اتفاق التنسيق هذا، وإن جاء متأخرا ثلاثة أسابيع، هي مدة العدوان الروسي لكنه يأتي على شكل اضطرار أميركي حتى لا تقع حوادث نتيجة للأنشطة الروسية المقلقة والتي أجبرت في الأسابيع الماضية مقاتلات أميركية على تغيير مسارها، وهذا ما عبر عنه بيتر كوك بالقول "اضطرارنا إلى اللجوء إلى مذكرة تفاهم يوضح قلقنا من الأنشطة الروسية."، وكما يؤكد هذا الاتفاق أن ثمة غطاء يمكن أن يسمى "المصلحة" منحته واشنطن للتدخل الروسي العسكري يشرعنه، رغم أن هذا التدخل إلى الآن لم يبادر بمشاركة التحالف الدولي في حربه على تنظيم الدولة، لكن تبقى المصلحة الأميركية أو مصلحة باراك أوباما بأن لا يجره أي أحد لحرب أو اشتباك أو حتى يخرجه من اعتكافه المعلن فيما يتعلق بالملف السوري، وكأنه يخشى أن تفعل روسيا ذلك أو تفتعله، لكي تأتي بواشنطن إلى طاولة مفاوضات تكون موسكو عليها الطرف الأقوى كونها تمتلك القوة الآن.
وعلى صعيد التدخل فقد أعلنت موسكو أنها "استهدفت نحو 500 موقع في سوريا" منذ أن بدأت حملتها الجوية لدعم العمليات البرية التي تقوم بها قوات الأسد، وهذا ما دأبت واشنطن على الاعتراض عليه حيث تعتبر هذه الضربات تطال فقط الثوار وفصائل الجيش الحر ومنهم من دربتهم أميركا أو سلحتهم، لكنها في النهاية تبدو مستسلمة لأمر واقع هو القصف الروسي المستمر.
أما في البنتاغون فإن مخاوف كبيرة تثار بشأن خطة الرئيس الأمريكي الجديدة لتسليح مقاتلي المعارضة السورية مباشرة، حول ما إذا كانت لدى الإدارة ضمانات كافية للحيلولة دون سقوط الأسلحة في أياد "غير مرغوب" فيها، وكأن ثمة تبادل أدوار داخل الإدارة الأميركية ذاتها الهدف منه الابتعاد قدر الإمكان عن سوريا، تارة بزهد الرئيس وتارة بمخاوف البنتاغون وخاصة بعد الفشل في برنامج التدريب السابق الذي كلف قرابة الـ500 مليون دولار دون أن يقدم المطلوب منه، فتم استبداله بآليات تسمح بتزويد المعارضة بالسلاح مباشرة ليمثل ذلك أيضا شبه نأي بالنفس عن الحرب، يتوج ذلك كله بالاتفاق مع روسيا على التنسيق جوا، رغم إدراك الطرفين أن خريطة الأهداف ومناطق العمل مختلفة تماما، وأن ثلاثة أسابيع من العمل المشترك في سماء واحدة لم تؤدِ لأي حادث يذكر.
كما أن الولايات المتحدة كانت تعمل لأكثر من عام مضى مع وجود طيران الأسد كعدو وشريك في الأجواء، فما الذي دفع واشنطن إذا لتوقيع هكذا اتفاق، إنه الخوف من تهور أو "طيش" روسي قد يشعل المنطقة، ولا مصلحة إطلاقا للجانب الأميركي بذلك، بل على العكس مصلحته تقضي الابتعاد، وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك "الاتفاق يوضح استعدادنا للعمل مع الروس حينما يكون في ذلك مصلحة لنا."
التعليقات (2)