دمشق العثمانية: شام شريف
في عهد العثمانيين كانت تسمى (شام شريف) وكان ينطلق منها محمل الحج الشامي الذي يجمع حجاج بلاد الشام وتركيا وأوروبا وأواسط آسيا... وكانت أهمية دمشق أنها تمثل آخر مركز مديني حضاري على حدود الصحراء... ولهذا كان ينطلق محمل الحج الشامي منها محملا بكل الصناعات التي يحتاجها موسم الحج... فالشموع والزيوت التي تضاء بها مكة المكرمة كانت تأتي من كفرسوسة، وماء الورد الذي كانت تغسل به الكعبة كان يأتي من بساتين المزة.
تعامل العثمانيون مع دمشق باعتبارها حاضنة ثقافية وتجارية واقتصادية... ورأوا فيها تعبيراً حياً عن ثقافة بلاد الشام المسكونة بالحيوية الاجتماعية، رغم تقاليد الحكم العثماني التي كانت تميل إلى الجمود والانغلاق. وخلال قرون، تركوا فيها من الآثار ما لا يمكن محوه: فالتكية السليمانية والسليمية، وجامع محيي الدين بن عربي، ومجموعة المهندس سنان باشا المعمارية، ومجموعة درويش باشا، وقصر العظم، وخان أسعد باشا، وسوق الحميدية ومحطة الحجاز وحتى ساحتها الشهيرة المرجة – بعامودها الذي يرمز لدخول خدمة البرق والهاتف دشق مطلع القرن العشرين- أنشأت في العهد العثماني، وكذا: معهد الحقوق العربي (وزارة السياحة)، وسراي الحكومة (وزارة الداخلية) وبناء العابد في المرجة... وأحياء مثل المهاجرين وشارع ناظم باشا كلها أنشأت في العهد العثماني، وحين خرج العثمانيون في أكتوبر من عام 1918 تركوا لدمشق كل ما بنوه، مزهوا بألقه وذكراه.
دمشق تحت الانتداب: قلب سورية ودماغها.
وفي عهد الانتداب الفرنسي كانت دمشق معقلاً من معاقل الثوار الذين اتخذوا من بساتين غوطتها داراً لهم، وعندما زار الصحفي الفرنسي بيير لامازيير سورية عام 1927 صنف دمشق بين أكثر المدن شغباً وثورة ضد الانتداب... لكنه كتب يقول عن رمزية دمشق في الوجدان السوري: (إنها قلب سورية ودماغها) ثم أضاف بعد أن طاف أرجاء سورية:
(إن الوجهة يجب أن تكون إلى دمشق إذا ما أريد حقاً التعمق في الروح السورية ومتابعة خفقاتها).
استمرت دمشق تخوض معركة الاستقلال وقصفت أحياؤها بالمدفعية (حي سيدي عامود 1925 الذي أصبح اسمه الحريقة) وأحرق البرلمان (1945) فيها قبل أن تظفر سورية بالنصر... حتى إذا ما ارتفعت راية العلم الوطني بعد جلاء الانتداب... كانت دمشق مركز الحراك الوطني السوري بأحزابه وصحافته ونخبه التي أتت من المحافظات المختلفة لتساهم في صنع مجد دمشق الوطني والريادي.
دمشق الخمسينيات: الحراك الذهبي!
لم تكن الانقلابات العسكرية التي كانت دمشق مسرحها والتي بدأها حسني الزعيم عام (1949) وتتالت بعدها بوتيرة متسارعة هي كل ما في الشام. ففي قلب هذه التباينات العسكرية كان الدمشقيون مشغولون بحراكهم الاجتماعي والاقتصادي وصناعاتهم الوطنية وحماية مرافق مدينتهم التي أسسوها بجهود أهلية حتى وهم تحت الانتداب (مشروع جر مياه عين الفيجة لدمشق الذي انتزعوه قانونيا من سلطات الانتداب 1922/ معمل الجوخ السوري 1929/ مصنع الأسمنت 1930/ شركة الكونسرة الوطنية 1932/ الشركة الخماسية 1944) وكانت دمشق في السياسة ساحة مفتوحة لكل أبناء المحافظات من النخب البارزة، إلى جانب البرجوازية الدمشقية العريقة التي تميل إلى اليمين، لكنها لا تغلق أبواب المصلحة مع قوى اليسار بالمفهوم الاقتصادي وإن تناقضت معه أيديولجيا (الشيوعي الأحمر خالد العظم مثالا).
تحولت دمشق في خمسينيات القرن العشرين إلى شعلة متقدة في مجالات الاقتصاد والصناعة والسياسة والتجربة البرلمانية والصحافة الحرة... كانت دمشق تزهو بصحافتها، وكانت لها مدرسة عريقة ألهمت الصحافة اللبنانية والعربية فيما بعد الكثير من معالم التطور والتميز.
حتى إذا ما كان عهد الوحدة بين مصر وسورية، خفت بريق أقدم مدينة في التاريخ. قضي على البرلمان الحر، وألغيت الأحزاب، وأدخل مصطلح التأميم ليلتهم جهود بناة حقيقيين، وينهي مجد طبقة برجوازية أثرت بتعبها وموروثها لا بسلطاتها وفسادها، وامتزج هذا الشعور مع حالة التهميش التي عاشتها عاصمة الإقليم الشمالي، لصالح القاهرة... لكن الدمشقيين كانوا على استعداد لأن ينتفضوا كي يعيدوا كفة الميزان إلى الوضع الطبيعي، حتى لو اقتضى الأمر القيام بحركة عسكرية تنهي تجربة الوحدة التي طالما آمن السوريون بها... إلا أن هذه الحركة العسكرية لم تكن منفصلة بحال من الأحوال عن شعور عام، رأى عاصمة الأمويين تهمش ويسرق منها ألقها تحت شعارات القومية المراوغة.
ويذكر منصور الرحباني في مذكراته أن فيروز عندما وصلت في أغنيتها (سائليني يا شآم) في إحدى حفلاتها بدمشق إلى البيت التي تقول فيه: (أمويون فإن ضقت بهم ألحقوا الدنيا ببستان هشام) هبت عاصفة غير عادية من التصفيق فالتفت فيلمون وهبي إلى منصور الرحباني في الكواليس قائلاً: (بدو يصير انقلاب بالشام) وبعد فترة بالفعل حصل انقلاب وانتهت الوحدة بين البلدين. وقد روى لنا أحد الضباط فيما بعد – والكلام مازال لمنصور الرحباني- أن الضابط الكبير الذي قام بالانقلاب كان يجتمع برفاقه ويسمعون "سائليني" فتشحن نفوسهم بحب سورية مستقلة عن مصر حتى كان الانقلاب).
دمشق البعث: تشويه وترييف!
في عهد البعث تعرضت دمشق لحملة شرسة في مختلف المجالات، ترسخت فيما بعد في ظل حكم حافظ الأسد الأب... فقد أريد للمدينة العريقة أن تصبح مسرحاً لهجرة ريفية، غلبت قيم الريف على طابعها المديني التوافقي. طغى الذوق الريفي المدعوم بقوة السلطة على المشهد، فأبى أن يقيم تصالحاً مع قيم المدينة. رأى فيها تحدياً لفارق حضاري أراد أن يدوسه بالقوة، بدل أن يتنافس معه كي يطوره ويتطور به.
تواطأت تحالفات الاستبداد مع مراكز قوى الفساد والإفساد في الاعتداء على الطابع الحضاري للمدينة... وحز في نفوس عشاق المدينة من أبنائها والمنتسبين إليها، أن يروا هذا الحكم الوطني ينفذ مخطط المهندس الفرنسي المتعصب إيكوشار الذي كان يرى أن دمشق التي تستحق أن تحمى هي دمشق الرومانية التي داخل السور، مبيحاً بذلك كنوز المدينة في العصور الإسلامية المتلاحقة، ومضحياً بأحياء كانت تشكل إضافات معمارية للمدينة كحي سوق ساروجا الذي سمي اسطنبول الصغرى، والذي حلت محله أبنية متنافرة وبشعة... لم تكن منفصلة عن تجمعات السكن العشوائي الذي أحيطت بها المدينة في (عش الورور) شرقاً، و(مزة 86) غرباً، وحي الورد ومساكن الحرس في منطقة دمر، والتي اكتشف الدمشقيون دورها الحقيقي في ظل الثورة. فقد أريد لها أن تكون كانتونات طائفية، معظم سكانها من عناصر الأمن وضباط ومساعدي الجيش، تحكم سيطرتها على المدنية، وتحاصر أي حراك يمكن أن يهدد حالة السيطرة الأمنية على دمشق ومداخلها وأطرافها، قبل أن تتمدد الشرارة إلى القلب.
كانت عمليات الاستملاك تجري بقرارات فوقية قاهرة، لتنزع ملكية بيوت وأحياء وأراضي يدفع ثمنها ليرات معدودة بالمعنى الحقيقي لا المجازي، وتحرم دمشق شيئا فشيئا من حزامها الأخضر... الذي لم يتبق منه سوى بقايا بساتين العدوي قرب بزرة والتي كانت تتآكل يوماً بعد آخر بفعل الاستثناءات والعطايا والقرارات العشوائية التي كان ذروتها القرار الذي صدر عام 2007 بهدم شارع الملك فيصل المحاذي للسور الشمالي للمدينة القديمة، وتحويله إلى أوتوستراد بعرض (42) مترا، الأمر الذي كان يعني هدم مئات البيوت والمعالم القديمة في تلك المنطقة...
وأذكر تصريحا للمهندس وعد مهنا لوكالة يونايتد برس إنترناشيونال أطلقه في تلك الأثناء قال فيه: (لقد حاولنا أن نفهم السلطات انه ثمة مخطط لرفع اسم دمشق من لائحة التراث العالمي، من دون أن نجد آذانا صاغية سواء عن سوء نية، أو جهل)
قبل مخطط هدم شارع الملك فيصل، كانت السلطات السورية، ممثلة بمحافظة دمشق، قد قامت في آب أغسطس (2006) بهدم سوق العتيق قرب ساحة المرجة بالجرافات، وهو سوق يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر الميلادي. يومها تمكن شاب دمشقي خلسة من تصوير عمليات الهدم من بعيد، في صورة نادرة لم توثق دموع أصحاب المحلات التجارية، وحزن الباعة والمارة على منطقة تجارية تقليدية عاشت وازدهرت لمئات السنين، وجاء قرار جائر، ليحولها إلى مساحة خالية تقام فيها حديقة لا يرتادها أحد، ولا يعترف بضرورتها في هذا المكان الملوث بزحام السيارات أحد!
ويومها وأمام اللغط الذي شاب قرار هدم شارع الملك فيصل لتحويله إلى أوتوستراد، يتسع للحافلات الإيرانية التي كان يضيق بها المكان وبحجاجها الذين كانوا يقصدون (مقام السيدة رقية) المصطنع في قلب دمشق القديمة، والذي لا يوجد أي أساس تاريخي له، أرسلت السلطات لوزارة الثقافة كي تفتي (ثقافيا وتراثياً) في موضوع الهدم، فكان فتوى الوزارة عندما كان السيد رياض نعسان آغا وزيراً: أن الهدم لن يؤثر على طابع المدينة القديمة!
لكن الدمشقيين لم يفاجؤوا بفتوى الوزير، ولم يستلموا لها، وتعالت الأصوات في وجه هذا الدجل لتنبه أصحاب التقرير المختص أن المدينة القديمة في العرف الدمشقي، ليست ماكيتاً في دبي، يتصور الناس فيه ويتجولون في أجواءه المستعارة. بل هو حياة ترتبط فيها الأسواق الشعبية بحركة الناس والحياة، وبألفة البيوت والأحياء والباعة ارتباطاً يحمل ذكريات معاشة حفر الزمن بصماتها بدأب وأناة وألفة لمئات السنين!
وشارع الملك فيصل يختصر ذكريات قرن كامل، كان فيها ومازال شريانا هاما ورئيسيا من شرايين دمشق، فقد كان فيما مضى، يحتضن إحدى خطوط الترام الكهربائي الشهيرة، كما أنه كان شارعا رئيسيا تتفرع عنه، أو تنتهي إليه من جهات عدة، الكثير من الأسواق التقليدية الدمشقية الهامة، كسوق الهال، وسوق المناخلية، وسوق العصرونية، وسوق الحدادين، وحي العمارة، قبل إن ينتهي إلى حي باب توما المسيحي الأثري، فيما يحاذيه شارع بغداد الذي شقته سلطات الانتداب الفرنسي في النصف الأول من القرن العشرين.
جرائم مخطط دمشق التنظيمي!
عانى الدمشقيون طويلا مما سمي (مخطط دمشق التنظيمي) وترتكز السياسة المعمارية الخرقاء لهذا المخطط، إلى مخطط لتنظيم مدنية دمشق، كان قد وضعه المهندس الفرنسي إيكوشار عام 1968، ورأى فيه أن ما يستحق الحماية فقط، هي دمشق القديمة داخل السور الروماني، معبرا بذلك عن نظرة ازدرائية لكل المعالم التاريخية الإسلامية، التي نمت وتطورت بعد الفتح الإسلامي وسقوط الدولة الأموية، أي في عهود المماليك والسلاجقة والأيوبيين والعثمانيين، حيث توسعت المدنية خارج السور الروماني، فغدت عدة مدن في مدينة واحدة، يجمعها القدم والعراقة، وتتنوع فيها الملامح والطرز المعمارية المختلفة.
والحقيقة أنه حتى دمشق القديمة داخل السور الروماني، التي يمنع فيها الهدم، لم تسلم من الاستباحة والتشويه والإهمال في السنوات الأخيرة، فمكتب حماية التراث المعني بمنح تراخيص ترميم البيوت القديمة، والذي يفترض أن يقدم مساعدات فينة لحفظ التراث، تحول إلى مكتب لقبض الرشاوى والعمولات لترخيص الهدم، أو تغير ملامح البيوت القديمة لصالح أبنية اسمنتية هجينة - وفي أحسن الأحوال- مكتب لتكريس سياسة الأمر الواقع... كما حدث منذ سنوات مع إحدى العائلات المسيحية في حي باب توما، والتي كانت تسعى لترميم بيتها القديم الذي يحتوي على قاعة كبيرة سقفها وجدرانها مغطاة بزخارف فسيفسائية بديعة، والتي اضطرت بعد تكاسل وإهمال مكتب حماية التراث، في تقديم المساعدات الفنية اللازمة لها، وبعد معاملات روتينية عاجزة... إلى بيع السقف بمبلغ ألف دولار لأحد التجار الذي يعرف القيمة الحقيقية لهذا التراث أكثر من مكتب حماية التراث!
تسفيه النسب الأموي ونسف التعايش!
هذه الوقائع وغيرها الكثير تشير إلى أن تهميش دمشق، كان تهميشا للحجر والبشر والتاريخ... كان تهميشاً لقيم التوافق الوطني الذي عبرت عنه دمشق القديمة حين احتضنت منذ مئات السنين في قلب المدينة القديمة حي الشاغور المسلم السني إلى جانب حي الأمين الشيعي، وحارة اليهود وحي باب توما المسيحي في كليومتر مربع واحد.. فكل الطوائف والأديان استطاعت أن تذوب في بوتقة الحلم الدمشقي المسكون بالتعايش، إلا أحياء الطائفة العلوية اتسمت على الدوام بطابع الاعتداء على المدينة، والاستقواء على الجوار بالدعم الأمني، ومحاربة كل التقاليد الدينية الوسطية التي اعتاد الدمشقيون أن يمارسوها، باعتبارها حقاً طبيعياً لهم ولغيرهم في الاختلاف.
لقد كانت الحرب المعلنة على تراث دمشق ونسبها الأموي سياسة استفزازية صارخة، فقبر مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان في القيمرية نقاشات تحول إلى مكب أحقاد للزوار الشيعة العرب والإيرانيين، وقد كسر الإيرانيون جميع نوافذ البناء الذي يضم القبر بحجارتهم، ولازالوا يرمون عليها الحجارة والقمامة، وكان مؤلما على الدوام لتجار سوق الحميدية ومرتاديه، أن يروا مواكب اللطم الشيعية وهي تقطع السوق التاريخي الشهير، كي تمارس طقوسها في قلب المسجد الأموي، الذي يلعنون مؤسس دولة من بناه.
