النظام وعملية "الغربلة" العسكرية
مع ازدياد حركة الانشقاقات عن الجيش، بدأ النظام بالتفكير في حلول جدية لتغطية هذه الفراغات، إلا أنه في كل مرة كان يغطي النقص كان يكتشف انشقاقات جديدة وبأعداد كبيرة، فقرر أن يعتمد على مواليه في تغطية هذه النواقص.
وبالتالي التقليل من الاعتماد على العسكريين من المناطق ذات النفوذ الأكبر للمعارضة، والاعتماد الأكبر على العسكريين من المناطق الخاضعة لسيطرته.
فزادت عمليات طلب الاحتياط من المناطق المؤيدة وخاصة الساحلية منها، وزاد ضغط النظام على المطلوبين للخدمة الإلزامية في مناطقه دوناً عن المناطق الأخرى. وهو ما يظهر جلياً على حواجزه.
فابن حلب أو ريف دمشق مثلاً غير مطلوبين للاحتياط العسكري فيما ابن الساحل وبعض المناطق المؤيدة الأخرى مطلوب للاحتياط، على الرغم من تشابه الاختصاصات العسكرية وربما العمر لكلا المطلوبين.
وبذلك تمكن من زج كل مؤيديه بالصراع الدائر، دون الاكتراث بعدد القتلى منهم، أو النظر إلى أن في كل بيت ساحلي هنالك فرد أو عدة أفراد قتلوا أثناء خدمتهم وفجعت عوائلهم.
خيارات التخلف عن الخدمة للأكثر نفوذاً ومالاً
لم تكن فكرة الاعتماد على المؤيدين في الخدمة العسكرية الأفضل بامتياز، فنظام الأسد المبني أساساً على الواسطات والمحسوبيات، لم يستطيع التقيد بهذه فكرة أو أي فكرة أخرى محددة ومنظمة دونما الشذوذ عنها.
وباكتشاف أصحاب النفوذ والمال من المؤيدين أن المعركة تودي بحياتهم بأبنائهم دون أي جدوى، خصوصاً وأن الدفاع عن نظام الأسد لما لا نهاية قد يعني انتهائهم.
قرروا أن أفضل طريقة للحؤول دون الاعتماد على أبنائهم في أرض المعركة كسبيل لبقاء الأسد هو ترحيلهم خارج البلد، إما بإكمال دراستهم، أو بجعلهم يدافعون عن النظام عبر بقايا سفاراته وبعثاته في الخارج. وبالتالي ضمان عدم موتهم المحتم في الصراع.
فيما قرر البعض من أصحاب النفوذ والمال المؤيدين الذهاب مع عائلاتهم وأبنائهم للعيش في الخارج والبدء بأعمال جديدة دون الاكتراث بما سيؤول اليه الوضع في بلدهم.
أما المؤيديون الأقل نفوذاً ومالاً اضطروا للبقاء ضمن مناطقهم والهروب من شبح الخدمة أو الاستسلام إلى استدعائهم للخدمة دون أي اعتراض.
إلا أن هذا التمييز قاد إلى الكثير من ردود الفعل المعارضة لاحقاً بين المؤيدين في الساحل خصوصاً، وظهرت حملات كثيرة تطالب بإلغاء هذا التمييز على مبدأ "أبناؤكم ليسوا أفضل من أبنائنا" ولكنها لم تلق آذان صاغية من قبل النظام.
الرحيل
يرى الكثير من الجامعيين المؤيدين للنظام أن زجهم في معركة النظام مع شعبه، لا تعني سوى خسارتهم لحياتهم, وبالتالي عدم الفائدة من كل شيء تعلموه، لذلك يعيشون اليوم شبح انتهاء دراستهم وسوقهم إلى خدمة الجيش حيث احتمالات الموت الكبيرة.
جعفر، ن 22 عاماً من جامعة دمشق يقول "أنا الآن في السنة الجامعية الاخيرة، وأفكر أن أدرس بعد انتهائي دبلوم حتى أكسب سنة إضافية ولا أذهب بالتالي إلى خدمة العسكرية، فمعظم أصدقائي من اللاذقية تمكن ذويهم من تأمين فرصة هجرة لهم إلى خارج البلد حتى لا يذهبوا لخدمة الجيش، فلماذا إذاً سأخدم أنا وأخسر حياتي." يتابع جعفر "إذا لم أتمكن من الحصول على مقعد في الدبلوم، سأحاول تأمين المال اللازم للسفر إلى الخارج، فالذي ترك البلد ليس أفضل مني."
فيما يقول علي، ع 23 عاماً من ريف طرطوس "لم يبق لي من دراستي في جامعة تشرين سوى عدة أشهر، أكون معها قد أتممت دراستي الجامعية وتخرجت، لذلك سأحاول تأمين فرصة عمل عن طريق أصدقائي في لبنان والرحيل." ويتسائل علي "إذا خدمت في الجيش ومتّ, من سيكترث بي؟ هل درست كل هذه السنوات حتى أذهب الى الموت بقدمي؟ أصلاً من الذين سأقوم بقتلهم خلال خدمتي؟"
ويحاول منصور 20 عاماً جامعي الإجابة "كل شيء تعلمته في الجامعة كان يتحدث عن اللاعنف، وعن الحلول السلمية وعن حقوق الشعوب، ولكنني لا أرى أن ما يحصل في سوريا يشابه الذي درسته لذلك أفضل الاستفادة من علمي بالذهاب إلى الخارج علّي أجد فرصة حياة من دون قتل ودماء."
التعليقات (4)