وقد قال مسؤول عسكري أمريكي: لتمكين النجاح العسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كان يجب أولاً أن يكون لدينا استراتيجية سياسية لحشد المعارضة العربية السنية الكبيرة ضد هذه الجماعة الإرهابية، في كل من سوريا والعراق وأيضاً في المنطقة، لكن جعل إيران شريك لنا هو التطور الذي جعل العديد من السنة يرون أن الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا هي أهون الشرين.
هذا بالمجمل العام حول نظرة أهل المنطقة لما يقوم به التحالف، لكن بالعودة إلى الشأن السوري ، وهو ما يهمنا الآن، نجد أن الإدارة الأمريكية كرائدة لجهود التحالف قد أغفلت النقطة الأهم بأي عمل عسكري جوي يستهدف أهدافاً تضم في طياتها تنظيماً وكوادراً بشرية، وتلك النقطة تتمثل بالشريك على الأرض لجهود التحالف من مقاتلين قادرين على المشاركة والتنسيق مع الضربات الجوية، وجعل تلك الضربات مقدمة لأعمال عسكرية لاحقة تستفيد من نتائجها وتتابع لتنفيذ ما لم تحققه تلك الضربات مستغلة حالة الفوضى والتشتت التي تعانيها الأهداف المتعرضة للقصف لتحقيق ما تبقى من تنفيذ المهمة.
ولكن عندما أرادت الولايات المتحدة تطبيق هذا الأمر لم تجد أكثر من (54) من العناصر الراغبين والموافقين على الشروط الأمريكية المفروضة على برنامجها التدريبي،لأنه من الواضح أن لا ثقة للثورة بكل هذا البرنامج ولا ثقة بواضعيه، إضافة إلى الشروط اللامنطقية واللاوطنية بالنسبة لهؤلاء عندما اشترطت عليهم (أمريكا) عدم استهداف المتدربين لنظام (الأسد) والتفرغ فقط لقتال تنظيم داعش، متناسية أن كل الشعب السوري يعلم أن داعش ما هو إلا أحد منتجات هذا النظام الفاسد (المعروف باختراقاته لتنظيم القاعدة وغيرها وما فعله بالعراق خير مثال على ذلك) وأن قتاله بعيداً عن قتال ميليشيات الأسد لم ولن يحقق أياً من أهداف الثورة، وهي سياسة تقفز فوق كل الحقائق التي تبرز أن مجموع ما قتله تنظيم داعش من السوريين لا يصل لعشر الأعداد التي قتلتها ميليشيات النظام وحلفائها, عدا عن ملايين المهجرين والنازحين ومئات آلاف المعتقلين والمغيبين في سجون وزنازين النظام، وكان الأجدى بالولايات المتحدة أن تقول ، وبأبسط التوقعات، أنها ستقاتل إرهاب النظام وداعش معاً كي تستطيع استقطاب كل تلك الطاقات البشرية التي كانت مستعدة للانخراط بمشروع التدريب الأمريكي، لكن كان من الواضح أن أول من عَمِل على إفشال مشروع التدريب الأمريكي هي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وعلى يد القائمين والموكلين بهذا المشروع ، وبأوامر من البيت الأبيض أو البنتاغون أو الCIA نفسها.
فَشَلُ التحالف وضرباته العسكرية الجوية كان له أسباب أخرى تمثلت بالخذلان الأمريكي ليس فقط للشعب السوري، بل حتى لدول الجوار السوري (لبنان،الاردن، تركيا) والتي تحملت فوق طاقتها الاستيعابية من استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين ، وكان على الولايات المتحدة السعي مع تلك الدول لإقامة مناطق (آمنة،عازلة، نظيفة) ولا تهم التسمية بقدر ما يهم إيجاد مناطق لحماية السوريين فتجعلهم يتمسكون بأرضهم وتساهم بتخفيف عبء اللجوء على كاهل دول الجوار (والآن بدأت أوروبا تدفع ثمن هذا القرار الخاطئ), لكن الوقائع تقول إن الولايات المتحدة كانت أكثر من مانع وماطل ورفض طلبات دول الجوار بإقامة تلك المناطق الآمنة رغبة منها بعدم إزعاج روسيا أو شريكتها بالمفاوضات النووية (إيران)، وهذا ما تسبب بكثير من الخلافات انعكست على جهود التحالف الذي تحول لأخبار باردة تتناولها وسائل الإعلام ودون أي نتيجة تذكر، مع تحول جهوده لحالة عسكرية ميدانية تأقلم معها تنظيم (داعش) بعد أن أصبحت ضرباتها غير ذات جدوى وبدون أي تأثير.
بالعودة للطلعات الجوية والتي بلغت وفق البيانات الإعلامية والتقارير العسكرية للبنتاغون الأمريكي لحوالي (6,000) طلعة جوية، يفترض أن تكون قد قصمت ظهر مقاتلي داعش أو أفنت نصفهم على الأقل، نجد أن مجموع ما أعلنت عنه الإدارة الأمريكية من أرقام توقعية وليست دقيقة حول خسائر التنظيم قد بلغت (14,000) مقاتل داعشي, بينما نفس التقارير تقول إن تنظيم داعش تمكن خلال نفس تلك الفترة من تجنيد ما بين (15و20) ألف مقاتل جدد ضمهم إلى صفوفه, وبالتالي تضاف تلك النتيجة لتكرس فشلاً آخر يضاف لفشل جهود التحالف بشكل عام.
عندما وجه رئيس اللجنة العسكرية في الكونغرس الأمريكي السيناتور (جون ماكين) سؤالاً لوزير الخارجية ورئيس الأركان الأمريكية حول سبل وطرق حماية المنضوين بمشروع التدريب الأمريكي، لم يكن الجواب شافياً إن لم نقل لم يكن هناك جواب، لأن العارف ببواطن الأمور يعلم أن الولايات المتحدة غير قادرة على حمايتهم جواً وغير قادرة بنفس الوقت على تزويدهم بمضادات جوية لأنها ستحدث تغيراً في موازين القوى قد يطيح بنظام الأسد وهذا ما لا تريده واشنطن حالياً.
صحيفة الواشنطن بوست قالت: إن معظم الطلعات الجوية للطائرات الحربية تعود وهي محملة بالذخائر والصواريخ ومن دون تنفيذ مهامها, ودللت على ذلك بشواهد ووثائق، وقد كان رد الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع رداً مخزياً وبعيداً عن أي منطق عسكري عندما نسبت الفشل بتنفيذ الضربات لعدم قدرة وسائط وطيران الاستطلاع من تحديد أهداف ضربات الطيران، بإغفال واضح وتعمية كاملة عن امتلاك حلف الناتو لأقوى وسائط الاستطلاع بما فيها الأقمار الصناعية القادرة على تحديد أدق التفاصيل في الساحة السورية والعراقية.
عام مضى ولا ندري كم من الأعوام سنعد، لكن على هذا المنوال يبدو أن الطريق ما زال طويلاً، ويبقى الأمل بإرادة الثوار على الأرض لتغيير هذا الواقع، فدخول الفرقة 30 إلى جانب ثوار حلب لقتال تنظيم داعش في مدينة مارع قد تكون خطوة بالاتجاه الصحيح باعتبارها ستترافق مع ضربات جوية داعمة لجهودها، نأمل أن تكون لحظة تغير في السياسة الأمريكية تعيد تصحيح البوصلة وتعيد الثقة بجهود التحالف من أنه وجد حقيقة للحرب على الإرهاب الذي يمثل نظام (الأسد) قمة هرمه.
التعليقات (5)