شباب سوريون ولدوا في المنافي: الثورة رسمت حلم العودة!

شباب سوريون ولدوا في المنافي: الثورة رسمت حلم العودة!
في الأردن، في الخليج، في أوروبا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تجدهم، جيل كامل من الشباب السوري، مواليدهم على بطاقات هوياتهم، تشير إلى أنهم قد قدموا إلى الحياة بعد عام 1982، أي بعد مأساة مدينة حماة السورية، ولكن هؤلاء الشباب الذين لا توجد أي إحصائية لعددهم، لا يعرفون وطنهم، سوى عبر الاسم والصورة والأخبار، وقبل كل هذا أحاديث أهلهم عن ذلك البلد الذي هربوا منه بعد أن اجتاحت قوات الأسد الأب مدينة حماة في شتاء ذلك العام..

ظروف الثورة في سوريا، ووجود مئات الآلاف من السوريين النازحين، دفع بهؤلاء لأن يظهروا أمام السوريين الآخرين، فهم يقومون بإدارة الكثير من الجمعيات والمؤسسات التي تقوم بإغاثة السوريين.

الحديث مع عدد من هؤلاء الشباب، يوضح أن أغلبهم يميلون فكرياً نحو التيار الإسلامي المعتدل، وحين تسألهم عن كانوا ينتمون إلى حركة (الإخوان المسلمين)، ينكر معظمهم أنهم في علاقة تنظيمية مع الحركة التي ماتزال محظورة في سوريا، ويعاقب المنتسب لها بعقوبة الإعدام..، لا بل إن البعض يهاجم الحركة وكأنه يحاول الخروج من دائرة التوصيف الجماعي، ولكنهم ورغم الإنكار سرعان ما يعودون ضمن الحديث ليذكروا أن أباءهم كانوا من "الإخوان"، ولكنهم لم يكونوا كلهم ممن حملوا السلاح ضمن تنظيم (الطليعة المقاتلة)!

 حمزة: لا رجوع إلى الأسد!

المستوى التعليمي لأغلب هؤلاء يوضح أنهم قد تحصنوا جيداً من الناحية المهنية، فهم يعدون أنفسهم للعودة إلى وطنهم، وبعيداً عن التفاصيل اليومية، يخطر في الذهن أن نسألهم عن صورة وطنهم كما يظنونها، بعيداً عن الإعلام الثوري، وبعيداً عن إعلام النظام..، ولكنهم وبشكل شبه عام يذهبون مباشرةً إلى بؤرة الثورة، حتى وإن حاولوا المسايرة، يقول حمزة وهو شاب سوري ولد خارج وطنه، ويبلغ من العمر 25 سنة: "لطالما حلمت ببلدي حماه وأنا الذي ولدت في غربة، لا اعرف جدي ولا جدتي ولا خالي او خالتي والسبب بذلك اجرام أل الأسد في حماه 1982، كنا نجلس مع الاهل ونسألهم دوما ما الذي حدث في حماه ولماذا خرجتم منها؟ والفاجعة 45 الف شهيد ودمار وحصار في 20 يوما فقط، عندها وعندما نشأت وتربيت في الغربة لم أفكر يوما بالرجوع إلا بلدي والذي سار فيه الظلم والاجرام، كيف لي أن أعيش في وطن سرق مني أحلامي الصغيرة وطفولتي البريئة كل ذلك دار في مخيلتي، والآن أقول لا رجوع إلى الأسد أو البعث"

 سمر: لا أملك سلطة المسامحة!

أما سمر التي ولدت كحمزة في المنفى، فهي ورغم تشابه الظروف بينها وبينه، إلا أنها تبدو أقل حدة في حديثها عن سوريا الماضي، وكأنها قد تصالحت مع التجربة التي تعرض لها أهلها، ولكنها تطرح زاويةً مهمة ترى أنها قد رسمت شكل العلاقة بينها وبين وطنها، فتقول: " لا أملك سلطة المسامحة، فأهلي هم من تعرض للتهجير من جسر الشغور في إدلب، ولكنني لا أستطيع أن أنسى هذه السنوات الطويلة من الغربة، فالنظام ورغم أنه قد حاول مرة منحنا وثائق السفر، إلا أن هذه الوثائق لم تفدنا سوى بوضع اسمائنا على سجلاته، ولم نستطع زيارة البلد لمعرفتنا أن أجهزته ستقوم باعتقالنا أو استدعائنا، ولهذا أشعر بالغصة كلما كنت ألتقي بمن يذهب ويعود إلى البلد من الاشخاص العاديين، كيف أمكن لهذا النظام أن يحرمني من وطني كل هذه السنوات دون أن يشعر أفراده بنا، بالنسبة لي هذه جريمة لا تقل تأثيراً أو فعلاً عما فعله بالناس طيلة العقود السابقة"..!

 كيف استفاق الحنين إلى الوطن؟!

صورة الثورة لا تغيب عن الحديث مع هؤلاء الشباب، فهم ورغم كونهم لا يتفقون على الكثير من تفاصيلها، إلا أنهم يشعرون بأن موعد عودتهم قد اقترب بسبب الثورة، وليس لأي سبب أخر، وهنا يقول حمزة: "عندما انطلق الربيع العربي في تونس كم أردت أن أرى هذه الثورة في سوريا وزادني شوقا للتحرر من العبودية ميدان التحرير في مصر والتخلص من طاغيتها، عند الشرارة الاولى في درعا أحسست بالحنين الى الوطن وددت أن اكون بينهم لأصرخ بوجه النظام السوري: أنا اريد الحرية، كحال ملايين المظلومين من الشعب السوري، وبعد هذا أحببت بلدي أكثر فاكثر وزاد تعلقي بها، بل وتعرفت على الكثير ممن كانوا بالداخل وأصبحوا أصدقاء لي، عندها حلمت ببلد يسوده العدل والمساواة، بلد لكل السوريين من كافة الأطياف والأعراق، تجمعهم كلمة سوري، أحلم ببلد عصري كما كان في التاريخ، بلد الحضارات والحرية."

وبينما لا تبتعد سمر كثيراً في رؤيتها للثورة عما تحدث به حمزة، إلا أنها تؤكد على أن سوريا المستقبل لن تكون ساحة قتال للمتطرفين: " أنا أفكر بالمرحلة التي ستلي سقوط النظام، وأتخيل كيف سيكون الوضع، هل سيكون هناك انتقام؟ هل سيحدث تقسيم؟ الجميع يفكر بهذا، ولكنني ومن خلال الفترة الماضية تعرفت على الكثيرين من كافة فئات الطيف السوري، بين الثوار وبين الذين خرجوا هرباً من النظام، ولم أشعر أنهم يريدون سوى الحياة الكريمة والحرية، وأظن أن وجود هذين الأمرين في المستقبل سيعيدنا لأن نكون وطناً واحداً..، وعليه فإنني لا أخاف من المستقبل، وربما أؤكد أن هذه الصورة القاتمة هي من فعل النظام وإعلامه.."..

أفكار حمزة وسمر، ربما تصلح لأن تعبر عما يفكر به الكثيرون من الشباب السوري الذي لم يعرف وطنه إلا عبر الصورة والانتماء، ورغم أن البعض مازال يعبر بشكل متطرف عن أفكاره، بسبب فداحة ما يحدث في سوريا من مآسي ومجازر، إلا أن خطابهم المتطرف سرعان ما يتلاشى حين يتم تذكيرهم بتاريخ سوريا التعددي، والحياة التي عاشها السوريون معاً طيلة مئات السنين..

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات