وجاء في الرسالة التي نشرت على موقع "نامه شام" المساند للثورة السورية: "من الغريب حقاً أن المعارضة السورية، بعد ثلاث سنوات كاملة، لم تبذل أي جهد أو محاولة للتحدث إلى عامّة الإيرانيين... ونظراً لمدى وحجم دور الحكومة الإيرانية في الحرب المستمرة في سوريا، نجد هذه “السقطة” غريبة بالفعل – وهو أقل ما يمكن أن يُقال فيها. النتيجة أن معظم الإيرانيين لا يكادون يعرفون شيئاً عما يحدث فعلاً داخل سوريا.
أولئك الذين يعرفون الشيء القليل، يستقون “أخبارهم” في الغالب من وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية – أي أنهم لا يسمعون ويقرؤون سوى دعاية النظامين السوري والإيراني. فكيف تتوقعون من الإيرانيين، والحال هذه، أن يتعاطفوا مع قضيتكم ويناصروها"!
وفي مكان آخر قال الناشطون الإيرانيون: "استراتيجياً، تبدو فصائل المعارضة السورية الرئيسية مشغولة أكثر من اللازم بالسياسة على مستوى الدول ولا تعير اهتماماً كافياً لأهمية تعبئة الرأي العام وكسب دعم القواعد الشعبية في أنحاء العالم. وهي مفارقة ملفتة بالنسبة لثورة شعبية كالثورة السورية (...) مقصدنا أن الثورة السورية لا تزال ثورة شعبية، كما تؤكدون أنتم أنفسكم، وليست مجرد “أزمة دبلوماسية“."
رسالة الناشطين الإيرانيين، تكشف تقصيراً هائلاً لدى الهيئات المعارضة في مخاطبة الشعب الإيراني، الخاضع لحكم النظام الأكثر دعماً للنظام السوري، وهي تستحق أن يتوقف السوريون عندها كثيراً. فهي ليست رسالة ممن يتهمون بأنهم يتلقطون أخطاء الائتلاف أو الحكومة المؤقتة، حين يشيرون إلى الخلل الكبير، والعجز الأكبر في التركيبة وفي آليات العمل، بل هي رسالة من معارضين لنظام الحكم الإيراني ينبهون، ويطالبون بممارسة فعالية أكبر صوب شعب مؤثر في القضية السورية.
وإذا قررنا أن نرى الأمر من خلال دائرة أوسع، فإننا نتساءل؛ وهل نجحت فصائل المعارضة بمخاطبة الرأي العام العالمي الذي تركز جهودها كلها على التواصل الدبلوماسي مع حكوماته؟ والمقصود هنا الرأي العام الأوروبي والأمريكي؟
الإجابة واضحة، ولا تحتاج للكثير من البحث، فسوى بعض الحملات التي يقوم بها ناشطون سوريون، يتوزعون على بلدان هاتين القارتين، لا يوجد حراك مدروس وممنهج يتوجه إلى الرأي العام، ولا يوجد أيضاً نشاط ملموس للمعارضة في المجالات الإعلامية الغربية، يجعل من قضية الثورة السورية، حاضرةً كمادة للتفكير المحرض على القيام بفعالية تدفع الدول الغربية نحو اتخاذ قرارات تخفف أو تنهي المأساة السورية بشكل كامل. وقد انعكس هذا الأمر على رؤية عموم المواطنين الأوروبيين والأمريكيين للثورة السورية، فهي لا تعدو بالنسبة لهم سوى "ثورة إرهابية يقودها تنظيم القاعدة.
وإذا قارنا حجم اشتغال المعارضة السورية على كسب الرأي العام لصالحها، بحجم ما فعله النظام، نرى كيف يبدو نشاط الأولى بسيطاً و غير مؤثر، بالقياس مع كسب النظام للكثير من وسائل الإعلام الغربية، إن كان عبر شراء الإعلاميين، أو عبر إقناع جهات سياسية مؤثرة (يسارية بنسبة كبيرة) بروايته لما يجري على الأرض، أو عبر تصديره ما تفعله بعض الفصائل المتطرفة المرفوضة من قبل الثوار أنفسهم على أنه الوجه الحقيقي للثورة، بالإضافة إلى استغلال شبكة علاقات مافيوية هائلة تم تكريسها عبر عشرات السنين، من التحالفات الغريبة والتي تشمل جميع القوى المحتملة من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار، ولتوضيح الهوة الحاصلة بين كلا النشاطين نجد أنفسنا مضطرين لمراجعة مقالتين نشرتا في أوقات متباعدة، تكشفان حجم اشتغال النظام السوري على كسب مؤيدين له في الغرب.
ففي المقالة الأولى التي حملت عنوان "بلهاء الأسد المفيدون" ونشرت في أيلول 2012 في "The Global Mail" يفضح الكاتب جيس هيل Jess Hill، البروباغندا الداعمة للأسد التي اشتغل عليها كتاب يساريون عالميون، فعبر "استخدامهم لتكتيكات تتنوع من كونها علنية إلى أخرى سرية، يعمد هؤلاء الإيديولوجيون إلى تحريف الرواية الحقيقية حول سوريا، بهدف التغلب على “الغرب الإمبريالي، وفي سياق هذه العملية، يقوم هؤلاء بتوفير الأعذار والغطاء الفكري لنظام الأسد."
هذه المقالة التي نقلها إلى العربية موقع "المترجمون السوريون الأحرار"، تلتقي من جهة مقابلة مع مقالة أخرى حملت عنوان " قراءة في الموجة الجديدة لليمين المتطرف في أوروبا وأسباب دعمه للنظام في سوريا" نشرها الكاتب هشام الأشقر في موقع "المنشور" التابع للمنتدى الاشتراكي، وفيها يوضح الكاتب، كيف أمكن لليمين المتطرف في أوروبا أن يذهب عميقاً في دعمه لنظام الأسد، ويحدد سبب هذا الدعم بالقول: "السبب الرئيسي يكمن في أن التقاطع بين الأيدولوجيا المعتمدة من هذا اليمين وبين ما يمثله النظام السوري حصلت في هذه اللحظة التاريخية. بالنسبة لهذا اليمين، (...) وإن كان يعلم هذا اليمين أن هذا الدعم لا يمكن استثماره داخلياً، بسبب سوء سمعة وبطش النظام السوري، فإن تطور الأحداث في سوريا يمكّنه من استغلال الرأي العام الأوروبي من خلال التعاطف مع حال المسيحيين في المشرق مثلاً، أو من خلال موضوع المجاهدين الأوروبيين في سوريا. لكن هذا الدعم لم يكن لأسباب سياسية فقط، فقد رأينا أن بعض هذا اليمين المتطرف لديه مصالح مالية واقتصادية في سوريا".
وبالعودة إلى رسالة الناشطين الإيرانيين إلى المعارضين السوريين، فإن السؤال الذي يجب على هؤلاء عدم تجاهله، إنما هو وبدائرة أوسع: لماذا تفشلون في مخاطبة الآخرين؟
البعض ممن يرون فشلاً ذريعاً في سياق عمل هذه الهيئات، سيقول لنا: إنهم يفشلون في مخاطبة ابناء بلدهم، فكيف سينجحون في مخاطبة الأخرين، والبعض الأخر سيحدد موضع الخلل ليقول إنه يكمن في سوء التواصل بين قيادة الائتلاف وبين سفاراته، حيث تشتكي بعض هذه السفارات من عدم وجود خطة واضحة في التعامل مع شعوب البلدان التي يفترض أن تخاطبها، وأيضاً عدم وجود توجيه سياسي لها.
وإلى أن يأتي دور الشعوب الأخرى خارج أوروبا وأمريكا الشمالية، يبدو أن الثورة السورية ستبقى في موقع الخاسر معنوياً، حتى حدوث إصلاح - بات ضرورياً وبشكل غير قابل للنقاش- جذري لآليات تعاطي المعارضة السورية، مع الشعوب الأخرى.
التعليقات (6)