الزيتون في (حاس): ما بين قصف الأسد وانقطاع الكهرباء

الزيتون في (حاس): ما بين قصف الأسد وانقطاع الكهرباء
أقفلت معاصر الزيتون في بلدة حاس أبوابها ما دفع المزارعين إلى البحث عن معاصر أخرى في ريف إدلب. ولم يكن سبب إقفال معاصر حاس أبوابها الأخبار عن ضعف الموسم هذا العام نتيجة قلة الامطار, بل قلة المازوت الأمر الذي لا يسمح لصاحب المعصرة القيام بعمله في فترة تقنين الكهرباء، ما يضطره إلى تكديس كميات الزيتون أمام المعصرة، ويدفع المزارع إلى البحث عن معصرة أخرى بدل الانتظار لأيام حتى يعصر إنتاجه المكدّس وهو ما يؤدي إلى فقدان الزيت لقيمته الغذائية.

لم يكن الجفاف وقلّة العناية أو النقص في اليد العاملة في سوريا، هي أسباب تدهور زراعة الزيتون فقط، إنما القصف على البلدات والقرى كان عاملاً أساسياً أثّر على هذا المحصول المهم، الذي كان يدرّ دخلاً كبيراً على السوريين والاقتصاد الوطني. وبات الصراع المتواصل منذ 3 سنوات يحرق كل شيء في طريقه، بما فيها أغصان الزيتون التي ترمز إلى السلام.

يشكل المحصول الزراعي من شجر الزيتون دخلاً هاماً لقسم كبير من العائلات في بلدة حاس الواقعة في ريف ادلب الجنوبي. يعتمد الأهالي على بيع زيت الزيتون حيث يعمل اكثر من 70 بالمئة من سكان البلدة في هذه الزراعة. ويوجد في بلدة حاس الالاف من الأشجار المثمرة، ومعصرتي زيتون إحداهما حديثة وأخرى قديمة. زيت حاس مشهور بجودته ونوعيته، فالزيتون يصنع بعشرات الأنواع للمائدة، كما يستخدم زيته في الطبخ ويدخل في صناعة بعض الأدوية، كما تدخل مخلفاته في صناعات عدة أهمها الصابون.

يقول ابو الخير (76 عاماً) وهو أحد المزارعين: "الزيتون إرث حضاري في بلدتنا أي أن الناس يزرعونه من عشرات السنين، ويعد الزيتون في منطقتنا ذو نكهة طيبة حيث كان التجار يرغبون بشرائه وبيعه في باقي المحافظات السورية، وكان الناس سابقا يستعملون الزيت في إشعال الضوء قبل وجود الكهرباء بما يسمى "بالسراج"(هو عبارة مشعل للضوء يتم ملأه بزيت الزيتون)".

ويضيف أبو الخير: "لم يكن الموسم الأول الذي نعاني خلاله من نقص الأمطار، لكننا اعتدنا ري الأشجار ولكن الجديد هذا العام هو هروب المزارعين وتعهّد أراضيهم للغير، ما أدى إلى الإهمال وتراجع الإنتاج ومرض الشجر إثر قلّة العناية". ويروي أبو الخير عادات الزيتون بحيث انه لا يثمر بكثرة، بل يثمر عاماً ويحرم في العام الذي يليه، لكن بفضل أساليب الري بعد انتشار الآبار في المنطقة، وخصوصا منطقة شرقي معرة النعمان بات الزيتون يثمر كل عام، لكن ذلك يؤثر على عمر الشجرة نتيجة نمو جذورها. أدت قلّة الأمطار إلى عدم نمو "التربين" الذي يحمل الثمر، والحر والجفاف أصابا الأشجار. ويضاف إلى هذا وجود معظم المزارعين خارج حقولهم، ويقول أبو الخير "منهم مَن قتل ومنهم مَن تهجّر، وكأن الشجر يشعر بغياب صاحبه ويحزن عليه، فتراجع إنتاجه خلال السنوات الثلاث الأخيرة".

لجأ بعض المزارعين إلى استخدام المياه الجوفية للتعويض عن ضعف الأمطار، لكن ارتفاع سعر وقود الديزل لمولدات ضخ المياه حدّ من هذا الخيار بالنسبة لمزارعين في مناطق أخرى.

المهندس الزراعي أبو سليمان (47عاماً) يلفت إلى أن موسم الزيتون ينتظره جميع المزارعين الذي يعتمدون عليه بشكل كبير في الحصول على دخلهم. يقول أبو سليمان: "خلال السنوات الأخيرة، ونتيجة الحرب والدمار، تراجع الإنتاج وتعب الشجر، ويتوقع أن يصل إنتاج الموسم هذا العام في سوريا إلى أقل من نصف ما كان عليه في سنوات الخير، حيث يصل الانتاج هذا العام الى 400 الف طن على عكس ما كان قبل الحرب، حيث كان الموسم بحدود 900 الف طن حينما كان يشكل دخلا مهما للاقتصاد الوطني".

ويضيف ابو سليمان: "لقطاف الزيتون مردود اقتصادي واجتماعي للفلاحين، حيث أن من يملك مساحة واسعة مزروعة بشجر الزيتون تدر له مالا وفيراً آخر الموسم، ناهيك عن تشغليه لعشرات الورشات من نفس القرى التي كذلك بدورها تستفيد بالأجر المادي. كما تستفيد العائلات بتوفير مؤونتها من زيت الزيتون، وكل عائلة في بلدة حاس تملك ما بين 10 الى 15 شجرة.

ويبلغ عدد أشجار الزيتون في سوريا، وفق إحصائية، نحو90 مليون شجرة، ويحتل الزيتون المرتبة الثالثة من حيث العائدات بعد القمح والقطن. ويتوقع خبراء انخفاضاً قياسياً للمحاصيل الزراعية في البلاد، مقارنة بالفترة التي سبقت الثورة عام 2011، حيث تواجه جميع المحاور المتعلقة بالمنظومة الزراعية مشاكل عديدة، الأمر الذي سيؤدي إلى تحول سوريا من دولة مصدّرة للغذاء إلى مستوردة له.

وأكد متخصصون على عقبات تواجه الزراعة السورية، ومنها تخصيب التربة، إلى الحصاد، والنقل والتسويق، بعدما دبّت الفوضى في كل شيء بسبب المعارك الضارية بين الأطراف المتصارعة. وكذلك معاناة المزارعين من عدم تصريف محاصيلهم لان مناطقهم مسيطر عليها من قبل المعارضة المسلحة وبيعها داخل المناطق المحررة مما يؤدي الى خفض سعر البيع بعدما كانت تصدر الى الخارج قبل الثورة.

وبلغ عدد اللاجئين، ومنهم المزارعون، الذين لجأوا إلى دول أخرى أو نزحوا عن ديارهم داخل البلاد، ثلث السكان تقريباً، حسب تقارير إعلامية، وبالتالي أثروا على القطاع الزراعي سلباً، وأصبحت مساحات كبيرة من الأراضي السورية تحت سيطرة المقاتلين الذين يسعون للإطاحة بنظام بشار الأسد.

يروي أبو أحمد (52عاماً) صاحب إحدى المعاصر لـ"أورينت نت معاناته فيقول: "إن إغلاق المعاصر في القرى المجاورة سبب ازدحاما كثيفا على عصر الزيتون، فهناك بعض الناس ينتظر لمدة يومين حتي يأتي دوره في العصر، ونعاني نحن من انقطاع الكهرباء وغلاء اسعار المحروقات مما يؤدي الى زيادة سعر عصر الزيتون".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات