قبل جدار برلين كان العالم يعيش ما يمكننا تسميته نظام دولي ثنائي القطبية. كنت تجد في أب بلد في العالم، قوى موالية لهذا القطب وقوى موالية للقطب الآخر. كانت مؤسسات الجيش فيما يسمى آنذاك بالعالم الثالث، تحدد مصير بلدانها، ولا تزال في بلداننا الشرق اوسطية. هذه المؤسسة كقوة اكراه وحيدة من المفترض أن تحمي الدولة من اعدائها، كانت ولاتزال مهمتها الاساسية حماية السلطات الفاشية والديكتاتورية من شعوبها. هنالك معادلة بسيطة، في سلطة الدولة المتداولة يكون الجيش قوة حيادية وخارج اطار العملية السياسية. لكن في سلطة الدولة غير المتداولة تتحول مؤسسة الجيش، إلى أداة بيد الديكتاتور. لهذا اول عمل يقوم به أي ديكتاتور يصل إلى السلطة، هو أعادة صياغة مؤسسة الجيش وفقا لمايريده هو كشخص، لهذا يؤسسها على أساس من اللاحيادية. الجيش عندما يقف خلف ديكتاتور، لايصبح مهما في ميزان القوة والاكراه، البحث عن الاسباب، إلا من زاوية قراءة لأفق هذه المؤسسة. لدينا اربع تجارب تمكننا من الحديث عن هذا الموضوع.
التجربة المصرية: استطاعت أمريكا ومعها موقف حاقن للدماء في المرتبة الثانية من قبل الرئيس حسني مبارك، ولأنه أدرك أمريكيا ومصريا- ميدان التحرير وتظاهراته واعتصاماته- أنه خاسر للمعركة فسلم السلطة مترددا، رغم محاولة ابنه جمال استخدام العنف ضد المتظاهرين عندما انزل بلطجيته على الجمال لقتل الناس. المفارقة هنا أن مؤسسة الجيش المصرية كانت الطرف الذي عقد معه اتفاق حول نقل السلطة لمجلس عسكري من جهة، ولعودة الشرعية القانونية للاخوان المسلمين كحزب مرخص له. فما كانت الثورة المصرية بحاجة إلى المطالبة بالتدخل الدولي، وليس مجال بحثنا الآن حول علاقة أمريكا بمصر وبمؤسستها العسكرية. وكذلك يمكننا الحديث عن التجربة التونسية التي سبقت التجربة المصرية ولم تكن بعيد عن السيناريو المصري. حيث اسس انسحاب بن علي من السلطة وهربه إلى السعودية، أن أمريكا قادرة على تغيير الوجوده فيما لو أرادت!! أما الوضع في ليبيا فإن القذافي الذي تمسك بالحل الامني حتى لو قتل كل الليبيين، ولأن ليبيا تحتوي ثروة نفطية هائلة، واجهه بعد تحرر بنغازي وجملة الانشقاقات في مؤسساته، واجهه تدخل دولي اسقطه سريعا. لكن الكتلة الصلدة بالجيش، بقيت تقاتل لكنها كتلة ما كان يمكن لها ان تخمد الثورة الليبية.
انطلقت الثورة السورية، دون الدخول في تفاصيل كثيرة، واجه الجيش الشعب بالقتل والتدمير منذ اللحظة الأولى لانطلاقها- قصف درعا وقتل المتظاهرين السلميين فيها- منذ الايام الأولى. وفقا لقراءة بمعزل عن صحتها من عدمه لدور الجيش الاسدي وتكوينه، وعوامل أخرى كان يجب المطالبة بالتدخل الدولي. هذا الجيش قد تحول بعد عقود خمسة تقريبا من حكم العائلة الاسدية، من جيش وطني إلى جيش يدار بعقلية تطييفية. فتشكل جيشا كتلته المقررة من طائفة معينة في سورية. ولديه كتلة صلدة من كافة الرتب العسكرية يتجاوز تعدادها ال150ألف عسكري تنتمي لنفس الطائفة. هذا الجيش الذي بدا واضحا منذ احداث حماة1980 أنه يرى نهب منازل السوريين، وقتلهم أمرا عاديا لأنهم اعداء لنظام يمثل طائفتهم ومصالحهم.هكذا تم تدريب هذا الجيش.
وهذه القراءة هي التي تم التأسيس عليها لطلب التدخل الدولي لحماية المدنيين، والذي لم توافق عليه جموع المعارضة السورية إلا بعد أن فات الأوان. لايوجد موال أو معارض في سورية يختلف على تركيبة الجيش الاسدي. أنه جيش تم أعادة تشكيله بناء على معطى تطييفي منذ ان تسلم الاسد الاب وزراة الدفاع بعد انقلاب شباط 1966 وليس أدل على ذلك لو راجعنا كوكبة الضباط التي وقفت مع الاسد هي ووحداتها العسكرية بانقلابه 1970. حتى أن أخيه رفعت الاسد كان قد تسلم قبلها ما كان يعرف بسرية الدفاع عن العاصمة، تحضيرا لهذا الانقلاب والتي طورها طائفيا لتصبح سرايا الدفاع وما أدراك ما سرايا الدفاع، وصورتها في سورية. لهذا تجد الناشطيين الطائفيين يرفعون البسطار شعارا.
وهذا لايقتصر بالطبع على الناشطين الطائفيين فقط بل على ثقافة، تتعلق بدور الجيش في حياة البلد. وانه بدون تدخل دولي هذا الجيش هو من يقرر مصير البلد. لهذا هيئة التنسيق المعارضة تماما كالنظام، رفعت شعارا منذ بدء الثورة لا للتدخل الدولي لحماية المدنيين، ووافقتها معارضة- قادة المجلس الوطني وبعدها الائتلاف عندما تشكل- لاعتقاد هذه المعارضة ان النظام سيسقط بدون تدخل دولي. وهي لم ترفع هذا الشعار إلا لمعرفتها أن الجيش الاسدي لن ينقسم، ولن يسقط النظام إلا بتدخل أمريكي. اضافة أن بشار الاسد صرح في أكثر من مقابلة أنه مطمئن لعدم وجود تدخل أمريكي. خضوعه السريع وتسليمه للكيماوي تحسبا من ضربة أمريكية، كلها مؤشرات لا تقبل الشك، انه يعتمد هو ومن هم على شاكلته من المعارضة على جيش طائفي مدعوم إيرانيا وروسيا، ويمتلك كافة الاسلحة والتي استخدمها بحق الشعب السوري، بما فيها السلاح الكيماوي، وكان قد راكمها على حساب هذا الشعب لمدة تتجاوز الاربعة عقود. يحضرني مثالا طريفا" لماذا تم وضع تمثال للبسطار العسكري في مدينة اللاذقية فقط؟" وشارك مسؤولي النظام بهذا الاحتفال الذي يشكل عارا حقيقيا".
ملاحظة أخرى رغم ان اعداد المنشقين عن الجيش ضباطا وصف ضباط وعسكر يتجاوز الـ 100ألف مع ذلك لم يؤثر هذا على بينية الجيش وسلوكه المدمر والاجرامي. طلب التدخل الدولي في ظل النظام الامريكي الدولي هذا وفي سورية، كان من أجل حماية المدنيين من بطش هذا الجيش واجرامه، ومن الدخول في فوضى. النظام الدولي الامريكي هو النظام الذي انتقل خطوة اضافية بعد انتصاره بالحرب الباردة وهي قدرة أمريكا على أن تكون طرفا مؤثرا داخليا في أكثرية دول العالم، وخاصة الدول المحيطة بإسرائيل. علما أن أي تدخل دولي بزعامة أمريكا ما كان يمكن له أن يدمر البلد ويقتل شعبها بهذه الطريقة التي قام بها جيش الاسد. اضافة لنقطة أخرى اثارت جدلا في صفوف المعارضين وهي نقطة السلمية والعسكرة في الثورة. هذا جدل زائف ومنافق. لأن المجادلين جميعا يدركون أن الخطر على سقوط الاسد هو تدخل دولي.
بالسلمية سيقتل ويدمر ويعيد صياغة البلد اجراميا من جديد وبالعسكرة أيضا. والنقاش ليس هنا. كان للذي يريد ان يرى ماذا تعني أمريكا، كان أمامه تجربة الانتقال في مصر وتونس وليبيا. لكنهم لا يريدون قراءة هذا المعنى لأنهم لايريدون سقوط النظام بالمؤدى الأخير. رعاية امريكا لانتقال السلطة في مصر وتونس وليبيا، لاتحتاج لجهد بل تحتاج لوقفة ضمير. لماذا وقفة ضمير؟ لأنهم ارادوا ترك شعبنا لهذا الجيش الاسدي الذي يستمر في القتل، حيث لايزال هؤلاء يسمونه حتى اللحظة" الجيش السوري" فأي ملمح سوري يحمله هذا الجيش؟ إذا كانت أمريكا جادة بتغيير النظام الاسدي فهي قادرة على ذلك. ولديها من الوسائل الكثير وحتى دون تدخل بري من قواتها. لكنها أمريكا رابحة من وراء استمرار هذه الجريمة الاسدية في سورية. ستخرج كل الاطراف خاسرة من هذه الجريمة إلا أمريكا. الروس ربحوا مالا من وراء دعمهم لهذه الطغمة. ومادام المال يأتي سوف يستمرون في دعمها. على أمريكا أن تتحمل مسؤوليتها الآخلاقية لأنها تقود النظام الدولي الذي طبع باسمها الآن.
التعليقات (3)