لهذا انطلقت أول مظاهرة في ثورة الحرية من قلب دمشق التاريخي في سوق الحميدية في الخامس عشر من آذار... واحتضن جامعها الأموي جموع المتظاهرين يهتفون الله حرية وبس، واستطاع الدمشقيون أن يصلوا إلى أقدم ساحة في مدينتهم: ساحة المرجة في الأيام الأولى للثورة كي ينظفوا الساحة التاريخية - ولو رمزياً- من فنادق الدعارة التي كانت تمارس أنشطتها تحت سمع وأبصار أجهزة أمن النظام، كي يلوث قلب المدينة التاريخي- العثماني، بكل رموزه المعمارية وذكرياته الدمشقية النظيفة.
غضب الجوامع وإضراب التجار.
كان الذروة الأولى لاشتعال الثورة في دمشق، ليلة السابع والعشرين من رمضان (26/8/2011) يومها اقتحم الأمن والشبيحة مسجد الرفاعي في دوار كفرسوسة، واعتدوا على المصلين الثائرين، واشتعلت دمشق بالغضب.
ومرة أخرى دفع حي الميدان الدمشقي ثمناً باهظاً من أثمان الثورة، ربما فاق عشرات المرات ما دفعه حين اشتعل في وجه الفرنسيين في عشرينيات القرن العشرين، فتم اقتحام الحي الثائر مراراً، وقصف وهدمت الكثير من بيوته الأثرية، وارتكبت مجزرة مروعة بحق أبناء الحي بعد اقتحام الجيش له إثر انسحاب الجيش الحر منه (21/7/2012) وقبل ذلك أرسلت إليه سيارات مفخخة كي تنفجر في أوقات صلاة الجمعة، بالقرب من جسر المتحلق الجنوبي، الذي أرادت له العقلية الأمنية في عهد حافظ الأسد أن يخترق الحي العريق في منتصفه فيهدم الكثير من بيوته كي يقسمه إلى نصفين فيسهل اقتحام أزقته الضيقة، رغم أن توسيع الجسر المتحلق الدائري كي يلف حول الميدان ويمر من الأحياء العشوائية الملاصقة له، لم يكن يكلف سوى تعديل بسيط في المخطط الأمني قبل المروري!
وعقب مجزرة الحولة بريف حمص، أعلن التجار في أسواق دمشق القديمة إضرابهم الاحتجاجي الشهير، فكان على ضباط وعناصر الأمن والشبيحة، أن يهرعوا إلى سوق مدحت باشا والحريقة صباح 31/5/2012) كي يكسروا بعنف وعنهجية أقفال المحلات المغلقة وقد أدركوا رمزية التحدي، بعد أن قال تجار الشام كلمتهم.
قطعت دمشق بالحواجز والجدران الاسمنتية وكتبت صحيفة (الشرق الأوسط) في عنوان رئيس لها تصدر صفحتها الأولى بتاريخ (31 تموز 2012): دمشق تحت الإقامة الجبرية والكل تحت مستوى الشبهات.
وفي مطلع شهر آب 2012 قصفت أحياء دمشق الجنوبية من جبل قاسيون، فكان مفجعاً للدمشقيين أن يروا الجبل الأم، الذي طالموا قصدوه كي يروا دمشق تنبسط أمامهم من عل، وهو يحتضن مدافع القتل ويطلق حمم النار... أما حواكير الصبارة التي عمرها مئات السنين على أطراف حي المزة، فقد دمرت بالجرافات في (4 أيلول 2012) تاركة غصة في نفوس الدمشقيين الذين طالما أنعشت أسماعهم في ليالي الصيف نداءات الباعة: (مزاوية يا حلوة).
لقد آمن الدمشقيون بأن استعادة مدينتهم أولا وأخيراً، لن يكون إلا بالثورة على النظام الذي دمرها واستباحها وشوهها، ولم تكن القصيدة الدمشقية لنزار قباني التي اعتبرها مبدعو الثورة حاملا من حوامل ثورتهم بمعزل عن الاستلهام، فقد قدموا عنها عشرات الكليبات كي يقولوا: إن عصر التهميش قد ولى... وهذي دمشق وهذي الكأس والراح... أما بيت أحمد شوقي الشهير: جزاكم ذو الجلال بني دمشق، وعز الشرق أوله دمشق. فربما يصلح لأن يكون عنوانا جديداً للثورة السورية اليوم: وعز الثورة آخره دمشق.
التعليقات (31)