العنصر الأساسي في المعادلة

العنصر الأساسي في المعادلة
النصف قرنٍ الماضية من عمر مجتمعاتنا العربية قد أفرزت مجموعات وأفرادا نصّبوا أنفسهم أو نصّبهم الحاكم "نخبا"، في مجال الثقافة والدين والسياسة والاقتصاد والإعلام وغيرها، فكانت هذه النخب الصناعية ومازالت عناصر قابلة للشراء وللتدجين والإخضاع في مواجهة النخب الحقيقية قليلة العدد التي تحاول التواجد بصعوبة في مشهد الثورات. ولقد أخلصت النخب الصناعية لسنوات التسمين في مزارع الأنظمة الاستبدادية فكانت الحلقة الاضعف في المشهد، ولم تقدم أداء يليق بما كانت الجماهير تتوقع منها، بل إن الكثير منها تصدى للثورة وللتغيير وحازب الاستبداد ومنهم من التزم الصمت في أفضل الاحوال، وشمل ذلك جزءا كبيرا من السياسيين والفنانين ورجال الدين والإعلام باعتبارهم قاطرة التقدم في المجتمع.

منذ أيام قليلة ظهر الكاتب الصحفي "جهاد الخازن" في مقابلة تلفزيونية وهو مازال مُصرٌّ على تقزيم الثورة السورية في مأزق وخيارات "بشار الأسد" ففي معرض رده على سؤال يتعلق بمسار الثورة ومصيرها أعاد تكرار ما قاله مرارا عن علاقته المميزة ببشار الأسد وعن مدى مفاجأته بجنوح الأسد للحل الأمني رغم عدم جدواه لثلاث سنوات وختم كعادته بوصف الأسد بالرئيس الشاب المتعلم المثقف الذي يحمل "اللاب توب" ويطلع على الأخبار ويعرف كل شيء حوله ويقبل المزاح ويتسم بالعفوية والصراحة، ورغم إلحاح المذيع بالسؤال عن واقع ومستقبل الثورة إلا أنه لم يعطِ الثورة السورية أي اهتمام بل لمح لأن الحل لابد أن يكون من خلال الأسد باعتباره المنتصر حتما، وهذا أعادني إلى عام مضى عندما ألتقيت الخازن في الشارقة على هامش منتدى الاتصال وسألته وقتها عن رؤيته للثورة السورية فأجابني بأن "الحل الأمني لا ينهي الثورة والسلاح لا يضمن نجاحها" وأن لابد لبشار من تجريب حلول أخرى كالتفاهم والتنازلات فسألته: وهل أنت مؤمن بإمكانية بقاء بشار الأسد وتجريبه لحلول أخرى فأجابني حرفيا: وهل أنت مؤمن بإمكانية رحيله؟!!!.

ببساطة هذه حال وواقع النخب العربية والسورية الصناعية من الخازن إلى عبد الباري عطوان وهيكل وأدونيس ..... وقائمة الفنانين والاعلاميين السوداء الطويلة ودون عناء سنجد أن الانتماء الطائفي أو تقاطع المصالح أو المال هو سبب رداءة مواقفهم، والمؤلم في طرحهم عن شخص بشار الأسد وصفاته بأنه طرح يغفل عدم أحقية الأسد أصلا بالحكم ويقدم الأسد على أنه طفرة بين الحكام وكأن الرئيس لا يشترط أن يكون متعلما وواعيا ويطلع على واقع بلده والعالم وقريبا من شعبه! ناهيك عن أن هذه الميزات قد تجدها في كثير من السوريين فأغلب الشباب يحمل اللاب توب ويطلع على الأخبار ولو مشيت في أحد شوارع المدن الكبرى في سورية ستجد عيادات لعشرات الأطباء المتخصصين في أوربا والحاصلين على البورد والزمالات وغيرها، ولم تتاح لهم فرصة بشار الأسد.

أما الصدمة الكبرى فهي سقوط الأقنعة عن وجه المعارضة السورية والنخب المعارضة خصوصا فبعد أن أغفلها الحراك الثوري الشعبي في بدايته لتعفنها ولأن أغلبها كان يضع كلمة "لكن" بعد كل وصف لفعل ثوري شعبي، بداية من انتقاد الثورة لخروجها من المساجد واتهامها بالطائفية، ثم المبالغة في طلب السلمية في وقت كان الأسد يدك المدن بالمدافع والطائرات عدا عن الأحلام والنرجسية والسعي دائما للقيادة دون الانخراط الفعلي في العمل الثوري والالتفات للتنظير ورسم الاستراتيجيات بينما كان الشعب السوري يحصي الشهداء والجرحى، ومع كل مفصل في الحراك الثوري كانت أغلب رموز المعارضة تقف مواقفا مخزية، فالآن ومع بداية معركة الساحل وظهور مؤشرات عن انتصارات محققة قد تغير المعادلة، نسمع أصواتا تسأل عن جدوى معركة الساحل وعن أهميتها الاستراتيجية ! وكأن الساحل يقع في قبرص وليس سوريا يجب تحريره عاجلا أو أجلا من الاحتلال الأسدي الايراني، فالمعارض الكبير "هيثم مناع" يرى أن فتح جبهات مع (الإرهابيين التكفيريين في منابعهم، ويقصد الخليج) أهم من الدخول في معارك مع ضد المدنيين في جبال الساحل، كما تسمع "ميشيل كيلو" يدّعي بأن معركة الساحل ستفتح الحرب الأهلية، وهل قصف المدن السورية السنية تحديدا لا يفتح حربا أهلية، ولا يخرج "فؤاد حميرة" عن خطه في تصريحه الذي يعتبر فيه أن البيئة لم تكن مناسبة للعلويين ليتواجدوا في الثورة! وهل وفر الثوار وسيلة يدعون بها السوريين كافة ليدخلوا في الثورة أم نسي جمعة "صالح العلي" وشعار "واحد واحد واحد"... وهل السيد حميرة يعتبر أن قتل السوريين من قبل جيش بشار العلوي ومليشيات حالش الشيعية والميلشيات الايرانية والعراقية "قتلٌ بناءٌ" يمهد الأرضية لدخول العلويين في الثورة؟

إن هدف الثورة السورية "إسقاط النظام" لم يكن اجتهادا نخبويا بل شعبيا وما كان من أدبيات إي من المعارضين أحزابا وأفرادا ولذلك لا ينبغي أن يسمح لهذه النخب والأحزاب أن تتخذ الشعب الثائر سلما ومطية أو أن تحصر دوره في التصفيق والتصويت والهتاف والشهادة والألم. بل لابد لكل هؤلاء عربا وسوريين التعامل مع الشعب على أنه صاحب الشأن والعنصر الأساسي في المعادلة وأن النخب والأحزاب في خدمته ومسؤولون أمامه الآن ومستقبلا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات