فعلى الرغم من الحاجة الماسة لأسلحة مضادة للطائرات لكن لم تحدث محاولات جدية كافية لتصنيع سلاح مضاد للطائرات (مع بعض الاستثناءات)، فمعظم المحاولات لم تكلل بالنجاح لعدة أسباب مختلفة منها (الاعتقاد بعدم القدرة) ونقص التمويل والقطع اللازمة لتصنيعها إضافة لنقص الخلفية العلمية في بعض المجالات لدى الأشخاص الذين حاولوا صناعة هكذا أسلحة، فهو عمل فريق متكامل مكون من عدة اختصاصات هندسية .
فعلياً لم تتبنى أي جهة في سوريا حتى الآن أي مشروع جدي لتصنيع هذه الأسلحة بشكلها الفعال، وانحصر الأمر على المحاولات الفردية التي سعى فيها أشخاص لتطوير هذه الأسلحة دون الحصول على نتيجة تذكر.
تقنية متقدمة!
تعتبر الصواريخ الموجهة تقنية عالية ومتقدمة على مستوى الصناعات العسكرية، لكن على الرغم من ذلك يمكن تصنيع صواريخ بمكونات (مدنية) تتوفر بكثرة، وكل ما يجب اعتباره أن الصاروخ ليس سوى جهاز يؤدي وظيفة معينة، فيهمنا بالتالي تصنيع جهاز يؤدي نفس الوظيفة ولو بمستوى تقني أقل.
ما هي الأجزاء التي يتطلبها تصنيع الصواريخ المضادة للطائرات وما مدى توافرها؟
يعتقد الكثيرون أن التجهيزات اللازمة لصناعة صواريخ مضادة للطائرات غير متوافرة أو يستحيل الحصول عليها، وهذا ما يدفعهم للبحث عن إمكانية الحصول على أسلحة جاهزة من الدول الداعمة، لكن الواقع والحقيقة تقول غير ذلك.
المحرك الصاروخي:
يتطلب الأمر للحصول على صاروخ قادر على إصابة مروحيات النظام وطائرات الشحن العسكري بشكل أساسي، وجود محرك صاروخي قادر على حمل الصاروخ لمسافة عمودية تبلغ حتى سبعة كيلومترات ومدى حتى عشرة كيلومترات، حيث تعمل معظم الصواريخ المضادة للطائرات بمحركات صاروخية تعتمد أساساً على الوقود الصلب .
يمكن لصناعة هذه المحركات إما استخدام محركات صاروخية لصواريخ أرض – أرض كصواريخ الغراد مثلاً أو محركات صواريخ أخرى يتم إجراء بعض التعديلات عليها لتصبح مناسبة لهذه العملية<2> .
أو باستخدام محركات مصنعة محلياً، فخلال السنوات الماضية صنع الثوار كميات كبيرة من الصواريخ المحلية ما أكسبهم خبرة كبيرة في صناعة (المحركات الصاروخية) العاملة بالوقود الصلب وتشهد الجبهات يومياً اطلاق العشرات من هذه الصواريخ.<3>
ما يجعل أول مطلب من متطلبات الصواريخ المضادة للطائرات متوافراً لدى الجيش الحر.
وأكبر مثال على المحركات الصاروخية المناسبة للاستخدام مع الصواريخ المضادة للطائرات هو ما يعرف باسم صواريخ (سهم الاسلام 4) والتي صنع الثوار عدداً منها، فهي تحقق المتطلبات المذكورة سابقاً بحكم مداها الذي يبلغ حتى 40 كم (حسب مصنعيها) حيث يمكن للكثير من مصانع الصواريخ المحلية تصنيع محركات صواريخ مشابهة .
المطلب الثاني.. الرأس الحربي:
تملك معظم الصواريخ المضادة للطائرات رأساً حربياً (شديد الانفجار كثير الشظايا) تصل دائرة التأثير في بعض الصواريخ لحوالي( 50 متر) يقذف فيها الرأس الحربي للصاروخ ألاف الشظايا التي تعتبر المسؤولة عن تدمير الطائرة.
يعتبر الحصول على رأس (شديد الانفجار كثير الشظايا) عملية ليست بالمعقدة جداً.. سواء في حالة استخدام رأس حربي (شديد الانفجار كثير الشظايا) من صاروخ غراد أو أي صواريخ أخرى متوافرة فهذا سوف يفي بالمطلوب بشكل مقبول.
كما يمكن تصنيع رأس حربي بالمواصفات المطلوبة فهي ليست عملية صعبة... فخلال تطويره لصواريخه المحلية صنع الجيش الحر الكثير من الصواريخ ذات الرؤوس (شديدة الانفجار)، لكنه عموماً لم يصنع رأساً حربياً (شديد الانفجار كثير الشظايا) بالمفهوم المتعارف عليه والمناسب للصواريخ المضادة للطائرات. <4>
كامل التجهيزات اللازمة لتصنيع هذه الرؤوس من مواد شديدة الانفجار عالية الكفاءة والأغلفة المعدنية والتجهيزات متوافرة وهناك خبرة كبيرة في التعامل معها .
ما يجعل من تصنيع الرأس الحربي اللازم لهذه الصواريخ ممكناً ووارداً جداً.
الصاعق (آلية التفجير):
يوجد عادة صاعقين أو ثلاثة في كل صاروخ دفاع جوي، الأول(صاعق تقاربي) يعمل عند اقتراب الصاروخ من الهدف لمسافة معينة، والثاني(صاعق طرقي) يعمل عند اصطدام الصاروخ بالهدف بشكل مباشر، أما الثالث فهو (صاعق تأخيري) عبارة عن مؤقت ينفجر عند مضي وقت معين لأسباب عديدة أهمها عدم سقوط الصاروخ وهو غير منفجر كذلك يوجد صواعق تفجر بأمر من قاعدة الإطلاق.
حتى الآن كل ما استخدمه الجيش الحر في صواريخه أرض-أرض المحلية الصنع هي عبارة عن صواعق طرقية بسيطة التركيب بشكل كبير (عبارة عن مسمار وصاعق طلقة بندقية صيد)، وهذه الصواعق لا تعتبر مفيدة في حالة صناعة الصواريخ المضادة للطائرات.
يستخدم الصاعق التقاربي لأن احتمال اصابة الصاروخ للطائرة بشكل مباشر يعد منخفضاً جداً لذلك يجب الاعتماد على الصواعق التقاربية التي تفجر الصاروخ عندما تصبح الطائرة ضمن المدى المؤثر للرأس الحربي .
يتطلب تصنيع هكذا صاعق معرفة جيدة بالإلكترونيات وبخاصة تجهيزات الارسال والاستقبال الراديوي، وتعمل معظم هذه الصواعق على هذا الأساس(اضافة لأنواع أخرى).
حيث يعتمد أساساً على دارة إرسال واستقبال خرجها يعتبر أمر التحكم بتفجير الرأس الحربي للصاروخ، (مع مراعاة سرعة الصاروخ والمسافة المقطوعة خلال زمن استجابة الرأس المتفجر).
لا يعتبر الحصول على هكذا صاعق عملاً مستحيلاً فيمكن لمهندسي الالكترونيات تصنيعه، أو محاولة استخدام أو نسخ صواعق تقاربية لأسلحة أخرى كبعض قذائف المدفعية التي تحتوي صواعق تقاربية. <5>
أما بالنسبة للصواعق الطرقية والتأخيرية فهي ميسرة التصنيع ولا تمثل أي مشكلة.
إلكترونيات الصاروخ:
تعتبر أعقد أجزاء الصاروخ الموجه وأعلاها تقنية وحاجة لخبرة ومعرفة نظرية وعملية، وعلى عكس الأجزاء الباقية للصاروخ تنحصر القدرة على العمل بها لذوي الاختصاص من مهندسي الالكترونيات والميكاترونيكس .
حيث تشمل الكترونيات الصاروخ جميع التجهيزات الالكترونية والكهربائية التي يحتويها الصاروخ . <6>
كآلية التحكم بالصاروخ وتوجيهه واستقراره وتعتبر العنصر الأساسي الذي يميز الصاروخ الموجه.
تشمل كذلك (الرأس الباحث)، حيث تستخدم الصواريخ المضادة للطائرات عدة تقنيات أساسية لتحديد أهدافها منها ما هو مرتبط بالصاروخ فقط، كالصواريخ الحرارية ومنها ما هو مرتبط بالصاروخ وقاعدة أرضية تحتوي ألية توجه الصواريخ <7>.
فالتحكم بالصاروخ يتطلب عدداً من الدارات الالكترونية التي تستقبل مجموعة إشارات من الحساسات، وتحولها لأوامر لمحركات التحكم بالأسطح المتحركة للصواريخ والتي تتحكم في اتجاه حركة الصاروخ ووضعه.
كذلك تشمل الإلكترونيات قاعدة وآلية إطلاق الصاروخ ونموذج وصلة البيانات بين قاعدة الإطلاق والصاروخ خلال طيرانه، إضافة لنموذج السطع المستخدم لتحديد وجود الأهداف واختيارها.
لو نظرنا للمتطلبات الأساسية (من تجهيزات الكترونية) للتحكم بصاروخ ما وتوجيهه وتأمين استقراره وعمله خلال فترة طيرانه فسنجد أن المتطلبات التقنية يمكن الحصول عليها بسهولة وتكلفتها مقبولة .
هيكل الصاروخ والأجزاء المتحركة (أسطح التوجيه):
خلال فترة تصنيع الجيش الحر للصواريخ المحلية امتلك القائمون عليها خبرة جيدة بالمبادئ الأساسية للأيروديناميك المرتبط بتصنيع الصواريخ، وبخاصة موضوع استقرار الصواريخ الذي عانى منه القائمون على التجارب الأولى لتصنيع الصواريخ المحلية .
كذلك صناعة أسطح التحكم والتوجيه وحساباتها لا تخرج عن نطاق قدراتهم بحكم وجود عدد كبير من الحرفيين المهرة القادرين على تشكيل أجزاء للهيكل والجنيحات وفق التصميمات المطلوبة.
خلاصة:
جميع مكونات الصواريخ المضادة للطائرات متوافرة وبتكلفة مقبولة، وكل ما يحتاجه تصنيعها هو توافر إرادة وعمل جدي منظم لتصنيع هذه الصواريخ، فكم الخبرات الهندسية والتقنية الموجودة لدى الجيش الحر وجبهة النصرة قادر على تصنيع هذه الصواريخ لحماية المدنيين من طيران النظام المجرم.
لا نقول أن تصنيع هذه الصواريخ هو عمل سهل أو بسيط لكنه ليس مستحيلاً بناء على توافر المقومات الأساسية لتصنيعه من أشخاص مؤهلين أكاديمياً ونفسياً، وتوافر موارد مالية قادرة على دعم هذه المشاريع اضافة لتوفر معظم المكونات المطلوبة.
فكل ما يحتاجه الأمر هو تشكيل فريق من هذه الخبرات وإمدادهم بالدعم التقني والمادي اللازم لتصنيع هذه الصواريخ.
الهوامش:
<1> المقصود بصواريخ مضادة للطائرات هنا هي الصواريخ القادرة على اسقاط الطائرات المروحية وطائرات الشحن المتوسطة والكبيرة والتي تعتبر أهدافاً منخفضة السرعة والقدرة على المناورة.
أما بالنسبة للطائرات النفاثة فالتعامل معها أعقد خصوصاً بسبب سرعة طيرانها وقدرتها على المناورة، لكن يمكن اعتبار اضافة مقدرات التعامل مع الطائرات النفاثة (فوق الصوتية) مرحلة ثانية في أي مشروع لتصنيع الصواريخ المضادة للطائرات.
<2>
زمن احتراق محرك صاروخ الغراد قصير جداً ويتطلب تعديلات لزيادته، ليكون قادراً على دفع الصاروخ لفترة أكبر .حيث تعمل معظم محركات صواريخ غراد لمدة ثلاث ثواني تقريباً فقط، في حين يتطلب صنع صاروخ دفاع جوي محركاً يعمل لمدة أطول تصل حتى عشرين ثانية (ضمن مواصفات المدى المطلوب وسرعة الصاروخ).
<3>
يصنع الجيش الحر خلطات وقود الصواريخ أساساً من نيترات البوتاسيم والسكر المطحون، حيث تطبخ بسهولة لتشكيل خليط عجيني يملأ في قوالب هي عبارة عن محركات الصواريخ.لاتزال الخلطات التي يستخدمها الجيش الحر هي في أبسط أشكالها لكنها قادرة نسبياً على تأدية المطلوب وبخاصة عند تعديل بعض المواصفات التصميمية كنموذج نواة المحرك الصاروخي وغيرها من المواصفات .
<4>
معظم الصواريخ التي يستخدمها الجيش الحر تعتبر فعلياً صواريخاً (شديدة الانفجار) فهي لا تعطي الكم المطلوب من الشظايا بسبب طبيعة صناعتها.حيث تعتمد القنابل المتشظية على غلاف القنبلة أو الصاروخ نفسه في توليد موجة من الشظايا بشكل منتظم تقريباً في محيط نقطة الانفجار، لكن معظم الصواريخ التي يصنعها الجيش الحر لا تراعى فيها هذه النقطة، ألا وهي توفير امكانية تشظي الغلاف المعدني للقسم المتفجر للصاروخ عند انفجاره، فيعتمد مصنعوا الصواريخ فيه على إضافة خردة معدنية إلى داخل المادة المتفجرة للصاروخ لتصبح بشكل شظايا عند انفجاره، لكن هذا الأمر غير مفيد فعلياً بل يقلل من فاعلية رأس الصاروخ.
للحصول على كم كبير من الشظايا بشكل منتظم، عادة ما يُحزز الغلاف المعدني للرأس المتفجر للصاروخ أو تُركب بطانة داخلية معدنية مجزأة سهلة التكسر (كما هو الحال في القنابل اليدوية أو قنابل OFAB التي يستخدمها النظام ضد المدنيين).
التعليقات (96)