المكان: مدينة الرقة
العنوان: الساعات الأولى لتحرير المدينة من قوات الأسد.
اندفع أهالي مدينة الرقة إلى (ساحة الأطفائية) أمام أمام مبنى المحافظة الملاصق للإطفائية في المدخل الجنوبي للمدينة... يريدون تحقيق حلمهم بتحطيم تمثال الديكتاتور حافظ الأسد، الذي اصطلح السوريون على تسميته بـ "المقبور"!
ربطوا عنق التمثال الضخم بحبل إلى سيارة إطفاء ثم قامت السيارة بشده بقوة، حتى اقتلع من قاعدته الرخامية وهوى على الأرض.
تعالت الهتافات والصياح، واندفعت جموع ضحايا حكم الديكتاتور الدموي، الذي ملأ ليالي السوريين بالعذابات والقهر والمعتقلات والسجون، اندفعوا إلى التمثال ذي الرأس الكبير، يدوسونه ويركلونه بنعالهم، بنشوة إن كشفت عن شيء، فإنما تكشف عن إرث الكراهية الذي تركه حافظ الأسد لشخصه وحكمه في صدور وقلوب السوريين.
طقوس أهالي الرقة في إهانة تمثال وذكرى الأسد، كانت من أغرب الطقوس التي رافقت إسقاط تماثيله، في المدن السورية المنتفضة ضد حكم وريثه... ففي غمرة تقافز الأطفال والشباب فوق التمثال المتهاوي وقاعدته، قام أحد الرجال الطاعنين بالسن فجأة برفع جلبابه والتبول على حطام التمثال أمام الملأ!
لم يلتفت أحد لمعرفة سلوك هذا الرجل المسن، وسط لحظات الفرح بتحرير المدينة، ونشوة آلاف الصور ومقاطع الفيديو التي نشرت للحظة سقوط التمثال، فهل قتل حافظ الأسد له ابناً أو أخاً تحت التعذيب كما مئات الآلاف من السوريين؟ هل صادر له أرضاً، أو ضيع له حقاً أو دمّر له مشروعاً؟ هل دخل هو نفسه إحدى سجون الأسد في تقرير كيدي كاذب أو وشاية... لم يكن نظام الظلم والفساد الذي أسسه الديكتاتور الراحل معنياً بالتحري عنها كثيراً قبل أن يذوق من يذوق صنوف التعذيب الوحشي؟!
أسئلة لم يجب عنها أحد... لكن ثمة روايات أخرى وثقت، ففي ( 29 مايو/أيار 2011)، وبعد عشرة أسابيع من انطلاق الثورة ضد حكم الأسد، ظهر الشيخ فيصل الحسن الصياح، وهو شيخ إحدى العشائر في مدينة الرقة السورية، وهو ينزع عن نفسه عباءته (البشت) بشكل مفاجئ. وقد حرّم على نفسه، على الهواء مباشرة، لبس عباءته قبل إسقاط تمثال حافظ الأسد في الرقة. وقال الشيخ الصياح إنه “حرم على نفسه لبس البشت من اليوم إلى يوم أن ينهار تثمال أبو بشت”، يقصد تمثال حافظ الأسد في الرقة.
وفي الموروث الثقافي للقبائل العربية، ترمز العباءة إلى الفخر والرفعة، وحين يتم إهداء العباءة لشخص ما، فهو تكريم ورفعة له. إلا أن ما فعله حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار، يستلزم وفق ثقافة العشائر، نزع عباءة التكريم عنه، وهو ما عبّر عنه الشيخ فيصل الصياح بحركته.
وقد كتبت صحيفة (خبر الجوف) الإلكترونية بعيد سقوط التمثال: "يبدو أنه قد آن الأوان ليرتدي الشيخ الصياح “البشت” بعد تحقيق الوعد، بإسقاط سكان الرقة تمثال الأسد الأب، أمس الاثنين".
ولم يتوقف طقوس إسقاط التمثال عند هذا الحد، فقد توجه الغاضبون لتمزيق أكبر صورة لبشار الأسد في نفس المحافظة، وقد أخذت عملية التمزيق وقتاً طويلاً، نظراً لضخامتها ومحاولات البعض الصعود عليها وبلوغ قمة ارتفاعها.
وفي اليوم التالي ترك أهالي الرقة رأس التمثال مبطوح أرضاً، وقد أضافوا إلى الرأس قرون ماعز... أما قاعدة التمثال، فقد جعلوها منصة للتصوير، يعتلوها الشبان ليأخذوا نفس وضعية التمثال الذي كان يرفع يداً ويسدل أخرى، وقد سخروا من انتقام الشعب الثائر من ذكرى الديكتاتور.
فيما ألهم سقوط تمثال الرقة الفنان السوري عمران لوحة صورت التمثال لحظة سقوطه باللون الأسود، ومع سقوطه يرسم قوس قزح بألوانه مساراً يبشر بولادة عهدٍ جديد.
أما بالنسبة لأنصار الديكتاتور، فقد ذكر موقع (عكس السير) الأخباري بتاريخ (7/3/2013) أن شاباً علوياً من أبناء طائفة الأسد، قد انتحر بعد أن شاهد تحطيم تمثال حافظ الأسد في مدينة الرقة بعد سيطرة المعارضين عليها.
وقالت المصادر إن الشاب " مضر اسماعيل" و هو عضو في ميليشا البعث، التي أنشأها النظام السوري كرديف لميليشيا "الشبيحة " عثر عليه في منزله جثة هامدة .وتبين أنه قد انتحر باطلاق رصاصة في رأسه من مسدس منحه إياه النظام، بعد أن شاهد ما حل بالتمثال من فنون الإذلال والإهانة على يد أهالي الرقة!
انتحر مضر اسماعيل من أجل سقوط تمثال ديكتاتور، لكن الفنان الذي أنشأه لم ينتحر. فقد صمم التمثال النحات السوري (نشأت رعدون) الذي صرف الكثير من سنوات عمره، لإنشاء تماثيل تمجد (جزار حماه) ورأى بعينيه العديد منها يتهاوى في ثورة شعبية، انحاز فيها للنظام المجرم الذي صنع النصب والتماثيل لجلاده!
ألبس نشات رعدون هذا التمثال الذي أنشأ عام (1990) في عهد محافظ الرقة (محمد نجيب السيد أحمد) عباءة عربية، ليدغدغ مشاعر أبناء المنطقة من العشائر الذين تعني لهم العباءة الشيء الكثير... لكن لبس العباءة لم ينس أهالي المنطقة ما فعله حافظ الأسد في حياتهم، ولم يحم التمثال من أن يداس بالنعال!
التعليقات (12)