للمرة الأولى عربياً: احتجاجات الجزائر على الغاز الصخري!

للمرة الأولى عربياً: احتجاجات الجزائر على الغاز الصخري!
تعم الجزائر، للمرة الأولى عربياً، تظاهرات لسكان محليين ضد تطوير حقول نفط وغاز في مناطقهم. وتشتد وتيرة هذه التظاهرات التي انطلقت في الجنوب الصحراوي حيث الثروة البترولية، مثل عين صالح وتمنراست وولاية غرداية، منذ 1 كانون الثاني (يناير). والمطلب الأساسي للمتظاهرين هو إيقاف عمليات التنقيب عن الغاز الصخري، خوفاً على البيئة والزراعة والمياه الجوفية، بالإضافة إلى التخوف من تفشي الأمراض السرطانية في المنطقة بفعل المواد الكيماوية التي تمزج مع المياه المستعملة لتفكيك مسامات الصخور وتسربها إلى المياه الجوفية التي تستعمل للشرب. وثمة مفاوضات تهدف إلى تنظيم حوار وطني شامل حول مسألة الغاز الصخري لأجل الضغط على السلطات الحكومية لوقف عمليات التنقيب.

تشكل هذه التظاهرات بادرة غير مألوفة عربياً، إذ يتظاهر السكان المحليين لمنطقة بترولية ضد تطوير الحقول البترولية في مناطقهم. وكالمعتاد عربياً، تباينت تعليقات السياسيين وأقلام الصحف المحلية في قراءة السبب الرئيس لهذه التظاهرات، فلم يستبعد العديد من هؤلاء أن التظاهرات تعكس البعد السياسي المعارض للحكومة، بينما اعتبر البعض منهم أن الاحتجاجات مبررة لأنها تعبر عن وعي سكان الجنوب بأخطار الغاز الصخري، وصرح آخرون بأن ظروف البلاد مهيأة لأي احتجاج بغض النظر عن خلفياته. وتؤكد قيادات جبهة التحرير الجزائرية الحاكمة أن أطراف داخلية تؤجج التظاهرات.

وحض كثيرون السلطة على إجراء قراءة سليمة للاحتجاجات، حتى تتمكن من احتوائها قبل انفجارها شعبياً على مستوى البلاد برمتها. والاقتراح هنا أن تبادر الحكومة إلى تبني برامج تنموية في الجنوب الصحراوي. لكن هذا الاقتراح يأتي متأخراً، فغالبية المناطق النفطية في الجزائر وكثير من الدول النفطية العربية أهمِلت تنموياً على حساب العواصم والمدن الكبرى. ويحتاج الاقتراح إلى بعد اجتماعي وتنموي قلما نراه متوافراً في موازنات الدول النفطية العربية. ويضيف أصحاب هذا الرأي أن الاحتجاجات تدل على الوعي المدني للصحراويين وتمسكهم بأرضهم ومنطقتهم.

يُذكَر أن منظمات معارضة نظمت حركات احتجاجية ضد حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة خلال العام الماضي في مختلف أنحاء البلاد، من ضمنها العاصمة الجزائرية، وتطرق خبراء ومختصون إلى أخطار استغلال الغاز الصخري. وشارك العديد من المسؤولين، من بينهم وزير الطاقة يوسف اليوسفي في الإجابة على الأسئلة المطروحة. إلا أن التظاهرات لا تزال مستمرة، وكذلك الشكوك والأسئلة. ووافق البرلمان في بداية حزيران (يونيو) 2013 على قانون يتيح للحكومة البدء في إنتاج الغاز الصخري. وحاولت الحكومة إقناع النواب بجدوى اعتماد القانون باتخاذ الاحتياطات اللازمة والتدابير الوقائية الضرورية خلال عمليات استغلال هذه الطاقة الجديدة للحفاظ على البيئة والمياه الجوفية.

وتدل الدراسات الأولية إلى أن الجزائر من الدول الموعودة باحتياطات ضخمة من الغاز الصخري، خصوصاً أن احتياطات الجزائر من الغاز في تناقص تدريجي، ما يزيد أهمية اكتشاف حقول جديدة. وأشارت دراسة لإدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن الجزائر هي من بين أهم 10 دول في العالم باحتياطاتها من الغاز الصخري. ولفتت الدراسة التي نُشرت في حزيران 2013 إلى أن الولايات المتحدة تقع في المرتبة الأولى عالمياً واحتياطها القابل للاستخراج حسب التقنيات المعروفة يبلغ نحو 1161 تريليون قدم مكعبة. وصنفت الصين في المرتبة الثانية باحتياط نحو 1115 تريليون قدم مكعبة، تليها في المرتبة الثالثة الأرجنتين باحتياط نحو 802 تريليون قدم مكعبة، وتقع الجزائر في المرتبة الرابعة باحتياط 707 تريليونات قدم مكعبة. والدول الأخرى ضمن قائمة العشرة، ووفق حجم الاحتياطات تشمل كندا والمكسيك واستراليا وجنوب أفريقيا وروسيا والبرازيل.

أما بالنسبة إلى احتياطات النفط الصخري القابلة للاستخراج وفق التقنيات الحالية، فتحتل روسيا المرتبة الأولى باحتياط بنحو 75 بليون برميل. وتصنف الولايات المتحدة في المرتبة الثانية باحتياط نحو 48 بليون برميل. ثم الصين بنحو 32 بليون برميل، فالأرجنتين بنحو 27 بليون برميل، ثم ليبيا بنحو 28 بليون برميل، ثم استراليا بنحو 18 بليون برميل. وتشمل قائمة العشرة فنزويلا وباكستان وكندا. ويُذكر أن الاحتياطات النفطية الصخرية الممكن استخراجها بالتقنيات المتوافرة محدودة نسبياً مقارنة بالاحتياطات النفطية التقليدية.

ما من إجابة قطعية ونهائية تتعلق بإمكان منع التلوث الناتج عن استغلال الغاز الصخري، إذ تتباين البحوث حول هذا الأمر، كما تختلف مواقف الدول، إذ سمحت الولايات المتحدة وكندا (الدولتان الوحيدتان المنتجتان للنفط والغاز الصخريين حالياً) بالإنتاج، على رغم الاحتجاجات والدعاوى القانونية ضد التلوث، بينما قررت فرنسا منع استغلال البترول الصخري في أراضيها، ما دفع شركة «توتال» الفرنسية إلى استكشافه في دول أخرى.

يصعب على الجزائر عدم الدخول في صناعة الغاز الصخري، نظراً إلى التقديرات الأولية لضخامة احتياطاتها. لكن الأوان آن للجزائر ودول عربية نفطية أخرى لإيلاء الاهتمام اللازم للأحوال الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لسكان المناطق البترولية. ثمة محاولات كثيرة في هذه المجالات، لكن الناجح منها هو الاستثناء وليس القاعدة.



* كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة

** المصدر صحيفة (الحياة): 08/02/2015

التعليقات (1)

    سعد

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    طبيعي ان يحتجون لأنه لأن يأتيهم اي من عوائد الغاز الذي تذهب موارده كالمعتاد للمتنفذين واما السكان المحليين فنصيبهم اتلاف قوت يومهم من زراعة ومياه وحتى الهواء الذي يتنفسونه وصحتهم
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات