سورية مُستعمَرةٌ إيرانيَّة ـ داعشيَّة

سورية مُستعمَرةٌ إيرانيَّة ـ داعشيَّة
بعد أن فشلت قواتُ النظام وشبيحته في الصمود أمامَ تقدُّم ثوار الجنوب المضطرد باتجاه العاصمة دمشق, وخسارتها لأغلب المناطق الحدودية المتاخِمة للجولان السوريِّ المحتَل, قام الأسد باللجوء إلى السيناريو القديم الجديد؛ وهو الاستعانةُ بالشيعة المخلِصين ـ إخوة المنهج ـ الذين وقفوا معه دائماً، ومنعوا سقوطَه عدَّة مرات, واستعادوا مناطقَ كثيرةً قد حررها الجيش الحر ـ بدءاً من حي باب عمرو بحمص, مروراً بالقصير وتلكلخ، ومن ثم القلمون، وبعدها الشيخ نجار والبريج والمنطقة الصناعية بحلب، وصولاً الآن إلى درعا والقنيطرة ـ من أجل حفظ ماء الوجه أمامَ الجار الإسرائيلي الحميم؛ لأن بخسارته لدرعا والقنيطرة يكون الأسد قد فقد أحد أهمِّ مبرِّرات وجوده واستمراريته ـ حماية حدود الدولة العبرية الشمالية!

لكنَّ الجديدَ هذه المرة هو مشاركة الضباط الإيرانيّين بشكلٍ مباشرٍ في القتال إلى جانب قوات الأسد وشبّيحته ومرتزقته الشيعة من ميليشيات "حزب الله" و"لواء الفاطميين"، بعدما كانت مهامُّهم تنحصر بتقديم الاستشارات العسكرية والدعم اللوجيستي وقيادة المعارك والإشراف على سَيرها من بعيد؛ فقد اعترفت إيران (13 شباط 2015) بمقتل الضابطَين علي سلطان مرادي وعباس عبد اللهي في جبهة كفر ناسج بمحافظة درعا جنوبي سورية، إثرَ اشتباكاتٍ عنيفةٍ مع الثوار, وقعت قبلَ يومَين من إعلانها خبر موتهما. وهما ضابطان تابعان لـ "جبهة الإسلام"، ومن الذين انضمُّوا للدفاع عن "العتبات المقدسة" في سورية، وما زالت جثة (عبد اللهي) بقبضة مقاتِلِي ألوية الفرقان؛ الذي يُعدُّ واحداً من أمْهَر القناصين الإيرانيين؛ وقد ترقّى في عدة مناصب, منها قيادة كتائبَ في المليشيات الإيرانية الردِيفة للقوات الحكومية، قبل أن يتقاعد ويبدأ تقديم خبراته القتالية للأجيال الشيعية الشابَّة.. كذلك يتمتَّع بمكانةٍ عاليةٍ جداً بين الضبَّاط الإيرانيين، لأنه من الرّعيل الأوّل الذي شارك في الحرب العراقية - الإيرانية، التي دامت 8 سنوات (1980 ـ 1988).

كلُّ هذا يأتي عشيَّةَ احتفال إيران بذكرى مرور 36 عاماً على ثورتها (الإسلامية)، التي حدثت في شباط 1979، وأدت إلى سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي ومجيءِ نظام الملالي بقيادة آية الله الخُميني، وتغيير طبيعة الدولة كليّاً، ورفع مستوى تأثيرها العقائدي على كلّ محيطها الشرق أوسطي.

إنَّ تصريحاتِ المسؤولين العسكريِّين والمدنيّين الإيرانيّين العلنيَّة حول التدخُل المباشر بعددٍ من الدول العربية لصالح حلفائهم هناك، أصبحت طبيعيةً منذ زمنٍ بعيد؛ فمع اكتساح ثورات الربيع العربيّ المنطقةَ العربية، وجد قادةُ طهران أنفسَهم في وضعٍ شاذٍ نوعاً ما، حيث أشادوا بتلك الثورات التي اجتاحت تونس ومصر والبحرين واليمن، وأدانوها في سورية (المُمَانعة والمقاومة) الحليفة لهم. لكنهم استطاعوا التعايشَ مع هذه الازدواجية عبر توفير الدعم العسكريّ والفنيّ لحليفهم الأسد من أجل قمع المظاهرات من جهة، ونفي مثل هذا الدعم من جهة أخرى؛ مؤكِّدين أنَّ بلادَهم تقف مع سورية سياسياً ومعنوياً فقط، وحسب الاتفاقيات الدولية المُبرَمة معها.

مع ظهور الجماعات الإسلامية الجهادية (السُّنِّيَّة) المقاتلة ضد النظام السوري، وجد المسؤولون الإيرانيون فرصةً مناسبة ليعلنوا على الملأ دعمَهم الكاملَ والثابت لبشار الأسد باعتباره يقاتل (الإرهاب التكفيريّ) الذي سيجتاح العالم كله يوماً ما؛ ففي نهاية أيار 2012 أقرَّ إسماعيل قاءاني ـ نائب القائد العام لـ "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري ـ بأنَّ القواتِ الإيرانيةَ تعمل في الأراضي السورية لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد قوات المعارضة. وقال: "لولا حضورُ الجمهورية الإسلامية في سورية لارتُكِبت المجازرُ على نطاقٍ أوسع”. وأضاف أيضاً "قبل الوجود الإيراني في سورية، قُتل العديد على أيدي المعارضة، ولكن بالوجود الفعليّ وغير الفعليّ للجمهورية الإسلامية تمَّ الحيلولة دون وقوع المزيد من المجازر".. هذه التصريحاتُ جاءت في مقابلةٍ أجرتْها وكالة "إسنا" الإيرانية ـ شبه الرسمية ـ مع قاءاني؛ لكنْ سرعانَ ما حذفتها!

كانت هذه هي المرّة الأولى التي يقرُّ فيها مسؤولٌ من الحرس الثوريّ الإيرانيّ بوجود قوّاتٍ له في سورية، وبذلك أراد بعثَ رسالةٍ مفادُها أنَّ بلده على استعدادٍ للمواجهة عندما يتعلق الأمر بسورية، وأنَّ كل من يواجه الأسد ستكون القوات الإيرانية له بالمرصاد!

تورُّطُ القوات المسلحة الإيرانية في الصراع السوري لم يتوقف عند هذا الحد؛ ففي 28 آب 2013 أمرَ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي بإخلاء جنودٍ من الحرس الثوري يقاتلون إلى جانب قوات الأسد في ضوء إمكانية مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لمواقع عسكرية حكومية سورية, بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيماويَّة في الغوطتَين الشرقيَّة والغربيَّة.

بعد ذلك تتالت التصريحات من قِبل المسؤولين الإيرانيين, لاسِيّما من قِبل قائد العمليات الخارجية في الحرس الثوريّ الإيرانيّ الجنرال قاسم سليماني ـ المنافس الأكبر لأبي بكر البغدادي في حكم سورية والعراق ـ والذي تظهر صُوَره تِباعاً على جبهات البلدين وسط مقاتلين من المرتزقة الشيعة؛ فقد ألقى خطاباً خلال الاحتفال بالذكرى 36 للثورة الإيرانية في منطقته بإقليم كرمان, قال فيه: "نلاحظ اليومَ تصدير الثورة الإسلامية إلى المنطقة من البحرين إلى العراق, ومن سورية إلى اليمن وشمال إفريقية". كذلك لا ينسى سليماني ذكر "داعش" وأخواتها, مؤكّداً الانتصار عليها في المستقبل القريب: "نظراً للهزائم الساحقة لـ "داعش" والمجموعات الإرهابية الأخرى في العراق وسورية, فمن المؤكَّد أنَّ نهايتَهم أصبحت قريبة"؛ وأضاف أيضاً "المستكبرون والصهاينة يقرِّون اليوم أكثر من السابق بضعفهم وبقوة الجمهورية الإسلامية بسبب هزائمهم المتتالية"؛ حيث لابدَّ من ذكر "قوى الاستكبار العالمية" (إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية), حتى يكتملَ المشهد المسرحيُّ الإيرانيّ المستمر منذ انتصار تلك الثورة المخادعة!

ترى إيرانُ نفسَها دولةً مِحوَريّة في المنطقة, ولا يمكن فعل أيِّ شيءٍ دون موافقتها, وأنَّ وجودَها ضروريٌّ وحاسمٌ لمكافحة الإرهاب الداعشي وتأمين الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. وقد عبَّر رئيسُها الحاليُّ حسن روحاني عن ذلك أحسن تعبيرٍ في خطاب الذكرى الـ 36 للثورة الخمينية: "إنَّ بسطَ السلام والاستقرار واستئصالَ الإرهاب في الشرق الأوسط، يمرُّ عبر الجمهورية الإسلامية"؛ مؤكداً أنَّ دولته هي الوحيدة التي "ساعدت شعوب العراق وسوريةولبنان واليمن... لمواجهة المجموعات الإرهابية"...

لقد قدَّمت إيران في السنوات الأخيرة مساعداتٍ سياسيةً وماليةً وعسكريةً هائلةً للأسد من أجل أن يبقى حاكماً حتى ولو كان على خرائب وأطلال سورية وجماجم شعبها؛ ونجاحاتها بادية للعيان في أكثر من مكان. وما شاهدناه في يوم عاشوراء الماضي من مسيراتٍ شيعيةٍ منظمةٍ تجوب شوارع وأزِقّة دمشق القديمة, وحلبات اللطم والنحيب داخل الجامع الأمويّ وخارجه, لهو دليلٌ فاضحٌ على التحوّل نحوَ شيعَنَةِ سورية كاملة, بدءاً من عاصمة الأمويّين؛ وإلحاقها بالهلال الشيعيّ الذي أصبح دائرةً كاملة, لكنها من المؤكد أنها ستغوص في النهاية بالسَّدِيم السوريّ الذي سيُخفيها تماماً من الوجود!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات