منذ أن أعلن )البغدادي( في التاسع من نيسان 2013 عن قيام ما سماها ( دولة الإسلام في العراق والشام) و نصب نفسه أميراً عليها، في المناطق التي سيطر عليها التنظيم في العراق، إضافة للمناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر و جبهة النصرة في سوريا، حاول أن يجعل المنطقة كاملة خاضعة لنفوذه وسلطته، الأمر الذي رفضته النصرة واندلعت بين الطرفين خلافات جوهرية من حيث البنية الأيديولوجية والممارسات على الأرض.
(أورينت نت) تكشف في هذا التقرير بعض الخفايا التي رافقت ظهور التنظيم وتمدده في المنطقة الشرقية وبعض الأساليب التي اتبعها من أجل خلق جو ملائم لتمدده في تلك المنطقة، من خلال إخلائها من كافة الفصائل، وكيف ندم قادة النصرة في المنطقة عندما رفضوا اقتراح أحدهم باعتقال البغدادي أو احتجازه، ليكونوا فيما بعد كفاراً بفتواى شرعيي التنظيم وأميره الذي نصّب نفسه "خليفة للمسلمين" لاحقاً.
يقول الناشط (وسام العرب) أحد إعلاميي دير الزور والذي عايش تلك الفترة: " حقيقة الأمر الصراع بدأ قبل إعلان البغدادي عن قيام الدولة بكثير، عندما شعر أن جبهة النصرة بدأت تستقل بقرارها وتكسب المعارك وتسيطر على مساحات جغرافية واسعة على الأرض، لذلك أرسل العديد من القادة العراقيين المقربين منه ليهيئوا الأجواء له ، سواء بالترغيب أو الترهيب ، لكسب أكبر عدد ممكن من قيادات وعناصر النصرة ".
ويضيف: " من أهم اللذين أرسلهم البغدادي إلى سوريا لتنفيذ مخططاته هما المدعوان )أبو علي الأنباري( و( أبو أسامة العراقي)، وكان الإنشقاق لم يحدث بعد . حيث قرر البغدادي مطلع العام 2013 تولية ) أبو أسامة العراقي( أميراً على قطاع المنطقة الشرقية في محاولة منه السيطرة على هذه المنطقة حتى ما قبل الإعلان عن الدولة؛ و بالفعل تم نقل (أبو مارية القحطاني ) الذي كان أمير النصرة في المنطقة ليستلم إمارة قطاع الغوطة الشرقية في دمشق ، وتوليه العراقي عوضاً عنه وكان زعيم جبهة النصرة (أبو محمد الجولاني) و (أبو مارية القحطاني) يعيان تماماً ما يخطط له البغدادي ومجلس الشورى الخاص به؛ و بعد أن تسلم (أبو اسامة العراقي) المنطقة الشرقية، قام باغتيال عدد من قادة الجيش الحر أبرزهم قائد لواء القعقاع (علي المطر)، كما يتهمه كثيرون أنه وراء محاولة اغتيال قائد الجيش الحر العقيد (رياض الأسعد) التي تمت بتاريخ 24-3-2.13 ، وأدت لبتر ساقه، وكانت الشرقية آنذاك تحت إمرة العراقي أبو أسامة ويعتقد أنه هو وراء معظم الاغتيالات التي طالت عدداً من قادة الحر في المنطقة، وفي تلك الفترة حاول تنظيم داعش اغتيال (أبو مارية القحطاني )بذات الأسلوب ، عندما وضعت عبوة لاصقة بسيارته الخاصة و انفجرت باثنين من مرافقيه لم يكن معهم لحظة الانفجار".
ويتابع العرب: " بعد إعلان البغدادي عن قيام تنظيم ) دولة الإسلام في العراق والشام) كان أبو أسامة العراقي يقود مجموعات صغيرة تابعة للتنظيم ، تحاول السيطرة على مساحات سيطرت عليها النصرة في وقت سابق، مستغلاً سكوت النصرة وصبرها، كون النصرة كانت تتجنب الدخول بحرب مع التنظيم، تكتيكياً، حينها لم تتوقف قيادات تنظيم الدولة عن استفزاز (النصرة) محاولين قضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي وسرقة السلاح الثقيل من النصرة، وهذا ما حصل في بلدة الشدادي وريف الحسكة المحرر ".
وفي تلك الفترة كان القيادي في النصرة (أبو همام) وعناصره، يخوضون أعتى المعارك مع قوات النظام المدعومة بميليشيات كردية في منطقة تل حميس بريف الحسكة، حين فاجئهم أبو أسامة العراقي بحصارهم من الخلف، حيث يقول (أبو همام) للأورينت نت عن تلك الواقعة : " حاصرونا غدراً وأمرونا بإلقاء السلاح أو مبايعة أبو أسامة الذي تسلم ولاية الحسكة بأمر من البغدادي، فقمنا بتسليمهم السلاح لتجنب الاصطدام معهم، كما أرسل البغدادي مجموعة من الأمنيين العراقيين يأتمرون بالعراقي مهمتهم اغتيال كل من يتوقعون انه سيقف بوجه داعش ويرفض بيعة البغدادي".
ويضيف (أبو همام) : " لم تتوقف استفزازات داعش للنصرة عند هذا الحد فقط ، بل اعتقلوا قيادي الجبهة في الرقة (أبو سعد الحضرمي) وحاولت النصرة معرفة مصيره ولكن داعش أنكرت خطفها له وأعلن إعلام النظام عبر قناته الرسمية حينها أن " الجيش السوري" وراء عملية اختطاف الحضرمي، ولكن تفاجئ الجميع بإعلان تنظيم الدولة عن قتلهم لأبو سعد بحكم أنه مرتد، ليكون أبو سعد أول قيادي من النصرة يعدم من قبل داعش التي نشرت بيانا رسميا تتبنى فيه قتله ".
وبعد كل هذه الأحداث، كان لا بد من إيقاف ممارسة (البغدادي) التي يحاول فيها جر (النصرة) والفصائل الأخرى للمواجهة المباشرة ؛ ولو كانت النصرة نفذت اقتراح أحد قادتها في ذلك الوقت والذي كان بالمتناول، لما وصل الأمر لما آل إليه اليوم من غطرسة دولة البغدادي، وعن هذا الاقتراح يقول (وسام العرب): " في ذلك الوقت ناقشت النصرة كافة الاحتمالات والحلول وأغلب قادتها إن لم يكون جميعهم استبعدوا المواجهة بين الطرفين، كي لا تؤثر على الحرب مع قوات النظام في المنطقة لذلك اقترح (أبو محمد ) أحد قياديي النصرة في دير الزور استدراج البغدادي ومجلس الشورى الخاص بتنظيم داعش واحتجازهم، ورفض عدد من القادة في النصرة هذا الاقتراح كونهم كانوا يعتقدون أنه سيكون السبب الأول في تأجيج نار الحرب بين الطرفين التي لن تنطفئ؛ ووأد ذلك الاقتراح في المكان الذي احتضن الاجتماع لأن أغلب قادة النصرة كانوا يرفضون فكرة توجيه سلاحهم إلى غير نظام الأسد، لكن فيما بعد، تواصل الإجرام الذي مارسه التنظيم بحق النصرة وغيرها من الفصائل وحتى المدنيين في المنطقة الشرقية بل عموم المناطق التي سيطر عليها من سوريا والعراق " .
ويختم (العرب) قصه للأورينت نت عن بداية داعش والتفاصيل التي رافقتها : "القيادي الذي قدم هذا الاقتراح بات اليوم المطلوب رقم واحد من قبل التنظيم ولا حقوه حتى أجبر على قتالهم وهو ماضٍ في ذلك، وحتى القادة الذين رفضوا الاقتراح منهم من قضى على أيدي عناصر التنظيم ومنهم من تم تكفيره وملاحقته شأنه كشأن باقي عناصر النصرة الذين يعتبرهم التنظيم مرتدين و بغاة، ولو كان قياديو النصرة في ذلك الوقت نفذوا اقتراح أبو محمد لما وصلنا لهذه الدرجة من الاقتتال والفرقة، التي أجبر البغدادي وغبائه وإجرامه العديد من الفصائل عليها.
التعليقات (11)