is paying for Manaf Tlaas to lead Syria
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات