المكان: مدينة (الطبقة) في محافظة (الرقة)
العنوان: بُعيد تحرير سد الفرات
بعد سيطرة الثوار على (سد الفرات) في مدينة (الطبقة) بريف الرقة، أعلن الجيش الحر السيطرة على معظم مدينة (الطبقة) والسيطرة على كتيبة المدفعية، وحاجز الشرطة العسكرية وفرع للمخابرات وتحرير الأسرى والمعتقلين الذين كانوا بداخله.
ثم توجه مجموعة من مقاتلي الجيش الحر وأبناء المدينة، إلى تمثال حافظ الأسد، فأطلقوا النار عليه وقاموا بإحراقه. لكن طقوس إحراقه تمت وسط حشد من تجمع أبناء المدينة، الذين اختاروا طفلة صغيرة، منحها ثوار الرقة وعناصر الجيش الحر شرف إلقاء كلمة تدشين حرق التمثال جاء فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. من كان يعبد هُبل، فإن هُبل قد مات، ومن كان يعبد الله فـ الله حيٌ لا يموت. وأحب يا أخوتي أن أذكركم بأن الله قادرٌ على أن يذل من يشاء ويعز من يشاء.. وأوجه رسالةَ لطاغية البلد، وكلاب الأسد.. بسم الواحد الأحد سنأتيك ولن نترك مكان يحميك، وأقول لشبيحتك.. لو كانت بهائم لتعلمت، ولو كانت حميراً لتفهمت، ولكن ماذا نفعل بإناس أعمى الله بصيرتهم؟!.. أستودعكم الله".
المشهد الغريب في تمثال مدينة الطبقة، هو اشتعاله بشكل كامل ما إن نفذت النار إلى طبقته الداخلية، بعد أن تبين أنه كان محشواً بأكياس نايلون من النوع الأسود الرخيص، مما يكشف عن عملية الفساد الكبيرة التي رافقت إنشاء التمثال.
أصابع الاتهام في هذا الفساد، توجهت على الفور، إلى محافظ الرقة في فترة إنشاء التمثال في ثمانينات القرن العشرين، د. محمد سلمان... الذي يصف الكاتب ياسين حاج صالح، ابن مدينة (الرقة) عهده وطبيعة حكمه للمحافظة التي بقي محافظاً لها لأكثر من سبع سنوات، فيقول:
" في العهد الأسدي، ومنذ الثمانينات بخاصة، تطور لدى الرقاويين (سكان المدينة القدامى والوافدين إليها من أريافها) شعور بالاضطهاد والاستغلال. كانت المناصب العليا في المخابرات دوما، وفي الإدارة غالبا، من غير الرقاويين. حكمها في الثمانينات محمد سلمان حكما مطلقا ينسخ بنية حكم حافظ الأسد في سورية ككل. كان يعتقل رفاقه "الحزبيين" (البعثيين) الذين لا يرضى عنهم، وكانت تهمة بعث العراق سيفا مصلتا على رؤوسهم. شارك الرجل وضباط المخابرات في فلاحة وزراعة البادية، على حساب غيرهم من النافذين المحلين. فإذا جاء الموسم جيدا وضعوا الغلة في جيوبهم، وإن كان الموسم سيئا لم يخسروا شيئا. سماه الرقاويون الوالي. ومن "منجزاته" أن بنى قصرا مهيبا لنفسه، تُسوِّره أسوار عالية لا يرى من الخارج ما بداخلها، ولا يدخلها إلا المقرّبون". (1)
محمد سلمان الذي كان محافظا للرقة بين عامي (1980 – 1987) ثم أصبح بعدها وزيراً للإعلام في واحدة من أسوأ مراحل وفترات الإعلام السوري، كان قد أمر ببناء التمثال في ثمانينات القرن العشرين، ويقال أن تمثال حافظ الأسد في (الطبقة)، كلف ثلاثة ملايين ليرة سورية آنذاك، في الوقت الذي تكلف تمثال الرستن الذي بني في نفس الحقبة ومن الرخام الإيطالي الأبيض، مليون ليرة فقط... وأن سلمان أراد أن يجعل منه ساحة للاحتفالات والدبك والرقص، في المناسبات "الوطنية"!
كان محمد سلمان، رجلا بارعاً في السرقة والاختلاس، وقصة بناء السور الحجري لمبنى الإذاعة والتلفزيون بدمشق، حين غدا وزيراً للإعلام، حكى عنها الوسط الإعلامي عشرات القصص، حول الملايين التي تم اختلاسها من بناء السور، فيما يدافع صهره الحالي وابن طائفته الفنان جمال سليمان عن صورة والد زوجته، بعبارات منمقة اليوم، لا تصمد أمام ما فتحته الثورة من آفاق لكشف حسابات أبناء وأزلام النظام من مسؤولي زمن الاستبداد الأسود.
كشف إحراق تمثال الطبقة في شباط من عام 2013، ليس أن حافظ الأسد لم يكن (حبيب الشعب) و(حبيب الملايين) كما تقول الأغنيات التمجيدية التي غنيت له وحسب، بل أن حتى أزلامه لم يحترموا الحالة الفنية لإنشاء تماثليه ـ خارج فكرة أنها بوابة للسرقة والفساد، ظاهرها التعبير عن الولاء المطلق وتمجيد القائد.. الذي كشفت السنوات وطريقة السوريين المتشفية في تحطيم تماثيله وإحراق صوره، أنه لم يكن خالداً للأبد إلا في هذا الكم من الكراهية الذي أورثه وجدان السوريين!
هامش:
1- (الرقة... صورة "مستعمرة داخلية"): ياسين الحاج صالح، صحيفة (المدن) الإلكترونية: 13/3/2013
التعليقات (8)