كانت القيادة المركزية الأمريكية قد أقرّت بقصف البناء, لكنها لم تعترف بوجود السجن أو السجناء, مع العلم أن التثبت من وجودهم كان يجب أن يدخل ضمن أولويات التخطيط للضربات الجوية, وخصوصاً أن نزلاء هذا السجن تحديداً هم من السكان المحليين أصحاب الجنح الخفيفة عند داعش, كالتدخين ولبس بنطال الجينز, أو التأخر عن الصلاة في المسجد.
لقد تركت هذه المجزرة الرهيبة الكثير من السوريين في تلك المنطقة بحالةٍ من الصدمة. فالتحالف الدولي الذي جاء ليخلّصهم من إرهاب داعش وليس الأسد – وهذا أضعف الإيمان - صار يسهم في قتلهم أيضاً وإن من دون قصد. كما أن عمليات قصف التحالف – حتى عندما لا تقتل مدنيين – تسهم بتدمير ما تبقى من بنيةٍ تحتية في شمال وشرق سوريا كون ضربات التحالف حاسمة وتسبب دماراً كلياً ولأن مقرات داعش في معظمها مدارس ومراكز ثقافية ومنشآت حيوية وحكومية. فمبنى السرايا في الباب على سبيل المثال هو تحفة معمارية أثرية تعود لثلاثينيات القرن العشرين, ولو كان هذا البناء في أمريكا لحولوه إلى متحفٍ بحدّ ذاته لكنهم دمروه تدميراً وجعلوه أثراً بعد عين بحجة سيطرة داعش عليه.
وتأتي أهمية إثارة هذا الموضوع في الوقت الحالي إعلامياً - بل وسياسياً أيضاً - كون الضحايا مدنيين أبرياء أولاً, ولتجنب حدوث هذه الكارثة مستقبلاً. فقوات التحالف تقصف بشكل شبه يومي, وداعش عندها من السجون بقدر ما عندها من مقرات. وفي الحقيقة فقد استحوذت مجزرة الباب على اهتمام إعلامي أمريكي. كما أن الحكومة الأمريكية أظهرت اهتماماً بالأمر وخصوصاً بعد صدور تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وأرسلت منظمة ريبريف القانونية البريطانية المدافعة عن معتقلي غوانتنامو وضحايا الحرب على الإرهاب محاميّين اثنين إلى مدينة غازي عينتاب التركية لمحاولة لقاء بعض الناجين الذين يقال أنهم خرجوا أحياءً من القصف الذي دمر مبنى السرايا.
ولكن يبقى موضوع اعتراف الحكومة الأمريكية بالخطأ القاتل يحتاج ربما إلى تحركٍ جدّي قانوني ودبلوماسي من قبل المعارضة السورية التي لم تتقدم للأسف قيد أنملة بهذا الاتجاه, وكأن حياة السوريين لم تعد تهمّ حتى من يدّعون أنهم يمثلونهم.
كما يمكن إثارة القضية بقوة من خلال دعوةٍ قضائية يرفعها ذوو الضحايا بهدف المطالبة بالاعتذار للشعب السوري والتعويض لأسر الشهداء, وهي أمور يجب أن تفكر الحكومة الأمريكية بها بوجود الدعوة أو بدونها. فالدولة الأعظم في العالم التي تدّعي احترام حقوق الإنسان وحريته وكرامته خليقٌ بها أن تقوم بذلك قبل غيرها, فتتحمّل مسؤولية هذه المجزرة المروّعة بحق الشعب السوري الذي هو في غنىً عن مزيدٍ من النكبات وويلات الحروب.
التعليقات (1)