الحرب الأهلية تدمر اقتصاد ومدن سوريا والخسائر 34 مليار دولار

الحرب الأهلية تدمر اقتصاد ومدن سوريا والخسائر 34 مليار دولار
في بلدات ومدن سورية أبنية كاملة مكونة من شقق عديدة تم تدميرها. تحولت طوابقها العليا إلى كتل إسمنتية هبطت بسلام نحو الأرض. أسواق عمرها قرون أسكتتها ألسنة اللهب وأحرقتها البنادق التي صوبت نحوها نيرانها في أماكن كحمص وحلب. قطعة نادرة من التاريخ لا يمكن استبدالها اختفى أثرها في معركة من عدة ساعات.

ثم لدينا أيضاً العديد من المصانع وأنابيب النفط والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس التي دمرت بشكل منظم ومدروس في مايقارب تسعة عشر شهراً من العنف. وبعيداً عن الكارثة الإنسانية للأرواح التي أزهقت في الحرب الأهلية في سوريا, والتي كما يقدر ناشطون أن عدد الخسائر البشرية تجاوز 32000, هناك أيضاً الضرر الذي أدى إلى انهيار البنى التحتية والاقتصاد والكنوز الثقافية.

وقد صرح رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي الأسبوع الماضي أن الخسارات الاقتصادية الناجمة عن الصراع الدائر تقدر بحوالي 34 مليار دولار والرقم بازدياد يومي, بينما تقدر المعارضة الخسارة بمائة مليار دولار. يقول خبراء إنه لا يمكن قياس الرقم الحقيقي بدقة؛ ومع الطبيعة المستمرة للعنف المتزايد والصعوبات الموجودة لا بد من مراقبين مستقلين يحضرون إلى البلاد لتقييم الضرر.

وعلى الرغم من أنه هناك بعض رؤوس الأموال السورية تمت حمايتها نسبياً من الصراع, فإن الدمار يلعب لعبته في معظم المدن السورية الرئيسية. يحذر خبراء من أنه في أي وقت ستنتهي فيه الحرب الأهلية في سوريا فإن جهوداً دولية هائلة سيتم بذلها وربما أجيالاً من السوريين سينفقون أعمارهم لإعادة بناء ما قد تم تحطيمه.

يقول عمار عبد الحميد الناشط السوري وعضو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي مقرها واشنطن: "من حيث البنى التحتية فإن أجزاءً رئيسية من سوريا تم قصفها عملياً وأعيدت إلى العصر العثماني."

40 مليار كلفة إعادة الإعمار

وقد قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي مقرها لندن والتي تجمع الإحصائيات عن الصراع الدائر في تقرير صدر عنها في الثامن والعشرين من سبتمبر أنه تم تدمير 589 ألف بناء تتضمن بيوتاً مسكونة ومدارسَ ومساجد وكنائس ومستشفيات, إضافة إلى آلاف الأبنية الأخرى التي تضررت بشدة. وقالت المجموعة انها استخدمت مهندسين مدنيين مهمتهم تقدير الضرر ووضع كلفة إعادة بناء البيوت السكنية والأبنية أخرى قدرت بحوالي 40 مليار دولار.

قبل بدء انتفاضة شهر مارس 2011 ضد الرئيس بشار الأسد كانت سوريا تفتخر بكونها واحة للأمن والامان في منطقة دمرها العنف والتوترات الطائفية. وعلى الرغم من فساد النظام الهائل ودكتاتوريته السياسية القمعية فقد كانت هناك علامات على التقدم في البلاد؛ فقد تجاوز البلد أخيراً إرثه الاجتماعي وتخلص منه, وكانت هناك قفزات اقتصادية كبيرة, أما مقاهيه فكانت تعج بالسياح وبرجال أعمال ومقاولين في عمر الشباب يناقشون آخر مشاريعهم.

تلك الصورة لا يمكن أن تكون أكثر اختلافاً الآن..

حلب, أكبر مدن سوريا ومركزها الاقتصادي والثقافي وذات النصيب الأقسى والأوفر من العنف مع حمص المدينة الصناعية المتمركزة في وسط سوريا. في كلا المدينتين تم تهديم مساحات كبيرة من المناطق السكونة وأصبحت الأبنية ممتلئة بثقوب كبيرة وواجهات محروقة, وتم إغلاق مئات المصانع والأماكن الصناعية.

500 متجر احترقت في حلب

عندما بدأت الانتفاضة من وحي ثورات الربيع العري التي أطاحت بطغاة حكموا لزمن طويل في تونس ومصر وليبيا, استخدمت القوات السورية أسلحة خفيفة لتفريق مساحات كبيرة من المحتجين السلميين. وعندما بدأت عناصر مسلحة بالقتال رداً على استخدام السلطات للعنف , بدأت قوات الأسد باستخدام المدافع الثقيلة والمدافع والدبابات في قتالها ضدهم. وحالاً تحول الصراع إلى تمرد مسلح وازداد نظام الأسد يأساً باستخدامه الطائرات العسكرية. في الشهور الأخيرة تم استخدام الطائرات الحربية بشكل يومي لسحق المباني في محاولة لتدمير معاقل الثوار.

في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر اندلع حريق بسبب القتال ابتلع سوق حلب المسقوف والذي يعد موقعاً أثرياً عالمياً في المدينة القديمة تحميه اليونسكو, واحترق أكثر من 500 متجر في الممرات الضيقة المقببة. بعض أهم وأبرز المواقع التاريخية في البلاد تحولت إلى قواعد للجنود والثوار بما فيها القلاع التاريخية والحمامات التركية.

"إنها حرب قذرة؛ لا أحد يتوقف ولو لدقيقة ليأخذ بعين الاعتبار الضرر الذي يسببونه." هذا ما يقوله هيثم مناع الشخصية المعارضة المنفية البارزة, مشبهاً طرفي النزاع لمتطرفي طالبان الذين حطموا عام 2001 تمثال بوذا الذي كان موجوداً في باميان في أفغانستان والذي يعود إلى 1500 سنة.

ويضيف: "من سوف يدفع هذه الفواتير فيما بعد؟ لا أحد!"

لقد سببت الحرب الأهلية معاناة اقتصادية أيضاً بسبب الدمار الحاصل وأيضاً بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة من الغرب على الأسد ونظامه القمعي والتي شلت الحركة الاقتصادية في البلاد.المصادر الحيوية للدخل الحكومي كالسياحة توقفت, والإرهاق الاقتصادي الكبير أثر على التجار الصغار وأعمالهم.

لقد ضعفت عملة الدولة وأصبحت تحتاج إلى 68 ليرة سورية لشراء دولار واحد بدلاً من 47 ليرة في بداية الصراع. يقول مصرف سوريا المركزي إن التضخم المالي وصل إلى 36 بالمائة في شهر حزيران يونيو. ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية والوقود أكثر من ذلك بكثير مرهقة ميزانية الأسر وتاركة الناس في عدة أجزاء من اليلد يعانون نقصاً حاداً.

400 مليون دولار خسائر الحظر النفطي

وبالنسبة لحظر الولايات المتحدة والاتحاد الوربي لواردات النفط والذي أتى أكله هذا العام فتقدر الخسارة على الجانب السوري بحوالي400 مليون دولار شهرياً. قبل الانتفاضة كان قطاع النفط واحداً من ركائز الاقتصاد السوري بصادرات معظمها إلى أوربا وعائداتها ما بين 7 مليون إلى 8 مليون دولار يومياً. وكانت هذه العائدات مفتاحاً للحفاظ على 17 مليار دولار يشكلون احتياطيا من العملات الأجنبية والتي راكمتها الحكومة من انتعاش نفطي دام لفترة وجيزة في التسعينات وحافظت عليه حتى العام المنصرم. لم تصرح الحكومة باحتياطي العملات الجنبية المتبقي لديها, لكن وحدة الاستخبارات الاقتصادية والتي اتخذت من لندن مقراً لها قدرت ذلك بمايزيد بشكل طفيف عن 5,4 مليار دولار.

يقول روبرت باول, المحلل الاقتصادي المختص باقتصاد الشرق الوسط من وحدة الاستخبارات الاقتصادية, إن الاقتصاد وحده لن يطيح بنظام الأسد في المستقبل القريب, ويضيف: "ربما يحتاج سنة أخرى أو في هذه الحدود قبل أن ينهار الاقتصاد ويسقط من على حافة الهاوية." يقول خبراء إن الخسارة في احتياطي سوريا النقدي هو الجانب الوحيد المقلق أمام فرص إعادة إحياء البلاد.

"هذا أشبه برهن مستقبل سوريا." يقول جهاد يازجي رئيس تحرير سيريان ريبورت وهي ملخص اقتصادي تجاري يصدر الكترونياً. ويضيف: "بإحراق الاحتياطي الأجنبي الذي استغرق تراكمه عقداً كاملاً فأنت تضع مستقبل الحكومة السورية ومستقبل أجيال من السوريين بدون أي احتياطي. عندما تنتهي الحرب من أين سوف تأتي الحكومة بالمال الكافي لتمويل عمليات إعادة البناء؟ في النهاية سيكون عليها أن تستدين كميات كبيرة من المال, والذي سيدفع هذا الدين هو الشعب السوري."

عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري المعارض متحدثاً في اجتماع مع وجوه من الدبلوماسيين وممثلي المعارضة السورية في برلين الشهر الماضي قال إن البلاد تحتاج لبرنامج شبيه بالبرنامج الذي طبقته أوربا بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة الإعمار والمسمى بخطة المارشال. وقد تم تنظيم هذا الاجتماع الذي ترأسته ألمانيا والإمارات العربية المتحدة للحديث عن كيفية منع انهيار الخدمات الرئيسية والبنى التحتية, وعن كيفية إنعاش الاقتصاد في مرحلة ما بعد الأسد.

دروس إعادة الإعمار اللبنانية

على خلاف جارتها العراق, تفتقر سوريا إلى احتياطي عال من النفط يمكن ان يساعد في تمويل عملية إعادة الإعمار. لقد دمر نظام الأسد المؤسسات والمصادر المالية العامة إلى درجة أن سوريا لن تكون قادرة على الاعتماد في الحال على دخل النفط او الضرائب من اجل إعادة بناء نفسها, كما يقول سيدا. وزير الخارجية الألماني حث المجتمع الدولي على ان يكون جاهزاً لتزويد الدعم الاقتصادي, كما ان هناك اجتماعاً آخراً في الشهر المقبل لجمع رجال الأعمال السوريين بالمتبرعين الأجانب.

يقول مناع إن 100 مليار دولار الرقم الذي قدرت به المعارضة الخسائر حتى الآن والذي يساوي ضعف ربح الانتاج المحلي في نهاية 2012 يتضمن الدمار المادي والخسائر في قطاعي النفط والسياحة والهبوط الحاد في نسبة الإنتاج والبطالة المرتفعة جراء فقدان الوظائف.

على سوريا ان تنظر إلى جارتها لبنان لتتعلم دروساً في إعادة البناء. فبعد الحرب الأهلية التي استمرت هناك بين عامي 1975 و 1990 استدانت الحكومة من الخارج ديوناً ثقيلة, وتراكم دينها الذي وصل إلى حوالي 52 مليار دولار, او ما يقارب 130% من ربح الإنتاج المحلي السنوي, ومازال لبنان يعاني من هذا الدين حتى الآن. أسامة كعدي, المنسق العام لفرقة العمل الاقتصادي السوري يثق أن ذلك لن يحدث مع سوريا, التي يتنوع اقتصادها أكثر من لبنان. ويقول إن المجموعة كانت تستميل المجتمع الدولي لتنظيم مؤتمر للمتبرعين يعقد بعد سقوط نظام الأسد بأقل من أسبوع. ويقول: "تقييمنا أنه في الستة أشهر الأولى سيتم إنفاق 40 مليار دولار على أعادة البناء للسماح للاجئين خارج البلاد والمشردين داخلها بالعودة إلى بيوتهم." ويقول أيضاً أنه مع وجود رجال الأعمال السوريين ودول الخليج الراغبة بالاستثمار فلن يكون على الحكومة المستقبلية أن ترهق ظهرها بديون ثقيلة.

تقسيمات عميقة داخل المعارضة السورية وجماعات الثوار تميل إلى تعقيد أية جهود دولية للمساعدة في إعادة البناء. والسوريون مقتنعون أيضاً أنهم سيحتاجون مساعدات خارجية طفيفة, تماماً كما كان عليهم أن يقاتلوا نظام الأسد بدون مساعدة أجنبية كثيرة.

يقول عبد الحميد: :أمامنا طريق طويل قبل أن نعيد البلاد معاً إلى ماكانت عليه في السابق, لكن حالما نحقق ذلك, وسوف نفعل, فسوف يكون هذا إنجازنا نحن."

المصدر: ياهو نيوز عن أسوشييتد بريس

التعليقات (8)

    ابو سفيان

    ·منذ 11 سنة 5 أشهر
    الله ينتقم منك يا بشار وكل من بشد على ايدك

    Mohamaad

    ·منذ 11 سنة 5 أشهر
    نظام ما عرف بحياتو غير ينهش بشعب سوري

    fatina safiia

    ·منذ 11 سنة 5 أشهر
    لنهب أموال السوريين وقتلهم بها قاتله الله

    الشريد العسالي

    ·منذ 11 سنة 5 أشهر
    انها رسالة للعالم اجمع توضح مدى السيطرة على الشعب السوري رغم فراره وبعده الاانه لايزال يطبق على انفاس الجميع.لو منحت الدول المضيفة جنسيات او جوازات من بلدانها لسعى لعكس عمله الان

    فيصل فيصل

    ·منذ 11 سنة 5 أشهر
    الرجاء من الدول الصديقه للشعب السوري ان يقبلو الجوازات القديمه بدون تجديد ويجمعو بدل التجديد الي ياخذه النظام ويورعوه علىالشعب الفقير بسوريا على شكل مساعدات للشعب وليس للنظام

    ابو عبدو الشامي

    ·منذ 11 سنة 5 أشهر
    الجواز الحقير آخر قطرة يمصها النظام بعد ان استنفذ اموال ودماء السوريين

    عبدالكريم العبدو

    ·منذ 11 سنة 5 أشهر
    الهدف هو ابتزاز السوريين ، والقول انه مازال حاضرا ، لكن السبب وراء هذه القرارات وغيرها عجز وضعف العالم عن تشكيل حكومه تمثل الشعب السوري تكون معترف عليها في منح جواز السفر والسجلات المدنيه وغيرها من الامور الضروريه التي يحتاج اليها السوريون

    المعتز بالله حلبي

    ·منذ 11 سنة 5 أشهر
    النظام السوري وملشيت حزب الله اللبناني مع إيران وروسيا مع الميلشيات المرتزقة انهم ********* اللهم أرنا بهم يوماً أسوأ يارب العالمين نظام كافر لعنة الله ********* اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين في كل مكان يااااااااالله منا غيرك يالله يالله يالله يالله
8

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات