هل فقدت سوريا (الدولة الموحدة) ضرورتها في المنطقة؟

هل فقدت سوريا (الدولة الموحدة) ضرورتها في المنطقة؟
كان تقسيم سوريا الخطوة الأولى لسلطات الانتداب الفرنسي، حال سيطرتها على المساحات التي حاصصتها مع البريطانيين ضمن اتفاقية سايكس بيكو، وهكذا كان على السوريين أن يتأقلموا مع واقع إداري، تَوزعهم إلى خمس دويلات.

فرضية الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين، كانت تقوم على إنشاء دولة كبيرة في المشرق العربي، ولكن ما بدا أنه قد تحقق بخروج العثمانيين من بلاد الشام، استحال إلى فرضية خفية مضادة، قامت على ركائز التقسيم. هنا يستطيع الباحثون أن يستغرقوا في تحليل كل التفاصيل، وقد فعلوا، فأنجز المؤرخون عشرات من الكتب التي بحثت في معطيات المشاريع التي عملت عليها كل القوى على الأرض، وبالتأكيد كانت أغلب هذه الأبحاث تؤكد أن العنصر السوري، أو لنقل القوى السياسية والاقتصادية والمجتمعية السورية في النصف الأول من القرن الماضي، كانت هي الجهة الحاسمة في عملية صياغة المشهد السياسي السوري الذي انجلى عن مشروع دولة وطنية، قُدِرَ للتدخلات الإقليمية وصراعات القوى السياسية، أن تعطله طيلة عقودٍ عديدة، من خلال سيطرة المحاور الدولية، على القوى السياسية وتوجهاتها ما قبل الوحدة مع مصر، إضافة إلى القسر الذي أصاب نوابض النهوض المجتمعي، عبر سيطرة العسكر على مقدرات السلطة والمجتمع منذ 1963 وحتى قيام الثورة السورية 2011.

الذهاب إلى البحث التاريخي، ضرورة محتمة من أجل الإجابة على سؤال يقول: كيف بُنيت سوريا كدولة موحدة؟ ولكن العودة إلى الواقع الراهن هي أشد الضرورات من أجل الإجابة على سؤال أخر يقول: لماذا يمكن لسوريا ألا تبقى دولة موحدة؟! 

في البداية وقبل محاولة الإجابة على السؤال، يجدر بنا التنبيه إلى ضرورة عدم الركون إلى حقيقة تقول: إن السوريين هم من صنعوا وحدة دولتهم، وأنهم هم ذاتهم من سيعمل ضد تقسيمها، فإراحة العقل من التفكير والشك بالاستناد إلى واقعة تاريخية سابقة، لا يجعل من السوري مطمئناً إلى أنه لن يخسر بلده في صيغتها الموحدة السابقة؟! فالمعطيات تغيرت، إذا أن قسرية التقسيم قبل ما يقارب 95 سنة، لا يقابلها حكماً قسريةٌ أخرى يشكلها الواقع الحالي الذي أفضى إلى تقسيم نفسي لدى عموم أفراد المجتمع، منذ أن بدأ النظام ومؤيديه الحرب ضد سوريين آخرين..! هنا وفي الراهن ثمة بنية نفسية خلخلها واقع الحرب، ولعل شدة الأذى النفسي، تضطرد مع كثافة عنف الجرائم المستمرة التي يرتكبها النظام والعصابات الإجرامية التي تقاتل معه، ما يجعل من غالبية السوريين مرضى، يجب أن يخضعوا للعلاج من قبل القوى التي تجد مصلحتها في أن يكون السوريون شعباً معافى، وإذا غاب العلاج والمعالجون كما هو الواقع الحالي، وجب على السوريين أنفسهم أن يجدوا حلولاً لأنفسهم، والتي تبدأ باقتراح إبعاد مصدر الخطر، إن لم يتمكنوا من القضاء عليه، وعليه فإن دوافع التقسيم، باتت متوفرة لدى الطرف الأضعف في معادلة الواقع الراهن، ونقصد هنا عموم السوريين الذي انضموا إلى خيار الثورة على نظام الأسد، ولم يتمكنوا من أن يعيشوا بأمان في مناطقهم التي دمرتها البراميل، وغارات النظام وقصفه اليومي.

التقسيم النفسي، أو فقدان الأمل بأن يكون السوريون مجتمعين ضمن إطار دولة واحدة، طالما أن هناك "شركاء في الوطن" مازالوا يدافعون عن النظام، ورغم كونه أشد الأخطار على سوريا التي نعرفها، إلا أنه ليس كافياً للإقرار بأن البلد سيمضي إلى التقسيم فعلاً، فرغم أن مناطق شاسعة من سوريا قد باتت مقسمة بين القوى المسيطرة على الأرض، منذ عدة سنوات، إلا أن أي من هذه القوى لم تحصل على الشرعية التي تمنحها السيطرة الفعلية الراسخة، كما أن من يمتلك الشرعية القانونية بحسب قوانين الأمم المتحدة أي النظام، لا يستحوذ على أي شرعية من قبل سكان العديد من المناطق التي استعاد السيطرة عليها بقوة السلاح، كما أنه لا يملك قوة معنوية أو حتى مادية تجعله يقنع حتى مؤيديه بأن سيطرته على مناطقهم يستمدها من شرعيته، فالكل يعرف بأنه يستمد قوته من وقوف قوى عسكرية معه، كان أخرها القوات الروسية في منطقة الساحل.

هنا لابد من طرح سؤال يهجس به الكثيرون، وهم يرون القوى الإقليمية والدولية قد أدارت ظهرها لمأساة السوريين، وكأنها تدفع بهم إلى طلب التقسيم؛ هل فقدت سوريا كدولة موحدة ضرورتها في المنطقة؟ 

الإجابة هنا، وفي حال توفرت معطياتها بقوة وثقة، تعني رسم خارطة مستقبلية على نمط خرائط سايكس بيكو، ليس للسوريين فحسب، بل لكل دول الإقليم، فإذا كانت سوريا فعلاً قد فقدت ضرورتها كدولة، فإن على راسمي الخرائط، أي القوى الدولية المتحكمة بالملف، أن تعد العدة لفرش الخرائط الأخرى على طاولة لعبة الأمم. 

هل كان تفكيك سوريا عملاً مخططاً له من قبل القوى التي تعمدت ترك القتلة (النظام وحلفاؤه وداعش) يسرحون على الأرض السورية؟ أم أن السياق العام أوصلها الى هذه العتبة؟ أياً كان الأمر، وحده استمرار الثورة ضمن شعاراتها الأولى وثوابتها الوطنية الراسخة، سيجعل هذا الأمر غير ممكن، حتى وإن اعتبرنا رفض السوريين للفكرة إنكاراً لحقيقة الخطر القريب.

التعليقات (1)

    هلا

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    اكيد في سايكس بيكو جديد، واكيد في ظل غفلة و عمالة الكثير من القاده العرب لن تكون هذه السايكس بيكو الجديده لمصلحتنا.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات