أورينت نت | ترجمة عبد القادر عبد اللي
أثناء اجتماع عقد مؤخراً ضم عدداً من الدبلوماسيين الغربيين، لفت الأنظار أحدهم بمداخلة عرّج فيها على إمكانية أن يكون هناك علاقة بين داعش والمخابرات الروسية والإيرانية. وأنا كتبت في الأيام الأولى لظهور داعش تحت عنوان: "جبهات المخابرات السورية" بأن نشأة هذه المنظمة تشي بوجود علاقات بينها وبين المخابرات.
وبعد سنة ونصف من زاويتي تلك، لم يضعف إيماني بهذا، بل على العكس فقد قوي أكثر. وقد قلت في تلك الفترة أيضاً تحت عنوان: "بماذا تفيد القاعدة هذه؟" ولم يكن قد تبلور بعد الانشقاق بين داعش والقاعدة: "في الشيشان والعراق وأفغانستان والصومال ومالي واليمن، وأخيراً في سورية، مع ظهور القاعدة في كل دول العالم الإسلامي التي حُولت إلى خرابة بالمعنيين السياسي والمادي، يُغطى نضال الشعب المشروع بمقولات التكفير وقطع الرؤوس وأخبار المنع... يجب قراءة دخول داعش إلى سورية بالتوازي مع جاء أعلاه. اختارت داعش السيطرة على المناطق المحررة، وتحولت إلى قوة "مدمرة" للمعارضين. ولا أعتقد أن هذا تطور تلقائي".
داعش بدءاً من تزعم أبو بكر البغدادي لها وصولاً إلى حرق الطيار الأردني هي منظمة غريبة عن الجغرافية السورية العراقية التي ظهرت فيها، وتفوح منها رائحة المخابرات. تكشف نفسها، وتفقأ العيون في المناطق التي تسيطر عليها. لا تستقر. إما أن يتعلق بها الغريق كما يتعلق الغريق على غرار ما يُلتحق بها في العراق، أو أن أحداً لا ينبس بسبب الخوف منها.
العراق يتشكل من جديد:
وجودها في العراق وسوريا مختلف من الناحية الاجتماعية. تشكلت داعش من مئات العناصر الذين هربوا من السجون العراقية تحت إشراف المالكي، ومن ضباط صدام والعشائر السنية التي عافت روحها نتيجة سياسة المالكي الطائفية في العراق لتكون كومبارساً في فيلم "العراق الجديد" الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تشكيله. كما أن هذه المنظمة عامل جديد ساهم بالتقارب بين الولايات المتحدة وإيران وخاصة في المباحثات النووية بينهما. تعيد الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تشكيل العراق من جديد بواسطة عملائهما المحليين. لقد قدمت داعش فرصة بمنتهى الكمال من أجل أن يشهد العراق انزياحات بشرية كالتي حدثت إبان احتلال الولايات المتحدة للعراق. بعد أن "انسحبت" الولايات المتحدة تاركة خلفها أكبر سفارة لها، عادت إلى هذا البلد مع ظهور داعش، وهي تحارب في خندق واحد مع إيران والمنظمات الشيعية التي دخلت معها أحياناً بصدام أثناء احتلالها للعراق، وأعلنتها منظمات إرهابية. ليس هناك جنود للولايات المتحدة على الأرض هذه المرّة، وهي تقدم دعماً جوباً فقط. لنرى أي "أخضر" سيحترق مع ظهور داعش في العراق.
ليس ثمة دعم لداعش في سورية:
أما في سورية، فتلعب داعش لعبة "المرأة ذات الأزواج السبعة". إنها البنية التي اخترقتها أجهزة مخابرات كثيرة، وحركتها كما تشاء. ليس هناك أي معارضة شعبية لها، والسوريون من خوفهم لا ينبسون بشيء. تصوروا للحظة أن بلية داعش لم تظهر. غالبية الأراضي التي تسيطر عليها داعش اليوم أخذت من المعارضة، وليس من النظام. لم يكف هذا، فقد فتحت جبهة على المعارضة التي تحارب النظام، وشغلتها. الأكثر من هذا أنها اغتالت كوادر هذه المعارضة القيادية أو أعدمتها، أو أنها حضرت الأرضية المناسبة لتصفيتها عبر تسريبها أخبار هذه الكوادر ومواقعها لمخابرات النظام. مع دخول داعش سورية، اختفت مظالم الشعب السوري تماماً من جدول الأعمال العالمي. كل ما هنالك أصبح داعش. ليس صعباً أن نتصور إلى أي مدى كانت المعارضة السورية ستختلف إيجابياً على صعيد المناطق التي تسيطر عليها، وقوتها العسكرية.
لم تدخل داعش إلى سورية، بل أُدخلت. ولم تولد في العراق، بل أُنتجت. وشكلت فرقاً ما من خلال الهجمات التافهة التي شنتها في الغرب. أخرجت النقاشات الأساسية عن مسارها، وجرتها إلى طُرقٍ أقل أهمية. حُولت داعش إلى قوة هدامة كما ذكرتُ قبل سنة ونصف. ومع الأسف أن أكبر المتضررين هو الشعب المناهض للأسد في سورية والشعب المناهض للولايات المتحدة وإيران في العراق. هل تسألون عن فائدة داعش إلى الآن؟
التعليقات (10)