نحو استعادة الجيش الحر

نحو استعادة الجيش الحر
أعادت سخرية لافروف من الجيش الحر الاعتبار له من السوريين الغيارى عليه، حتى من أولئك الذين كانوا بالأمس يهاجمونه ميدانيا، ويجبرونه على ترك مواقعه، متهمين إياه بالارتباط والعمالة  لمشاريع غربية، وبدا لوهلة قصيرة  وكأن الالتفاف حوله والدفاع عنه  من أولويات الوطنية السورية المفقودة في  لحظة استعادتها .

وصار تقديمه وإعلان وجوده والتغني بعملياته الميدانية جزءا من الانتصار المعنوي على  الهجمة الروسية، وحالة من الرد المباشر  سياسيا وميدانيا على تهافت المنطق الروسي،وانحيازه الفاضح للنظام الأسدي.

ليس خافيا على أحد المرامي المباشرة لكلام لافروف باعتبار كل حملة السلاح بوجه النظام هم إرهابيون، وهو بذلك يشرعن تدخل بلاده في الحرب على الإرهاب، ويعفيها من المساءلة حول انتقائية أهدافها الواضحة لجميع المعنيين بأنها بعيدة كل البعد عن داعش، كما يضفي من جهة ثانية لبوس الشرعية على بشار الأسد بوصفه محاربا للإرهاب بسبب التكوين العام لخصومه.

ولم يكن لافروف أول الساخرين من الجيش من الحر فقد سبقه أوباما العام الفائت حين أشار إلى أن الحديث عن القوى المعتدلة في سوريا يشبه النكتة، لكن الغضب الشعبي والثوري من لافروف كان أعلى لسببين: الأول أن اوباما لم يسم الجيش الحر بالاسم ، فيما لافروف فعل ذلك، ويعود السبب الثاني والأهم إلى أن كلام اوباما جاء في معرض التخاذل والتلكؤ الأمريكيين عن دعم الثورة السورية، فيما كلام لافروف يأتي مع العدوان السافر لبلاده، وهو ما أجج الغضب السوري.

لكن لافروف من غير أن يقصد رمى في الساحة السورية المعقدة واحدا من أهم الأسئلة المسكوت عنها في الآونة الأخيرة بقوله:من هو الجيش الحر؟

بإغفال التفاصيل الصغيرة يمكن اعتبار الجيش الحر الوالد الشرعي لحركة المقاومة العسكرية في سوريا ، والذي تأسس أصلا من خليط المنشقين عن المؤسسة العسكرية مع المدنيين الذين دفع بهم عنف النظام إلى عتبة المواجهة المسلحة في بدايات الثورة.

قبل تبلورها الواضح،  توسع مفهوم الجيش الحر ليشمل كافة الفصائل المسلحة المتكونة حديثا بمسميات متنوعة  تبدو في معظمها ذات حمولة دينية، ولاقت  تلك المسميات نوعا من التسامح الوطني ،أو أقله نوعا من التفهم الذي اقترب لاحقا من التبني  الواسع مع ازدياد فائض عنف النظام.

 وهكذا تدريجيا تمزقت عباءة الجيش الحر عن معظم هذه الفصائل، كاشفة عن ولاءات متنافرة، ومضامين عابرة للوطنية السورية وبات الجيش الحر بين فكي كماشة صراعه مع النظام وصراعه مع الإخوة الأعداء على أبوة الشرعية الثورية التي خسر معظمها ماديا ومعنويا.

بهذا المعنى كان تراجع الجيش الحر ونزيف رصيده المتواصل لحساب الجماعات الراديكالية تعبيرا لانحسار الوطنية السورية وموازيا لها، ومسايرا لانتقال مركز الثقل في المسألة السورية من داخل حدودها إلى الخارج الإقليمي والدولي، والذي فرض بدوره دعما لجماعات مغايرة خارج دائرة الجيش الحر.

وإذا كان تدخل إيران وميليشياتها الطائفية قد أججت المشاعر الدينية، وساهمت في تعزيز الفصائل المسلحة العابرة للحدود، وحجمت من زخم الجيش الحر في معظم المناطق الثائرة، فان التدخل الروسي شكل صدمة للوعي الوطني  على المستويين السياسي والميداني بعيدا عن الهويات الجزئية والمنطلقات الدينية. 

ولعل لافروف بتصريحه الشهير كمن رمى حصاة في المياه الراكدة حول الوجود الفيزيائي للجيش الحر مما استدعى استنفارا إعلاميا ومعنويا مشبوبا بالعاطفة.

يمكن لتلك العاطفة  الآنية  حول الجيش الحرأن تتبخر كما حصل معه  في البدايات ما لم يتم طرح الأسئلة الأعمق ، لا عن وجوده فحسب، بل عن ماهيته المحددة لتموضعه وطنيا ، والحاملة لعقيدته القتالية، من أجل إعادة إبرازها ورد الاعتبار لها بوصفها مدخلا وحيدا للانتصار الجامع لكل أطياف الشعب السوري.

   

 فعلى المستوى الشكلاني يتميز الجيش الحر باتخاذه علم الثورة رمزا له، كما يتميز بالطابع المحلي لمقاتليه، فالجيش الحر لا يحتمل في بنيته العسكريه ولا في مضامينه الوطنية أفرادا غير سوريين، كما لا يحتمل رموزا دينية او مذهبية من شأنها أن تلغي الفروق بينه وبين الفصائل الأخرى، كما أن وجود تلك الرموز  بشكلها الجزئي لديه ستكون عاجزة عن منافسة حامليها ومدعي وكالتها الحصرية.

 أما من حيث الجوهر فان ما يميزه هو سوريته بالتحديد، سوريته في عقيدته القتالية  المتمثلة بالدفاع عن المناطق الثائرة والعمل على إسقاط النظام تحت المظلة السياسية للثورة  باعتبار الجيش أداة تنفيذية خارج إطار الفعل السياسي المباشر، و بعيدا عن أي تصور أيديولوجي مسبق يسعى لتحقيقه على الأرض .

الجيش الحر وطنيا  هو كعب أخيل النظام  الذي يدعي حرب الإرهاب ، وهو النقيض الفعلي لجيش الأسد الذي لم يكن في يوم من الأيام خارج حالة الميليشيا المقنّعة قبل أن يتحول إلى ميلشيا شكلا ومضمونا، ولهذا كان إصرار النظام وحلفائه  مضاعفا على الدوام لإزاحة  تلك العقبة من الطريق.

  في النهاية، وبعيدا عن ترف التنظير، وإغفال تعقيدات الساحة السورية بتشابكاتها الإقليمية  والدولية، يمكن القول بما لا يدع مجالا للشك:  إن استعادة الجيش الحر في اللحظة الراهنة بما تبدو عليه من لحظة مواتية داخليا وخارجيا، ورفعه واقعيا إلى مركز الصدارة  هو عودة بالصراع إلى مضامينه الأولية في مواجهة النظام .

تلك المضامين التي بدت لوهلة ما وكأنها غابت، أو غيبت مع ضجيج المدافع وشدة الوتيرة الطائفية.

فهل يتم التقاط هذه اللحظة؟ أم تبقى الحالة أسيرة النشوة العاطفية العابرة؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات