بعد سقوط (الفرقة)، لم يحاول النظام إنقاذ الجنود، أو إرسال طائراته لالتقاطهم بدلاً من تركهم بين يدي داعش، بل على العكس من ذلك، تجاهل النظام قصتهم تماماً، وتركهم دون ذخيرة أو تموين يذكر، بينما (ولسبب ما) سمحت داعش لعدد منهم بالوصول إلى (اللواء93).
ورغم تخليه عن جنوده فما زال، النظام، يدعوهم في وسائل إعلامه "أسود الفرقة 17".
الهروب مستحيل.. كيف هربوا؟
بعد السقوط (المدهش) للفرقة 17، كان السؤال الأول الذي تم طرحه ماذا عن جنود هذه الفرقة؟
انتشرت أخبار عن تمكن الكثير من جنود وضباط الفرقة مغادرتها والهرب منها، بينما قامت داعش بقتل بعض الأشخاص وقالت عنهم إنهم من جنود الفرقة، وكعادتها مثلت بالجثث ونشرت صورها ومقاطع الفيديو لها.
يقول الناشط الرقاوي ( أبو ابراهيم ) بأنه لا يمكن القبول بفرضية الهرب من الفرقة، فالفرقة محاصرة من قبل داعش، كما يوجد خندق عريض (عرضه 6 أمتار تقريباً) يحيط بمبانيها الرئيسية "لا يمكن لهم المغادرة بدون التنسيق مع داعش".
بحسب رواية مواقع تابعة للنظام عن الساعات الأخيرة من عمر الفرقة 17، فإن القيادة العسكرية للنظام اتخذت قراراً "بإخلاء" الفرقة "حفاظاً على أرواح جنودنا البواسل".
تؤكد (خرائط المنطقة) أن الفرقة محاطة تماماً بمناطق تخضع لسيطرة داعش، وأن حواجز داعش تملأ المكان، يخبرنا (أبو ابراهيم) أن المكان الأقرب الذي يمكن للعناصر اللجوء إليه هو اللواء 93، والذي يبعد عن الفرقة نحو 45 كم، ولا يمكن الوصول إليه إلا عبر المرور بعدة حواجز لداعش، التي تحاصر اللواء أيضاً!
وبسبب استحالة الوصول البري، يبقى احتمال الإخلاء الجوي، "تنفيذاً لأوامر القيادة" على الأقل، ومن جديد تم نفي وصول أي حوامة عسكرية للفرقة لنقل الجنود وإخراجهم.
إذاً كيف خرجوا من الفرقة؟ وبعد الخروج ماذا حل بهم؟
للبحث في إجابة عن السؤالين السابقين علينا أن نلاحظ أن النظام وإعلامه تجاهلا تماماً موضوع الفرقة، وبعد انتشار لموجة من السخط والاحتجاج على الصمت الرسمي والاعلامي، لا سيما بعد نشر داعش لصور الجثث ومقاطع فيديو للتمثيل بها، عاد النظام وبدأ بمحاولة تنفيس الحقن وتقديم حبوب مهدأة للناس.
حيث قامت قناة سما وصفحة دمشق الآن وعدد من صفحات (فيس بوك) التابعة للمخابرات، بالترويج لإشاعات عن تمكن الجيش السوري من استعادة الفرقة (شاهد الفيديو هنا) وأن عناصر الفرقة لم ينسحبوا منها بل أعدوا كميناً، مرة أخرى يكذب النظام ويتجاهل الحديث عن الجنود والضباط.
بعد هذه الحملة الاعلامية الفاشلة جرّب النظام شيئاً آخر، فقام بنشر أسماء 97 ضابطا وجنديا من عناصر الفرقة، زعم بأنهم مازالوا أحياء وأنهم تمكنوا من الوصول إلى اللواء 93، وتم تسريب هذه الأسماء بشكل تدريجي وبطريقة غير رسمية عن طريق مراسل تلفزيون المنار وبعض صفحات الفيس بوك.
ما أراده النظام إجابةً وتهدئة لموجة احتجاج مواليه، عاد عليه بفضائح وإشارات استفهام جديدة، ويستنتج ناشطون من أبناء المنطقة أن "داعش استاءت من طريقة تسريب الأسماء، حيث أن ذلك وضعها في خانة المساءلة وأضعف روايتها، فعمدت إلى تكثيف حملاتها للبحث عن الجنود الهاربين وقتلهم حيث تجدهم".
من جهة أخرى، فإن نشر 97 اسما وعدم ذكر أي شيء عن مصير مئات العناصر الآخرين، دفع بأسرهم وذويهم للتساؤل عن مصيرهم، وبدؤوا برحلة البحث الحزينة عن أبنائهم في حسابات داعش على (تويتر) بين صور الجثث والرؤوس المقطوعة.
يقول (أبو ابراهيم): "لا يمكن أن تجد أي تفسير لإمكانية الانسحاب واختفاء العناصر إلا عبر القبول بفرضية الاتفاق بين داعش والنظام على فتح ثغرة للمغادرة"، ليبقى الغموض يلف بالقضية، ليس فقط بطريقة الانسحاب، بل بكيفية الوصول إلى اللواء93، ولماذا وصل هذا العدد فقط ولم يصل البقية طالما أن هناك اتفاقاً ما؟ وماذا حل بالبقية؟
ينقل الشاب ( خ م ) عن صديقه الضابط في الفرقة "أن عدداً من الضباط ومجموعة معهم ينفصلون عنهم في كل شيء، وأنه يعتقد بأن الفرقة تم تسليمها".
بالعودة للقوائم المنشورة على صفحات النظام، فإنها تتحدث عن 97 عنصراً تمكنوا من عبور 45 كم بين حواجز داعش وعناصرها للوصول إلى اللواء خلال أقل من 72 ساعة، وهذا يعني، بحسب محللين، أن وصولهم تم بالاتفاق مع داعش بدون شك.. حيث لا يمكن لـ 97 رجلاً التسلل هكذا والوصول سيراً على الأقدام بهذه السرعة القياسية.
عناصر النظام طرائد لداعش
يقول أبو ابراهيم إنهم عناصر الفرقة 17 تحولوا إلى طرائد، وأن "عناصر داعش يلاحقونهم ويقتلونهم فور إلقاء القبض عليهم، كما عممت داعش أن كل من يساعدهم سيتم قتله والتمثيل بجثته، وقد قتل الكثير منهم في منطقتي (أبو شارب) و(حزيمة)، وتم قتل 25 عنصراً بين الحقول الزراعية غرب مزرعة الوحدة(الحكومية) بريف الرقة الشمالي، وقام أهالي المنطقة بدفنهم بمقبرة جماعية في مكان مقتلهم في وادي (أبو حنوة)، وكان هناك حوالي 15 عنصراَ محاصرين في سجن الرقة المركزي، وداهم عناصر (داعش)المكان وعلى الأغلب أيضاً قتلوا".
منذ أن باشرت داعش هجماتها على الفرقة 17 لاحظ الكثيرون أن ردة فعل النظام كانت شبه معدومة، ففي الحالات المشابهة، يقوم باستخدام سلاحه الجوي لضرب المهاجمين وإفشالهم أو عرقلتهم وإضعاف هجومهم على الأقل، بينما نرى في الرقة أنه في صباح الهجوم قامت طائراته بقصف محيط الفرقة بدون أن تؤثر على فعالية الهجوم، أو أن تقترب حتى من عناصر داعش، كما أن صواريخ (سكود) التي أطلقها، انفجر واحد منها قرب عناصر الفرقة موقعاً إصابات بينهم، بينما باقي الصواريخ الثمانية فقد سقطت في أماكن خالية.
سرد زمني:
23 تموز ليلاً: عناصر داعش تقوم بالهجوم على الفرقة 17 بعد تفجير سيارتين مفخختين فيها.
24 تموز صباحاً:
النظام يشن اكثر من 12 غارة جوية على مدينة الرقة مستهدفاً المدنيين، هدوء على جبهة الفرقة 17 .24 تموز ليلاً: استنفار لعناصر داعش في الرقة واعلان حظر تجول، تفريغ الأحياء الشمالية من المدينة بدعوى الخشية من جنود الفرقة.
24 تموز منتصف الليل تقريباً: داعش تبدأ هجوماً جديداً على الفرقة ... جوامع الرقة تطلق التكبيرات، وتعلن سقوط الفرقة 17 بعد أقل من ساعة على إعلان داعش الهجوم ( 45 دقيقة بحسب الناشط أبو ابراهيم الرقاوي، ما بين انطلاق المواجهات وإعلان السيطرة، وتوقف أصوات الاشتباكات).
بعد إعلان الاستيلاء على الفرقة: ( ما زلنا في نفس ليلة سقوط الفرقة ) قامت داعش من لحظة الإعلان عن سقوط الفرقة 17 بتشديد حواجزها في المنطقة الشمالية في المدينة، التي كانت قد أفرغتها من أهلها كما ذكرنا.
كما استمر حظر التجول حتى الصباح، وكانت حجة داعش الخوف من جنود الفرقة الهاربين... وهكذا أعلنت داعش بدء عملية ملاحقة الهاربين من عناصر الفرقة.
ومع صباح اليوم التالي 25 تموز، شن عناصر داعش حملات بحث وتفتيش في المدينة وريفها، وبدأت بقتل مجندي الفرقة الذين تستطيع القبض عليهم والتمثيل بجثثهم، عبر قطع الرؤوس وتمزيق الأطراف ومن ثم نشر الصور ومقاطع الفيديو.
أعلنت داعش كذلك أن كل من يساعد الهاربين أو يؤويهم في بيته سيتم قتله والتمثيل بجثته، يقول (م خ) من أهالي الرقة: كان عناصر داعش وكأنهم ذاهبين إلى "حفلة صيد".
التعليقات (11)