و كما الفسيفساء التي تحتوي الكثير من القطع الصغيرة الملونة هي الأحداث في سوريا , لكنّ الإيجابية في الفسيفساء السورية هي الصورة المجملة " محاربة النظام " فهي الصفة الظاهرة لدى الجميع, أما المضمون فلكلّ قطعة يدٌ صنعتها و اختارت لها مكاناً مناسباً في هذه اللوحة.
يقف السوريون أمام هذه المشاهد كما لو أنّهم يُشاهدونها لأوّل مرّة, و كأنها مشاهد فيلمٍ جاؤوا ليشاهدوه أوّل مرّة و يدفعوا فاتورة حضوره, تلك الفاتورة التي تقاسمها الشعب كلّ الشعب على اختلاف مناطقهم و دياناتهم.
المقاعد الأولى كانت للغائبين الذين كانت لهم فرصة الحضور أولاً ليرحلوا بعد ذلك و يتركوا مقاعدهم فارغة إلى حين ربّما.
تتوالى صفوف المقاعد لحاضري هذا الفيلم و كأنّها تمحيص للجميع, يُغربلون كما تغربل حبيبات الطحين ليسقط النقيّ في رفعة و يعلو الدنس في وضاعة.
المشاهد مستمرّة دونما توقّف و كأنّما أُعدّ لها بشكلٍ مسبق على أيادٍ تختفي وراء كواليس الموت و الدمار لتُظهر لنا دمىً تتحرك كما خُطّطَ لها.
يتمزّق هذا الفيلم شيئاً فشيئاً ليُصبح ذو غير هدف, ليجعل المشاهدين في شتاتٍ و حيرة ممّا يجري, فهذا يحمل علماً يأسرُ به قلوبَ الجميع و لكنّه يأسر كلّ من يُخالفه ليقصيه خارج الفيلم غير مأسوف عليه. وهذا يتحرك تارّة و يتوقفُ تارّة و كأنه ألعوبة لا تملك من أمرها شيئاً, و آخرون يعملون في الخفاء, لم يُعطهم الفيلم حقّهم كي لا يستحوذوا على عقول الناس و عواطفهم.
وذاك يُداهنُ و يجاملُ و يُخالفُ كلّ الأعرافِ و العادات ليَكسَبَ صُنّاع هذا الفيلم ليبقى في مشاهده حتى النهاية.
و بهذا أصبح المُشاهدون متخالفون في آرائهم رغم سنينٍ طوال جمعت بينهم دونما خلاف, يخرجون من هذا الفيلم و هم يحملون مشاهد أبطالهم القريبون من فكرهم و معتقداتهم, و يُخالط الإعجاب بالأبطال حقد على الفئات الأخرى فالكل على صحّة من أمره و الآخرون قد أخطأوا في فهم هذا الفيلم.
يقف المُخرج مبتسماً: قد بنيتُ أصناماً بشرية تُعبد كما أصنام الجاهلية.
التعليقات (1)