ميراث الحيطان والحسابات على "فيس بوك"... بعد رحيل أصحابها!

ميراث الحيطان والحسابات على "فيس بوك"... بعد رحيل أصحابها!
قد تكون نائماً أو على وشك الإفاقة من النوم حين يرتجف هاتفك المحمول وينبئك «فايسبوك» بأن اليوم هو ذكرى مولد أحد الأصدقاء المقربين. وهذا الصديق، في الأثناء، توفي. وتقترح عليك الشبكة، وهي تصل بين الأحياء، زيارة صفحة الصديق وتهنئته... وهذا ما قد تفعله من غير إعمال فكر أو انتباه. وتُمضي دقائق في استعراض الصور المشتركة، وتُمر شريطها من اليسار إلى اليمين مستعيداً ذكريات أيام كانت الحياة فيها أخف وطأة من اليوم. وإذا كنت لم تختبر بعد هذه الحال، فالأرجح أن الاختبار لن يتأخر وقتاً طويلاً. وفي غضون أعوام، ستمتلئ الشبكة الاجتماعية بالموتى.

وتحصي دراسة أعدتها «إنتروستيت» وفاة 3 أشخاص مشتركين في «فايسبوك» في الدقيقة الواحدة. وفي فرنسا، توفي 544 ألفاً في 2014، ويبلغ عدد المشتركين من أصحاب الحسابات الشخصية 26 مليوناً. وعلى هذا، يقدر عدد المتوفين من أصحاب صفحات شخصية «فايسبوكية»، في اليوم الواحد، 24 شخصاً. وغالباً ما يحتفظ القريبون من المتوفى بصفحته حين وفاته، تكريماً له وتحية. فيحمِّلونها الصور والرسائل والأغاني، غداة أعوام على تاريخ الوفاة. ويبعث «فايسبوك» في الأحياء شعوراً بالذنب ونازعاً يعصى الكبت: «أدرك أن الأمر موجع، ولكن لا حيلة لي في الكف عنه»، تقول آمال التي فقدت منذ 5 أعوام صديقاً قريباً. وهي تقر بأن رؤية صوره على الشبكة تطمئنها في أغلب الأوقات، وتقلقها في أوقات أخرى: «هذا الإحساس مازوشي من غير شك، فالصور القديمة تثير حنيني إلى زمن مضى، وفي المساء حين ألقي نظرة على إحدى هذه الصور، وأكون وحيدة، أنفجر بالبكاء».

وشطب الحساب، من ناحية أخرى، قد يعني موت الشخص مرة ثانية. وتقول فانيسا لالو، وهي معالجة اختصت بالوسائط الرقمية: «يكاد عالم الشبكة العنكبوتية يقوم مقام كناية عن عالم الآخرة، فهو لا يُلمس لمس اليد ولا يتجسد، وهو فضاء لا يحد، ومن ينزله لا يبرحه ولا يغادره، ويبقى أثر منا فيه بعد موتنا ولو طال الزمن». وقد تكون سمة الشبكة الاجتماعية الفارقة هي تشبيهها على الأحياء بقاء من فارقوهم. فالصور القديمة و «الستاتوس» لا تنفك حاضرة، على شاكلة منزل لم يتح لتاركيه تحميل أشيائهم وأغراضهم قبل تركهم. ففي مقدور المقربين المحافظة على شكل من أشكال التفاعل مع الراحل. وهذا ما حدا بكاميل الذي فقد أخته قبل أعوام إلى إلغاء حسابها: «المشكلة هي أن ترك الحساب ناشطاً يوهم بأن الشخص لا يزال حياً، على خلاف الواقع، فليس هو من يتعهد الحساب، وفايسبوك ليس الواقع، وبعضنا ينسى ذلك». وتعطيل الحساب أمكنه من قضاء حداده على الفقيدة. وكان غالباً ما يزوره، فينظر واجماً إلى صورها ورسائلها وتعليقاتها، قبل أن يدرك المعنى المرضي الكامن في ذلك، على قوله.

وتقارن فانيسا لالو الموقع الرقمي، اليوم، بنصب الموتى، بالأمس. ويقوم الحساب مقام الشاهد أو محله. وزيارة «فايسبوك» أقرب متناولاً من زيارة النصب أو الشاهد. وكف ستيفان عن الكتابة على حائط صديقه المتوفى، ولكنه يزوره 3 مرات أو 4 في العام: «زيارة حسابه تشبه التلويح له من بعيد، فهو أشبه بنصب رقمي». والفرق هو أن الشبكة الاجتماعية غير كتوم ولا سكوت. فما إن يكتب الواحد رسالة نصية تحيي الصديق الراحل حتى تبلغ الرسالة مئات الأصدقاء القراء، وبعضهم لم تسبق معرفة بهم، فيقرأون الاعترافات المعلنة والمدونة في «الإنترنت»، ويشهر المرسل حياته الخاصة والحميمة فوق شهرتها. وتلاحظ فانيسا لالو أن «فايسبوك» جيشان من غير رقيب ولا ضابط، والناس يُخلّون بين أنفسهم وبين كلام لا تمييز فيه بين الحميم وبين العلانية، وينقادون الى إبلاغ الناس ما يحسون ومن يكونون.

وحين توفي دايف غولدبيرغ، زوج شيريل ساندبيرغ، مديرة العمليات في «فايسبوك»، دعت هذه أصحاب الحسابات الى إزجاء التحية إلى زوج```ها الراحل على حائطه. وفي أيار (مايو) المنصرم، غداة انقضاء شهر على وفاته، دعت الأصدقاء والأصحاب إلى تقاسم ذكرياتهم على حائطه.

فحياة الشبكة تفترض الجهر وتقاسم الأخبار والآراء والمشاعر. ويلاحظ أن الصور والرسائل المتبادلة غداة الوفاة هي التي تحظى بالمقدار الأوفر من الرضا والقبول والانتباه. وهي كذلك الأثيرة على مصدر البرمجة. فهو قد يرسل قائلاً: «منذ 4 أعوام كتبت هذه الرسالة التي راجت، فهل تذكر؟». وانتبه المشرفون على الشبكة، في 2014، إلى حاجة بعض أصدقاء المتوفين وأسرهم إلى تيسير إجراءات إبطال حساباتهم، فاستجابوا الطلب. ولكنهم اقترحوا تحويل الحساب إلى نصب تذكير أو إلى شاهد، وإلغاءَ إجراءات التبادل والتراسل بين حساب الراحل وبين حسابات أصدقائه و «متتبعيه». فيقتصر الرابط على رسائل يتبادلها أصدقاء الراحل الأحياء، وتنشرها صفحة التكريم والتذكير الخاصة. ويقتضي تدبير الأمر وصية رقمية توكل إلى المكلف الإعلان عن اسم الراحل الحقيقي، وإحصاء حساباته، وتمييز ما يبقى من «ميراثه» في النصب وما يلغى منه، وإلا تعهد التدبير ذوو القربى.

* المصدر: صحيفة الحياة 12/8/2015 - إعداد: منال نحاس

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات