هل اكتمل إحراق البلد؟

هل اكتمل إحراق البلد؟
اشتهرت المؤسسات العامة ذات الإدارات الفاسدة في سوريا بحوادث الحرائق لمستودعاتها قبيل نهاية السنة، أي في الشهرين الأخيرين، حين يستعد العاملون فيها لإجراء الجرد السنوي..

تكرار حوادث الحرائق في هذه المؤسسات خلق انطباعاً لدى السوريين بأن ما من حريق جرى وكان مجرد حادثة، بل إن هذه الحرائق كلها هي الإجراء الطبيعي الذي تقوم به إدارة المؤسسة للتغطية على السرقات التي جرت فيها طيلة العام..

ربما كان اعتياد السوريين للحرائق هو ما جعلهم يستوعبون شعار الشبيحة التي غطى شوارع مدن سورية كثيرة "الأسد أو نحرق البلد".. فما كان يحدث للتغطية على الفساد، بات مع هذا الشعار فعلاً مصرحاً به، وبدلاً من أن يكون خياراً من خيارات التغطية على الجريمة، صار واحد من احتمالين لا ثالث لهما، وبالتالي توجب على السوريين أن يختاروا، ولأن الثورة كانت تقول شعار إسقاط نظام الأسد، فإن السوريين ومن دون أن يصرحوا أو يرغبوا أو يكون بإمكانهم الاختيار، وجدوا أنفسهم مرغمين على مشاهدة حرق البلد، كسياسة نفذها النظام وشبيحته طيلة السنوات الماضية.

حقيقة أننا لم نحتج لشرح هذه المعادلة لأي شخص سوري، بل إننا كنا مضطرين لشرحها لكل صحفي أجنبي كان غير قادر على استيعاب شعار الشبيحة، أو فهم كيف يمكن لجيش الدولة السورية أن يهاجم مناطق سورية، وأن يقتل مواطنين سوريين، وبعد فترة من الوقت بات هؤلاء الصحفيون لا يسألون عن السبب، ولا عن الشعار، بل بات همهم أن يسألوا عن داعش..، ربما لأن داعش ليست صعبة الفهم، بالنسبة لهم، هي تنظيم إرهابي، مؤطر، ومحدد، ومنبت عن سياق العلاقات مع دولهم ومع النظام العالمي كله، وشعاراته مختلفة، لا تحتاج للتفكير كثيراً كي يتم فهمها، بالإضافة إلى أن حرائق داعش مادة مطلوبة للميديا، بينما حرائق الأسد التي غطت سوريا باتت غير مهمة إعلامياً.

كانت سوريا مؤسسة استثمارية أسدية فاسدة، وحرائق مستودعات مؤسساتها العامة، كانت محاولات من قبل صغار الفاسدين للتغطية على فسادهم، ولكن الفساد الأكبر، الذي مثله النظام كان مستمراً، ولم يتأثر رغم أن بعض مفاصله الأساسية ظهر فسادها للعامة، حيث كان يتم حرق المفصل ذاته عبر تجريده من منصبه، ومن ثم تدبير انتحاره، كحادثة.. ثم يطوى الأمر، وليتابع الجميع مسيرتهم المظفرة إلى أن يقضي رأس النظام بتغيير هذا المفصل أو ذاك.. الخ، غير أن النظر إلى سوريا كدولة ذات مقومات، بنظام أمني لا يمكن للشعب السوري، ولا لمؤسساته أن يحاسبه على شيء، يحول البلد التي يحكمها هذا النظام إلى مؤسسة بذاتها، مؤسسة ذات دور وظيفي متفق عليه، يجب التعاطي مع خيار الحرائق فيها بشكل جدي، لا من جهة كونه حادثة بل من زاوية أنه خيار لـ(أصحاب) المؤسسة و لشركائها أيضاً.

قبل فترة وجيزة سألني صحفي فرنسي بخبث؛ لماذا برأيك تغاضى العالم عن جرائم نظام الأسد الأب ومن بعده الأسد الابن؟ ووجدتني أجيبه، لأن هذا العالم كله كان شريكاً لهذا النظام طيلة عشرات السنين، شريكه في تكوينه الوجودي، حين سمح له بأن يستمر رغم عدم شرعيته حين انقلب على شركائه وأودعهم السجن، شريكه في الاستمرار حينما سمح له بأن ينهي الحياة السياسية في البلاد كلها، وشريكه في جرائمه ضد دول الجوار كلها، حينما سمح له بأن يكون له يد في كل قضايا المنطقة(لنتذكر شعار الدور المحوري لسورية الأسد)، وشريكه في الاستمرار حينما عقد معه صفقات إقليمية، مكنته من انهاء المقاومة الفلسطينية، والمشروع الوطني في لبنان على سبيل المثال لا الحصر، ويسرت له كذلك مد اليد على الملفات الداخلية الشائكة في غير بلد، وشريكه في دعم الإرهاب أيضاً حينما سكت عن ارتباطات جماعات إرهابية كثيرة باستخباراته..! وغيرها وغيرها من قضايا..، 

هذا النظام كان ومازال عقدة مواصلات مافيوزية، تتقاطع عندها مصالح جميع الجهات المتخاصمة في العالم؛ فلكل منها مصلحة لديه، وهو خادم لها جميعاً..! وبالتأكيد حين سيأزف موعد الجرد أو الحصاد النهائي، لما قام به هذا النظام، سيكون الشركاء سعداء جداً بحرق المؤسسة كلها، ففي حرقها فائدة أولى في تغطية جريمة عظمى هي وجود هذا النظام الذي دمر البلد وشعبها أصلاً عبر سياساته طيلة عقود، وجرائم ملحقة هي العلاقة مع هذا النظام، والتي كانت تقوم على أساس تمكينه الجميع من نيل ما يريدون في المنطقة، دون أن يلوثوا أيديهم أو أسماءهم في كل ما جرى و يجري. وفي حرق سوريا فائدة ثانية لكل هؤلاء، فكلهم يسن أسنانه على كعكة إعادة إعمارها، فكما تقاسم هؤلاء خرابها، سيتقاسمون ثرواتها لاحقاً، بعد أن يتم احلال نظامها المندحر بنظام وظيفي أخر..

وهنا وبعيداً عن تأويلات الكثيرين لزيارة رأس النظام لموسكو، التي بدت في معظمها مبنية على معطيات لا يمكن تقدير مدى صدقيتها، كالحديث عن مرحلة انتقالية قريبة وغير ذلك، يمكن لنا ومن خلال قراءة الدور الوظيفي للنظام في كل الملفات التي كان يشارك العالم بها، تقدير الوقت المتبقي له في البقاء.. 

ومن أجل تبسيط المسألة يمكن لنا أن نسأل: هل اكتمل احراق البلد؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات