معارك الفيسبوك وحروب "معاليق الثورة": هل تؤثر على الأرض؟

بعد أن تحول (الفيس بوك) في الحالة السورية إلى ما يشبه "مجتمعا افتراضيا"؛ أصبح كل شخص يمتلك حسابا يدخل إليه كي ينفس عن غضبه تارة، ويطرح آراء خاصة تارة أخرى، ويسخر ويضحك ويحزن وينعى ويزف ويبشر ويحلل ويتهم ويبرئ ويزرع ثم يحصد، وأحيانا يحرر جبهات ويسقط جبهات وينصب كمائنا!

وهكذا كانت ساحة الفيسبوك ميدانا لتراشق التهم ببين المعارضين، وساحة لكشف الحقيقة كل من وجهة نظره، فأما المتهكمون فقد كان أبرزهم صفحة "معاليق الثورة" كما يطلق عليها القائمون.

"معاليق الثورة" تسخر ممن رفضوا "التحرير"

يقول القائمون على الصفحة لأورينت نت إنها صفحة ثورية وجدت كي تعرّي أولئك المنظّرين الغير مؤثرين بمجريات الأرض وأن هؤلاء المنظرين لم ينفكّوا تشويها بالثورة أمام الرأي العام حتى نسوا أننا نحارب أكبر طاغية في العصور الحديثة واسمه بشار الأسد.

ولا تنفك الصفحة ولا تملّ من ملاحقة بعض النشطاء والشخصيات الاعتبارية على الفيس بوك لتنسخ أقوالهم على صفحتها التي تحوي عشرات آلاف المتابعين ثم تعلق على الكلام المنقول من وجهة نظرها، وهي ترسل الرسائل التي تنتقد أولئك المطالبين بأفلاطونية الثورة:

• فتقول مثلا: "بالوقت اللي العالم فرحت بتحرير وادي الضيف... في عالم فاتحة لطميات على جمال معروف وإخوة المازوت"، وهي تسخر هنا من مؤيدي جمال معروف قائد جبهة ثوار سوريا الذي لم يستطع تحرير المعسكرين منذ ثلاث سنوات

• وتقول: "بالمناسبة لو سقطت نبل والزهراء لشفنا اللطم أكتر من اللي صار اليوم ... شفناكن وعرفناكن ... جنوا بحقدكن"، وهي تسخر هنا ممن يعارض حصار القريتين الشيعيتين المذكورتين والقريبتين من معسكري وادي الضيف والحامدية وفيهما تتمركز القوات الأجنبية الشيعية ومنهما يقصف الريف الإدلبي يؤكد ناشطون.

• وهي تقول للحذرين ومختلطي المشاعر: "حدا يقلن إنو الجيش الحر مشارك بالسيطرة ... حرام بلا ما يصرلو شي من هالأخبار اليوم"، وترد على من يقول إن جبهة النصرة ستغرق سوريا في مخلفات الجاهلية القذرة: "أما إخوتنا في الوطن القادمين من جبال وكهوف القرداحة فهم حمائم سلام"

• وتعطي عدة إجابات لصاحب بوست يقول لماذا يا جمال معروف لماذا: "لأني جمال مازوت-هي آخرة يلي بيلحق السعودية-كان باقي عضة كوساية وبحرروا-مين سمير"، وهي هنا تسخر من سؤال تقول إنه يحمل عتاب الأحباب لجمال معروف أكثر مما يحمل البحث عن حقيقة الإجابة الواضحة.

اتهامات وصلت حد التخوين

هناك من اتهم الصفحة والقائمين عليها (والذين يرفضون إعلان أسمائهم) بأنهم يعملون ضد الثورة ويتهكمون على شخصيات مثقفة وناشطين كانوا روادا في الثورة السورية وقدموا لها ما لم يقدمه غيرهم متهمين القائمين على الصفحة بالدفاع عن القاعدة والتشبيح لصالح داعش والنصرة وغسل عقول السوريين.

فيقول الناشط السوري فادي حسين لأورينت نت: "في حزيران ٢٠١٤ كان عدد منشورات الصفحة ٥١١ منشور تضمنت ٤٩١ صورة كانت في مجملها تقتصر على طباعة آراء سوريين على الفيس بوك وتناولهم بالتهكم والاهانة، ١٧٧١١ مستخدم تفاعلوا مع تلك المنشورات بأكثر من ١٥٦٥٢٩ مرة، هذه ال ١٥٦٥٢٩ دقيقة، وبفرض استغراق القراءة والتفاعل ثلاثون ثانية أو نصفها هي ٥٤ يوما كاملة، أما كان أفضل لو تم استثمارها بما يجمع السوريين ويعكس جمال هويتهم بدلا من اضاعة أثمن ما يحتاجه السوريون اليوم: الوقت. وأيما وقت هنا: وقت يضيع بالكراهية والسخرية الهدامة".

ويرد القائمون على الصفحة: "برأينا الشخصي فإن الانتقال بشكل صحيح لمرحلة ما بعد الثورة يستحق أكثر من هذا الوقت لكن السؤال الأقوى: كم يوم بالسنة يستهلك "المعلاق" للترويج لسمومه التي يقبض ثمنها الجواب :365 يوم من أصل 365"

ويؤكد الناشط المعارض لمنشورات الصفحة ولأسلمة الثورة: "إن الأخوين السوريين اللذين يقومان على الصفحة هما الفنان مصطفى يعقوب ورامي عمر، أكتب اليوم هذا متسامحا معهم ومطالبا اياهم بإيقاف الصفحة المسيئة للجميع، علما انه تم التواصل مع أحد موظفي الفيس بوك في ولاية كاليفورنيا في مكتب مدينة لوس انجلس لمعرفة هوية القائمين على الصفحة.

بينما يقول القائمون على الصفحة: إن الأسماء المذكورة لا تمت للصفحة بأية صلة "إذا كان الفيس بوك أعطاه الأسماء ببساطة لماذا لم يستخدم نفس الأسلوب ليعرف أسماء القائمين على صفحات تحرض فعلا على قتل الشعب السوري".

عمالة وخيانة

يتهم فادي حسين القائمين على الصفحة بالعمالة قائلا: " يصل بهم الأمر لاقتراف تشويه متعمد وشامل لهويات أغلب من شاركوا في هذه الثورة منذ أيامها الأولى، هذا يضع اشارة استفهام كبيرة على مؤسسي هذه الصفحة وبعض روّادها، بدى الأمر لأكثر من مرة وكأنه عمل استخباراتي سوري".

القائمون بالصفحة يردّون: "إن هؤلاء المنظرين أشخاص جندتهم المخابرات العالمية لزرع أفكار دخيلة تضع عصي المثالية والأفلاطونية بعجلات ثورتنا"

ويبدو أن تحرير معسكري الحامدية ووادي الضيف أشعل صفحات التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد للتحرير الذي تم بشراكة بين الجيش الحر وجبهة النصرة وبين رافض له بسبب تدخل النصرة وبين مختلط مشاعر فرح للتحرير على مضض بسبب تدخل جبهة النصرة التي تعد ذراعا للقاعدة حسب ما يقولون.

المجموعة الأولى

هم سواد أعظم سعيدون بالتحرير ويقولون إن النصرة تختلف عقيدة وأيديولوجية عن (داعش)، وهي إن حررت لا تفرض قوانينها وإنما تترك السوريين يديرون أمورهم بأنفسهم، وهي ربما جهة وحيدة أوجعت حزب الله ضربا وأذاقته ألما وتقف شوكة بحلق بلعوم تقسيم واضح من القصير وحتى القلمون، وها هي اليوم تحرر ما تحول لأسطورة بسبب جمال معروف الذي يتبنى شعار العلمانية -بشكل من أشكالها-وهو من ارتهن لدى جهات إقليمية ودولية يبدو أنها منعته من التقدم باتجاه المعسكرين الذي أودو بحياة آلاف السوريين فقتلوا النساء والرجال ومزقوا أطفالا سوريين وأحرقوا زيتون إدلب وعكروا صفو سهولها

وهؤلاء يقولون أيضا نرجو من مثقفي الثورة الطارئين المسالمين الرقيقين أن ينزلوا من على أكتاف ثورتنا من حيث تسلقوا (أكتاف الثورة أي السويد وأمريكا وفرنسا ... من حيث تسلقوا أي الاجتماعات الصغيرة في داخل سوريا والمظاهرات الطيارة وتصوير أوراق تضامنية خلف ستائر غرف النوم) وذلك كلّه حسب الموقف الأول.

المجموعة الثانية

يرفضون تحرير المعسكرين الذين كان يسيطر عليهما جيش النظام رفضا قاطعا ويفضلون عدم تحريره إلى درجة أنهم لا يخفون تفضيلهم سيطرة النظام على الحاجزين وقصف أهل إدلب على سيطرة جبهة النصرة التي يعتبرونها جناحا من "أجنحة القاعدة" التي "تنافس" داعش في "إجرامها" وأن لديها أهدافا "دنيئة" تتناقض وتتعارض مع أهداف الثورة المدنية في الحرية والعدالة والكرامة فجبهة النصرة تخطف وتذبح ولا تختلف عن داعش وتتعاون مع بشار الأسد حسب هؤلاء.

ويتهم هؤلاء أيضا من يقول إن الجيش الحر شارك بتحرير المعسكرين بالكذب والإفك ومحاولة الضحك على ذقون السوريين الغير راضين عما حصل في إدلب.

وهؤلاء يقولون أيضا إن من يؤيد جبهة النصرة هم أغبياء جهلة وغير متعلمين أو مثقفي البعث الطائفيين الذين لم يتعلّموا من البعث سوى التطرف بمواقفهم أينما وكيفما جاءت.

المجموعة الثالثة

يطلق عليهم ثوار المجموعة الأولى جماعة (الله يطفيها بنوره) وهم صاحبي المشاعر المختلطة يقولون إنهم سعيدون بالتحرير بحكم ثوريتهم ولأن إدلب لن تقصف بعد الآن وحزينون لأن جبهة النصرة هي من حررت وليس الجيش السوري الحر، وهؤلاء –يقول صحفي معارض-هم من الذين قالوا (الله يطفيها بنوره) منذ بداية الثورة وحتى بلغت الثورة ما بلغت من عمرها المديد ثم قرروا الانشقاق نهائيا لظروف ومصالح لا يعلم بها سوى الله سبحانه علّام الغيوب وما في الصدور.

هل تؤثر المعارك الفيسبوكية على معارك الأرض

سألنا الناشط المعارض فادي حسين عن قدرة الفيس بوك على التأثير بما يحدث على الأرض وكان رأيه أن الفيس بوك حاليا أقوى ميديا موجودة على كوكب الأرض.

أما القائمون على صفحة "معاليق" الثورة السورية اعتبروا أن المعارك الفيسبوكية غير مؤثرة مع الأخذ بعين الاعتبار عدم الاستهانة بأهمية الاعلام على صفحات التواصل الاجتماعي ليرى من في الداخل أن هؤلاء المنظرين هم من حصدوا ثمرة دمائهم بين لجوء وشهرة، نعتبر أن صفحتنا تعبر عن رأي ثوار الأرض ضد من يعتبرون أنفسهم منزهون عن الخطأ.

وبين هؤلاء وهؤلاء يبدو أن لا أحد سيفصل سوى سيف الأرض، ومعارك الأرض والدم، وأهوال الحرب، وما ستؤول إليه معركة السوريين ضد دكتاتورهم بعد كسر قاعدة "اللاهزيمة" لدى مؤيدي الأسد الذين راهنوا على عدم سقوط المعسكرين، وأيضا فهناك معركة شتم ولعن وانشقاقات روحية لدى هؤلاء عن "أسدهم" الذي هزم شر هزيمة على أبواب يقع خلفها خزانهم البشري بين سهل الغاب والساحل السوري وقطعت على إثرها مشيمة دمشق المحتلة عن حلب بجزئها المحرر.