المستقبل السوري: عالمٌ مظلمٌ تحت ضوء الشمس1

المستقبل السوري: عالمٌ مظلمٌ تحت ضوء الشمس1
تتربّع الثورة السورية على عرش الغموض الذي لا يُعرف له منطقٌ للتحليل, حيث لا يمكن للمرء أنْ يتنبأ بقابلِ الأيام حتى تأتي, و لا يستطيع أيّ طرفٍ في هذه الثورة أن يكتب مستقبلاً أو يُنشأ مشروعاً خاصّاً به حتى و إن كان هذا المشروع يحملُ حلّاً لجميع المشاكل الموجودة.

و كما الفسيفساء التي تحتوي الكثير من القطع الصغيرة الملونة هي الأحداث في سوريا , لكنّ الإيجابية في الفسيفساء السورية هي الصورة المجملة " محاربة النظام " فهي الصفة الظاهرة لدى الجميع, أما المضمون فلكلّ قطعة يدٌ صنعتها و اختارت لها مكاناً مناسباً في هذه اللوحة.

يقف السوريون أمام هذه المشاهد كما لو أنّهم يُشاهدونها لأوّل مرّة, و كأنها مشاهد فيلمٍ جاؤوا ليشاهدوه أوّل مرّة و يدفعوا فاتورة حضوره, تلك الفاتورة التي تقاسمها الشعب كلّ الشعب على اختلاف مناطقهم و دياناتهم.

المقاعد الأولى كانت للغائبين الذين كانت لهم فرصة الحضور أولاً ليرحلوا بعد ذلك و يتركوا مقاعدهم فارغة إلى حين ربّما.

تتوالى صفوف المقاعد لحاضري هذا الفيلم و كأنّها تمحيص للجميع, يُغربلون كما تغربل حبيبات الطحين ليسقط النقيّ في رفعة و يعلو الدنس في وضاعة.

المشاهد مستمرّة دونما توقّف و كأنّما أُعدّ لها بشكلٍ مسبق على أيادٍ تختفي وراء كواليس الموت و الدمار لتُظهر لنا دمىً تتحرك كما خُطّطَ لها.

يتمزّق هذا الفيلم شيئاً فشيئاً ليُصبح ذو غير هدف, ليجعل المشاهدين في شتاتٍ و حيرة ممّا يجري, فهذا يحمل علماً يأسرُ به قلوبَ الجميع و لكنّه يأسر كلّ من يُخالفه ليقصيه خارج الفيلم غير مأسوف عليه. وهذا يتحرك تارّة و يتوقفُ تارّة و كأنه ألعوبة لا تملك من أمرها شيئاً, و آخرون يعملون في الخفاء, لم يُعطهم الفيلم حقّهم كي لا يستحوذوا على عقول الناس و عواطفهم.

وذاك يُداهنُ و يجاملُ و يُخالفُ كلّ الأعرافِ و العادات ليَكسَبَ صُنّاع هذا الفيلم ليبقى في مشاهده حتى النهاية.

و بهذا أصبح المُشاهدون متخالفون في آرائهم رغم سنينٍ طوال جمعت بينهم دونما خلاف, يخرجون من هذا الفيلم و هم يحملون مشاهد أبطالهم القريبون من فكرهم و معتقداتهم, و يُخالط الإعجاب بالأبطال حقد على الفئات الأخرى فالكل على صحّة من أمره و الآخرون قد أخطأوا في فهم هذا الفيلم.

يقف المُخرج مبتسماً: قد بنيتُ أصناماً بشرية تُعبد كما أصنام الجاهلية.

التعليقات (1)

    محمد الناصر

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    نعم سوريا لوحة من الفسيفساء بقطعها الدينية والإثنية والعرقية وهكذا كانت على مر العصور بحسب موقعها الجغرافي وتناوب الحضارات المختلفة عليها عبر التاريخ ، لكن من الانسب النظر الى هذا التنوع كعامل كقوة وإيجاد المعادلة الناجحة لنجاح كل هذه المكونات من اجل حياة ومستقبل افضل للجميع، وهناك العديد من التجارب ً الناجحة في العالم للاقتباس منها والعامل الأساسي هو إقناع الجميع بالعمل معا ضمن هذا الهدف فقوتنا في توحدنا لحل مشاكلنا في إطار من الحرية والقانون واحترام الاخر في إطار من الأخلاق والقيم الانسانية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات