من زمن الاستبداد إلى زمن الشهادة: والثورةُ أمّ..

من زمن الاستبداد إلى زمن الشهادة: والثورةُ أمّ..
لعل من نافلة القول بأن المرأة نصف المجتمع وأن المرأة التي تهز السرير بيمناها, تهز العالم بيسراها. أما وقد جاء آذار شهر الربيع الشهر الوحيد الذي يحتفي بالمرأة مرتين دون غيره من الأشهر أولاهما في الثامن من آذار يوم المرأة العالمي والثاني هو الحادي والعشرون منه يوم عيد الأم.. فقد أضيفت لهما مناسبة ثالثة للاحتفال بالمرأة – السورية على وجه التحديد- ألا وهي ذكرى انطلاقة الثورة السورية في مثل هذا الشهر... كيف لا... والثورة أم.

 المرأة السورية زمن البعث

حظيت المرأة السورية باهتمام ظاهري منقطع النظير من قبل حزب البعث حيث اعتبرها القضية الأساسية والمحورية في المجتمع وأنه أزال من طريقها كل العقبات التي قد تؤدي إلى تخلفها وجمودها، ولكن سير الأسدين الأب والابن والنهج الذي اتبعاه من خلال حزب بعثهم هذا أدى إلى تشويه مروع في عقلية المرأة البعثية، حيث عمد إلى احتواء المرأة في منظمات بعينها أدت إلى حدوث ذلك التشوه الخلقي والفكري والاجتماعي والذي انعكس بدوره بشكل سلبي على المجتمع، ومن أهم هذه المنظمات منظمة ما يدعى بالاتحاد النسائي الذي كان عبارة عن عكاز رخيص تنتسب إليه النساء اللواتي يعانين من ترهل فكري وثقافي.. وإن من يتابع مراكز الاتحاد النسائي المنتشرة في كل المحافظات في السبعينيات والثمانينيات وما نتج عنها من مراكز محو الأمية ومراكز التثقيف الاجتماعي ومراكز الرعاية للأمومة والطفولة وغيرها لن يجد سوى فكر هزيل تحكمه نظرة الحزب الواحد الحولاء .. فالسيدات اللواتي يعملن في مثل هذه المراكز أو اللواتي يلتحقن بهذه المراكز بغية التثقيف أو التنوير المزعوم إن هن إلا شخص تائه يريد أن يمارس شيئاً ما ولو حتى الهذيان من أجل الحصول على (كمشة) من الليرات آخر الشهر بغية العيش والعيش فقط، ولن ننسى تلك الصور التي رسمتها الدراما الساخرة في يوم من الأيام للمرأة السورية العاملة في القطاع العام والذي يحتم عليها أن تكون بعثية... ففي هذه الزاوية موظفة تقطع الخضار كي تكون جاهزة لتحضير الطعام عند العودة، وأخرى تتفنن في وضع مساحيق التجميل الرخيصة على وجهها الكالح كي تبدو أجمل، وأخرى تشتغل خاطبة بين مكاتب الموظفين كي تحصل على المعلوم... أما الفكر والتطوير و... فلن يكون ولا حتى في آخر سلم أولوياتهن. ومن لم تتح لها الفرصة أن تكون في إحدى هذه المؤسسات بسبب ظروف معينة قد تكون دينية أو اجتماعية أوغيرها فثمة، أماكن أخرى أو تنظيمات أخرى قد استوعبتها، فهناك اتحاد شبيبة الثورة واتحاد الطلبة الذي إن أبلت فيه الصبية بلاء حسناً ستحصل على علامات غداً في الثانوية العامة (إكسترا علامات) لتراها قد قفزت بقدرة قادر (أو بالمظلة) من مجموع ضحل في الثانوية العامة إلى كلية الطب والصيدلة وغيرها من الكليات العلمية.. وكذلك ثمة مؤسسات دينية أيضاً للنساء فمن لم تلتحق بمعاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم ظناً منها ومن أسرتها بأنها لا تريد شيئاً يستحدثه الأسد لأنه حتماً سيكون كاذباً ومزوراً، التحقت بتنظيم ديني سري ظناً منها كذلك بأنها بعيدة عن عيون الأسد ولم تكن تدري بأنها قد رمت بنفسها في أحضان الأسد والبعث مرة أخرى، تلك هي جماعة (القبيسيات) التي بدأت بالظهور منذ حوالي ثلاثين عاماً تنقص أو تزيد قليلاً والتي تعتمد في منظومتها الفكرية على الفكر الصوفي البعيد عن إعمال العقل ومنع كل ما يمت إلى القراءة والتفكير بصلة، حيث أن أهم المشايخ القائمين على هذا التنظيم وبالتنسيق مع منيرة قبيسي (مؤسسة الجماعة) هو شيخ السلطان محمد سعيد رمضان البوطي وكذلك جماعة المفتي السابق أحمد كفتارو وجماعة أبو النور... وانتشرت هذا التنظيمات ليس في المحافظات السورية فحسب بل امتدت إلى أقطار مجاورة ووصلت إلى الأمريكيتين.

 تسليع المرأة في حقبة الأسدين

أما من منظور الفكر الضيق والضيق جداً فلقد عمد حزب البعث إلى تحويل المرأة إلى سلعة رخيصة وذلك عندما ظهرت أول دعاية على التلفزيون السوري متخذة من المرأة الجميلة وسيلة لترويج سلعة ما قد تكون أرخص منها, نعم ولكن ماهو معروف بالضرورة وربما يقول أحدهم بأن المرأة تمتهن هذه المهنة في كل الدول والجواب هو أنه في تلك الفترة كان ذلك مرفوضاً ومستهجناً في المجتمع السوري المحافظ رغم مدنيته... وكذلك تم تسليع المرأة بطريقة تأخذ طابعاً راقياً في شكله ولكنه في مضمونه وجوهره أكثر خسة ودناءة وذلك عندما تم تخريج دفعة من الفتيات المظليات واللواتي اشتهر منهن حينها (الشهيدة ألماظة خليل) وطبعاً تم التخريج برعاية السفاح رفعت الأسد الذي كان نائباً للرئيس في عقد الثمانينات حيث أطلق العنان لهؤلاء الفتيات المسعورات في حملة شرسة في شوارع دمشق التي يكثر فيها تواجد النساء المحجبات وقامت تلك الفتيات بنزع حجاب السيدات تحت تهديد السلاح وقد قتل من قتل منهن حينها ووأدت الأزمة في مهدها كي لا يتم تكرار هذه التجربة في مدينة أخرى. كل هذا التشويه الفكري الذي طال المرأة في ظل البعث كان له تأثير سلبي كذلك على المرأة المتنورة التي رفضت ذلك الفكر ورفضت أن تكون خاضعة لذلك الفكر البعثي الإقصائي، والنتيجة التي حصلت عليها هو إقصائها بشكل فعلي من كل المراكز التي يمكن للمرأة أن تتبوأها وتبدع فيها، فهي محرومة من الوظيفة والعمل في القطاع العام ومحرومة من المنح الدراسية ناهيك عن العمل السياسي والتي استطاعت إثبات وجودها كسيدة فاعلة في محيطها ومجتمعها تم التضييق عليها بشكل كبير وبالتالي أدى ذلك إلى ابتعاد المرأة عن واقعها وتحقيق فاعليتها فيه وربما كان الابتعاد عن الوطن هو أكبر الضغوطات التي تعرضت لها المرأة من ذات النموذج.

 أين المرأة من الثورة؟

وإذا كان قد لحق بالمرأة السورية كل هذا الإجحاف والتشويه في زمن الأسدين وبعثهما فأين هي من ثورة الشعب السوري عليهم جميعاً أفراداً ونظاماً.. تساءل أستاذ جامعي عربي ذات مرة.. مقارناً إياها بالمرأة اليمنية التي ساهمت في صنع الحراك السلمي الثوري في اليمن وطبعاً يُرد عليه بأنه مما لاشك فيه والذي هو معروف للجميع بأن المرأة السورية قد واكبت الثورة السورية منذ صرختها الأولى في الحميدية ولعل من أبرز النساء التي ظهرت حينها مروة الغميان وشقيقتها وكذلك في اعتصام الداخلية ومن أشهرالأسماء يومها سهير الأتاسي وغيرها وقد تعرضت المرأة منذ الأيام الأولى للثورة للاعتقال والضرب والإساءة اللفظية والبدنية، أما الخروج إلى الشوارع أثناء مظاهرات الحراك السلمي فلقد تباطأ قليلاً نتيجة للقمع الدموي الرهيب الذب جوبه به الثوار منذ أول يوم، أضف إلى ذلك كل العوامل التهميشية السالفة الذكر والتي أدت إلى هذا التباطؤ أو الفتور الذي سرعان ما انجلى وظهرت المظاهرات النسائية ذات الحراك السلمي الرائد، وقد تحملت أعباء فقدانها للرجل بجانبها عندما قتل زوجها أو اعتقل أو اختفى, كما تحملت أعباء الأطفال وفقدانهم أيضاً إضافة إلى تعرضها لجرائم الاعتقال والاغتصاب والخطف مثلها مثل الرجل تماماً.

 المرأة على خط الثورة والتضحيات

أوردت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً حديثاً عن ضحايا الأسد خلال عامين من عمر الثورة السورية يشمل الأمهات الشهيدات والمعتقلات والمختطفات والمغتصبات والأرامل واللاجئات:

أولاً -

الشهيدات: قتلت القوات الموالية للحكومة السورية من جيش و شبيحة ومخابرات عبر القصف أو الاقتحام وعمليات الإعدام الميدانية أو التعذيب حتى الموت منذ بداية الثورة وحتى تاريخ 17-03-2012 مالايقل عن 7133 امرأة موثقين بالاسم والتاريخ والمكان والصورة والطريقة التي تم فيها القتل من بينهم 2417 أماً. بينهن 138 تجاوز عمرهن الخمسين عاماً - 8 معلمات - 6 يعملن في المجال الطبي (طبيبة وصيدلانية).. والأفظع من ذلك مقتل 7 أمهات تحت التعذيب حيث اعتقلن وتم تعذيبهن حتى الموت.

ثانيا - المعتقلات:

اعتقلت أو اخطفت القوات التابعة للحكومة السورية مالايقل عن 6405 امرأة من قرابة 194000 معتقل ومن بين المعتقلات قرابة الـ 430 أماً، بينهن 200 أم في عداد المختفين قسريا. يعتبر بحسب معيار الاختفاء القسري "إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية, أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه, ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة" وهو ماينطبق على قرابة الـ 200 أم أغلبهن مخطوفات على يد ميليشيات تابعة للحكومة السورية وهي ما يطلق عليها الشعب السوري لقب "الشبيحة" وأغلب الأمهات المختفيات تتركز في محافظات حمص واللاذقية وريف دمشق. لم تتم مرعاة طبيعتهم البشرية أو الإنسانية، بل تم تعذيبهم بأساليب منهجية عنيفه كما تم اغتصاب العديد من الأمهات وإن كان الاغتصاب يتركز على الفتيات بشكل أكبر وتحديدا الجميلات منهن. تعترف سيدة سورية تدعى سلمى ثمانية وعشرين سنة وأم لأربعة أطفال، ثلاث بنات وولد بمأساة اغتصابها، التي مارستها عليهن قوات بشار الأسد في بلدتي “سهل الروج” و الدليل على ذلك أننا وثقنا 20 حاله لنساء ماتوا إثر التعذيب الشديد و المنهجي الذي تعرضوا له في ظروف تخالف و تنتهك حرمة الإنسان وجميع القوانين الدولية المنصوص عليها بهذا الشأن من بينهم 7 أمهات. وبالنسبة للمغتصبات لن يكون من السهل الحصول على أرقام دقيقة حيث أن الموضوع يتم التعامل معه بحذر شديد وسرية تامة نظراً لحساسيته في المجتمع الشرقي عموماً.

ثالثا - الأرامل:

ترملت في سوريا مالايقل عن 54 ألف سيدة فقدت زوجها من بينهن أكثر من 40 ألف أم.

1. الشهداء المتزوجين: تم توثيق أكثر من 35 ألف رجل شهيد متزوج وبالتالي تحولت زوجته إلى أرملة .

2. الأزواج المختفون قسريا: مايقارب 19 ألف رجل متزوج في عداد المختفين قسريا من قرابة أكثر من 60 ألف فرد يعتبروا في عداد المختفين قسريا ، وبالتالي مايقارب الـ 19 ألف امرأه لاتعلم هل هي متزوجه أم غير متزوجة ، هل مازال زوجها على قيد الحياة أم قامت الأجهزة الأمنية بتصفيته وهذه هي الحالة الأخطر والتي تعود بنا إلى الأزمة الاجتماعية المرعبة في عام 1982 في مدينة حماة حيث اختفى مالايقل عن 12 ألف رجل متزوج وعانت المدنية لعقود من تلك الوضعية الاجتماعية.

رابعا - اللاجئات:

نصف مليون امرأه لاجئة في دول الجوار بينهن أكثر من 350 ألف أم. وتشير تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن أكثر من 70 % من اللاجئين هم من النساء والأطفال و السبب الرئيسي لذلك هو الخوف من تعرضهن للاغتصاب وانتهاك الأعراض، و كانت احصائيات الشبكة حول اللاجئين في دول الجوار قد تجاوزت في شهر كانون الثاني من عام 2013 حاجز الـ 1.4 مليون لاجئ وهذا يعني أنه لدينا قرابة المليون مابين طفل و امرأة و بالتالي نصف مليون امرأة تعتبر لاجئة في دول الجوار.

 خنساوات سورية الثورة

وفي السياق ذاته - وإن كان العالم العربي قد انشغل لسنوات عدة بخنساء فلسطين التي وافتها المنية منذ أيام فإن خنساوات سوريا كثر ويبدو أنه في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها سوريا يصعب حصرهن ولكن قد اشتهر من خنساوات سوريا خنساء دير الزور التي فقدت أربعة من أبنائها وخنساء سراقب التي فقدت ابنين وشقيقين وكذلك خنساء حلب التي فقدت ثلاثة أيضاً من خيرة شبابها وغيرهن. وإن كنا نسمي من فقدت أكثر من واحد من أبنائها بالخنساء تيمناً بالشاعرة المخضرمة فماذا يمكن أن نسمي تلك الأم التي أورثتها الثورة شهيداً ومعتقلاً ولاجئاً ومشرداً.إنه وإن كانت إيشورا أو عشتار هي آلهة الجمال والخصوبة عند السوريين القدماء فإن المرأة تظل رمزاً للاستمرارية والبقاء وإضفاء لون الحياة على الحياة ولعلي سأختم بتلك الظواهر الرائعة التي حدثت إبان الثورة والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على قدرة السوريين عموماً والمرأة السورية خصوصاً على رغبتهم بالبقاء والاستمرار والتحدي رغم درب العذابات والآلام المحيطة بهم ، وليس أدل على ذلك من أن السوريين لم تمنعهم هذه الحرب الطاحنة التي تدور رحاها بين ظهرانيهم عن الزواج واستمرارية الحياة فلقد ثبت إن الإنسان هو الأقوى... فالحياة يجب أن تستمر والطغيان إلى زوال والغريب في هذا الإصرار على الحياة ليس الزواج التقليدي ضمن ظروف المحيط والعائلة، فثمة عقود للزواج قد كُتبت بحبر التحدي في سجون النظام بين معتقلين ومعتقلات في تحد سافر وصارخ لظلم السجان.. ومازالت تنتظر الحرية الكبرى الموعودة كي تصير فعلاً ناجزاً، ولعل أشهر حادثة زواج من هذا النوع عقد قران بين نورا وخطيبها المعتقل باسل الصفدي المبرمج العالمي حيث آثرت نورا أن يتم عقد القران وخطيبها ما زال خلف قضبان السجن، وقالت سأنتظره مهما طال السجن عليه وسيخرج وسنفرح وسننتصر، فالحب لا يعرف زماناً ولا مكاناً... أما عن الحبييات اللواتي فقدن شخوصَ أحبتهن فلن يتسع لذكرهن هذا البحث.. وكم من عريسٍ أبى إلا أن تكون الشهادة عرسه ومصابيح السماء عناقيد فرحه.

التعليقات (3)

    متابع

    ·منذ 11 سنة شهر
    شكرا لأورينت نت وكاتبة المقال الذي فيه تفاصيل حقيقية ودقيقة جدا عن وضع المراة في ظل حكم المقبور حافر .فعلا الاتحاد النسائي والشبيبة ما خلو وحدة من شرن واللي سلمت منهن استلموها القبيسيات الله ياخدن

    مصطفي

    ·منذ 11 سنة 3 أسابيع
    اه اه اه قلبي يتقطع من ها المنظر ام فقدت ابنها زوجه فقدت زوجها اطفال فقدوا ابيهم انا كنت اتمني اكون في سوريا والله وحتي لو ماهرجع منظر يخلي الحجر ينتطق ويتكلم

    لينا

    ·منذ سنة شهرين
    اخي قد تكون المرأة في بعض المناطق او المدن لم تشارك في بداية الثورة لكن في ديرالزور اول مظاهرة خرجت من المسجد شاركت فيها النساء بل كن في الصف الاول و منهن من عائلتي اللواتي كانن مطلوبات لنظام الاسد و استطعنا تهريبهن , كذلك اغلب نساء الدير تبرعن بكل ما لديهنثمن اسلحة و طعام و منهن من كانت تطبخ و تغسل و تخيط الثياب للجيش الحر , و منهن من حملت السلاح و قاتلت و كذلك اغلب المدن
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات