محاربة الفساد: الثورة وتطهير البيت الداخلي

محاربة الفساد: الثورة وتطهير البيت الداخلي
استمرار الثورة السورية للعام الرابع دون حسم كشف كثيراً من السلبيات وأصابها بعدد من الأمراض، ولعل أبرز هذه السلبيات تسلل الفساد لكثير من مفاصل الثورة السورية سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الإنساني، وساهم الداعمون الخارجيون بنمو هذا الفساد، فإذا أردت إفساد ثورة أغدق عليها المال.

رغم هذا الفساد فمازالت الثورة السورية تتميز بنقائها، وليس غريباً أنّ نزعم أنه جاء في سياقاته الطبيعية، فالثوار جزء من المجتمع السوري الذي عمل نظام الأسدين على إفساده عبر خمسة عقود، فقد دعَمَ نظامُ الأسدِ الفسادَ الذي استشرى في كل مفاصل الحياة، فالفساد أفضل طريقة لترسيخ دعائم الاستبداد.

ولم يؤدِ الفساد لتأخر انتصار الثورة السورية فحسب بل أدى لتشويه وجهها الجميل ولا سيما عقب تسلق أصحاب النفوس المريضة والانتهازيون واللصوص الثورة السورية عندما رأوا حتمية انتصارها، فمن الناحية السياسية انشغلت المعارضة السياسية بالتنافس على مناصب وهمية، ووجهت تهم صحيحة وغير صحيحة لكثير من المنظمات الإغاثية والإنسانية.

لكنَّ الخطر الأكبرَ تمثل بفساد المعارضة العسكرية، وأدى هذا الفساد لنتائج كارثية، ودفع هذا الفساد كثيراً من الثوار للانخراط في التنظيمات المتشددة التي جذبت الشباب بإخلاصها لمنهجها وندرة الفساد الظاهر، وبمحاربتها المفسدين بعقوبات رادعة زاجرة (دموية)، فقد صلب تنظيم الدولة كثيراً من عناصره وقادته بعد إعدامهم بتهمة الفساد ولا سيما المالي، رغم توجهها الذي فرّق الثوّار وأعطى نظام الأسد الذريعة لمحاربة الثورة بحجة الإرهاب.

إذا تركنا الأسباب الخارجية فإنّ فقدان القيادة الموحدة (الرأس)، ومبدأ المحاسبة (ولا سيما الثورية) أبرز سببين للفساد، ولم تفلح كل محاولات محاربة الفساد بل أدت بعض المحاولات لزيادته فبعد فصل بعض التشكيلات عناصرها الفاسدين قام هؤلاء الفاسدون بتشكيل كتائب خاصة بهم أمعنت بالفساد وتحولت لعصابات للجريمة المنظمة (قتل، خطف، سلب ونهب، مخدرات) وكان لهذه العصابات أعظم الأثر بتشويه وجه الثوار، وكانوا العصا في عجلة انتصار الثورة، وسبباً لعدد من الانتكاسات والهزائم.

واليوم تقوم حملات كبيرة من قبل أقوى الفصائل ضد من يسمى بالمفسدين سواء في حلب أو ريف إدلب أو ريف حمص، وليس انتهاء بريف دمشق، ولاقت هذه الخطوة استحسان الأهالي في معظم المناطق، وقلقاً نسبياً في مناطق أخرى، و مبعث القلق أمران الخوف من اتخاذ محاربة الفساد ذريعة لتصفية حسابات أولاً والقلق من أن تكون الحملة خطوة لاستبداد الفصائل التي تقوم بمحاربة الفساد مما يمهد لفساد أكبر، فالاستبداد والفساد صنوان لا ينفصلان.

قد يصعب زمن الثورات إيجاد جهة قضائية مستقلة نزيهة يُوكل لها محاسبة الجميع فقد أثبت الواقع أن ذلك ضرب من العبث والخيال، فالثورة تحتاج ولا سيما في هذه النقطة (محاربة فساد العسكريين) لقضاء من نوع خاص، يحافظ بحده الأدنى على الثورة من الضياع، تحتاج لقضاء ثوري لا يقف عند الإجراءات القضائية العقيمة، ولا يضيع بالتفاصيل المضللة، قضاء ثوري يُكوَّن على شكل مجلس قضائي عسكري من أشخاص يتحلون بالنزاهة والشجاعة لا يخشون في الحق لومة لائم تكون مهمة هذا المجلس محصورة بمتابعة وملاحقة الفاسدين، وبذلك تتمكن الفصائل الشريفة من تبديد قلق ومخاوف الآخرين، كما تتمكن من تحصين نفسها تجاه الاتهامات التي توجه لها.

لا شكّ أنّ انتصار الثورة يتوقف على تطهير البيت الداخلي، ومن يطلع على الملفات الموجودة عند قوة رد المظالم في ريف حلب يصدم من حجم ملفات الفساد بقدر ما يعجب من تضحيات الشرفاء، ولم يستطع أحد –فيما نزعم- توجيه نقد لقوة رد المظالم حيث شكلت بشكل مشترك من الفصائل الثورية والإسلامية التي لا يشك أحد بنزاهتها، وتشكيل هكذا قوة (من كل الفصائل العاملة) يصلح أن يكون بديلاً لذلك المجلس، وكما توجت الحملة بإدلب بتحرير وادي الضيف والحامدية يبدو أنها ستتوج بنصر قريب في حلب بدت بوادره بالوضوح.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات