الروليت الروسي في سوريا

الروليت الروسي في سوريا
لا رابح في لعبة الروليت الروسية، أقصى ما تتمناه أن يخطئك الموت لتبقى حيا ًكما كنت قبل بداية اللعبة.

إن كان إثبات الشجاعة وعدم الخوف من الموت كافيا على المستوى الشخصي في لعبة الروليت، فإن لعبة الروليت السياسية ضرب من الحماقة.

للإنصاف، بداية يمكن تشبيه التدخل الروسي المباشر بموضوعة الكيماوي المرسوم كخط احمر ، حيث إن القتل بكل الوسائل الأخرى كان مسكوتاً عنه، كما تم السكوت عن التدخل الإيراني وتفريعاته المليشياوية.

فنحن لم نسمع اعتراضاً حقيقياً واحداً من الولايات المتحدة على التدخل الإيراني السافر في سوريا، على الرغم من وجود القرارات الأممية تحت الفصل السابع والتي تقيد إيران وحركتها.

ولم نسمع اعتراضاً من الولايات المتحدة حول الانخراط الكلي لحزب الله في سوريا رغم تصنيفه كمنظمة إرهابية.

فلماذا إذن تعترض الولايات المتحدة على التدخل المباشر لروسيا في الأرض السورية؟

وما الفارق النوعي أو الجوهري بين التدخل الروسي والإيراني؟ ولم كل تلك الضجة الإعلامية والسياسية التي تصدرت المشهد في الأيام الفائتة حول هذا الموضوع؟ أهو الخوف أن تنجح روسيا في قلب موازين القوة حيث فشلت إيران ؟ أم يعود الأمر برمته الى التناقض بين المنطوق الدبلوماسي الروسي وبين حركتها الفعلية على الأرض؟

في حقيقة الأمر لم يخف الروس منذ اندلاع الثورة وقوفهم إلى جانب نظام الأسد بكل الوسائل المتاحة لديهم ، ومن ضمنها الإمدادات العسكرية والاستشارية الميدانية، ولعل الأمر تجاوز ذلك كما قيل حول إسقاط الطائرة التركية بصاروخ روسي منذ عامين، أو حتى بتوجه الأسطول الروسي إلى مرفأ طرطوس غداة إعلان أوباما نيته في تأديب النظام عسكريا على خلفية الموضوع الكيماوي.

ما الجديد إذن؟ ولم المسكوت عنه إيرانياً مستهجن على الصعيد الروسي؟

قد يجد البعض تحولاً نوعياً في انتقال الروس من موقع الحليف الرئيسي إلى موقع الشريك المباشر في الموضوع السوري، ولكن الهدف السياسي في حالتي الحليف والشريك هو الحيلولة دون سقوط نظام الأسد عسكرياً، وهو ما يتقاطعون فيه مع الهدف الأمريكي المعلن بهذا الشأن، مما يجعل من الاعتراضات الأمريكية مجرد فقاعات إعلامية ليس إلا، الأمر الذي ظهر جلياً في التبدل السريع للخطاب الأمريكي من الاستهجان إلى المهادنة ،والدعوة إلى التنسيق مع القوات الروسية.

واقع الحال، لولا الانحناءة الأمريكية لأمكن تفسير الاستغراب والاستهجان من وجهة النظر الغربية والمحلية ، بمعنى أن السقف السياسي الروسي بدا أخفض من مثيله الإيراني الذي تضمن في بنود مبادرته انتخابات رئاسية تحت إشراف دولي، فيما لم يتجاوز كلام بوتين عن الانتخابات النيابية، وتطعيم الحكومة بالمعارضة المقبولة، وهذا يعتبر تصعيدا سياسيا لنسفه كل الوعود الروسية السابقة.

وان كان الاستهجان من الزاوية العسكرية حيث إن الانخراط الروسي يعني استخدام أسلحة نوعية جديدة وهو ما تناقلته وسائل الإعلام بما فيها وسائل إعلام النظام.

يمكن التساؤل: ما هي النتائج المترتبة على استخدامات أسلحة أحدث في حرب داخلية كالحرب السورية الدائرة؟

فالروس يعرفون كما يعرف سواهم أن الحسم العسكري لصالح النظام غير ممكن ، وأن استقدام تعزيزاتهم وقواتهم وأسلحتهم الحديثة لا يتعدى دوره منع سقوط النظام وترسيم خطوط النار الحالية إلى أمد ما ، وفي أحسن الأحوال تحسين مواقعه الميدانية مرحليا، وهذا يعني في ظل امتناع الحل السياسي دخولا مكلفا في جرح مفتوح قد يرتب عليهم المزيد من الخسائر التي سيكونون شركاء بها ماديا وسياسيا.

إذن، ما هو المأمول روسيا من هذا التدخل المباشر؟

بعيداً عن الوضع الاقتصادي الروسي المأزوم على خلفية مواقفها السياسية، وبعيداً عن الرغبة الروسية في الهروب إلى الأمام من خلال الحديث عن بناء المجد الروسي، فإن أهداف التدخل الروسي واضحة تماماً وهي حماية نظام الأسد، وإعادة تأهيله ، فهذه ليست هي المرة الأولى التي يفترق فيها الخطاب الروسي قليلاً عن خطاب النظام مما يوحي بأن اختراقاً ما قابلاً للحدوث، لكنه ما يلبث أن يتكشف عن مناورة لفظية تخفي وراءها مزيدا من التصلب الفعلي إلى حد التطابق مع منطق النظام.

ولكن، بافتراض حسن النية، يمكن القول إن الروس الذين باتوا يستشعرون ضعف حليفهم الأسد، كما يستشعرون ضعف المعارضة السياسية على الأرض، قد أدركوا أن مصالحهم مهددة فعلياً ، مما استوجب وجودهم المباشر لحماية دورهم في أية تسوية مرتقبة، وهذا لا يمكن حدوثه خارج التوافقات والتفاهمات الضمنية مع البيت الأبيض .

وبافتراض سوء النية فإن تواجدهم في الساحة السورية يهدف لقطع الطريق على التسويات المطروحة وإبقاء حليفهم المهزوز على كرسيه المصنوع من جماجم السوريين، وهم بذلك يدخلون في اشتباك دولي يعيد سيرة أفغانستان إلى الذاكرة الدولية.

ومهما تكن النوايا، فإن التدخل الروسي بات أشبه بالسحابة الدخانية التي تغطي الوجود الإيراني وملحقاته العسكرية، مما يسمح للإيرانيين بمزيد من حرية الحركة في تقليص وجودهم الميداني، أو حتى تعزيزه.

عموما ً، يتصرف الروس كما لو أن أحداً ما لا يمكنه ردعهم..ورهانهم في ذلك السياسة الأوباومية المهادنة، والارتباك الأمريكي في الموضوع السوري، فهل تنم خطوتهم تلك عن حركة شطرنج بارعة أمسكت بالخصم من نقطة ضعفه في لحظة شرود عالمي وإقليمي لشراء الوقت الى حين الدخول في فترة السبات الانتخابية الامريكية؟ أم لا تعدو كونها حركة روليت روسية أقصى ما تتمناه أن يخطئها الموت، وقد لا يفعل.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات