المخرج نبيل المالح: أطالب الفنانين بوضوح الرؤية تجاه الثورة!

المخرج نبيل المالح: أطالب الفنانين بوضوح الرؤية تجاه الثورة!
يحمل في مشواره أكثر من 150 فيلماً سينمائياً.. حصد خلاله أكثر من 60 جائزة عربية وعالمية، في مسيرة امتدت إلى ما يقرب من نصف قرن.. واختير فيلمه "الفهد" في مهرجان بوزان السينمائي الدولي العاشر في كوريا الجنوبية عام 2005، واحداً من الأفلام الخالدة في تاريخ السينما.. "أورينت نت" تحاور نبيل المالح المثقف والتنويري، ليقول رؤيته العميقة عن الثورة والمجتمع وعن الفنانين والمثقفين الذين لا يجرؤون على التغيير، وعن الشعب الذي حقق أهم انجاز وهو كسر جدار الخوف الذي جعل سورية اليوم لا تشبه سوريا الأمس... لكنها في كل مراحلها واحدة من أهم دول المنطقة كما يؤمن نبيل المالح الذي يحلم باستعادة ديمقراطية الخمسينيات في شوارع دمشق يوما.

-عامان على اندلاع الثورة السورية، كيف ترى مواقف فنانين ومثقفين من الثورة السورية لطالما كانوا يحملون النقد للنظام؟

لا أحب الدخول في متاهة انتقاد الآخرين وتصنيفهم بسبب آرائهم، لدي احترام كبير لكل من يخالفني الرأي، ولكن أعتقد أن الثورة كانت تتطلب مواقفاً أكثر راديكالية ووضوحاً من قبل فنانين لهم تأثيرهم في الشارع السوري. المطلوب منهم ليس أن يقفوا إلى جانب الثورة أو ضدها، ولكن مواقف واضحة، حول ما إذا كانوا يطلبون التغيير أم لا. المجتمع السوري اليوم بحاجة إلى التغيير، بحاجة إلى الثورة على ما مضى، وعلى الإرث الكئيب الذي حملناه طوال عقود. أطالب المفكرين والمثقفين والفنانين وضوح الرؤية، هذه ليست عملية استهلاكية للكلام والثرثرة، وإنما مواقف واضحة، أحترم من يكون مع الثورة، وأحترم من يخالف الرأي لأسباب غير نفعية وإنما لقناعات شخصية.

- من وجهة نظرك هل تواجد الفنان في الداخل وخوفه على عائلته هو السبب المباشر ليكون صامتاً؟

لا نستطيع الحكم على كل من في الداخل بأنه موال أو خاضع للظروف، هناك كثير من الناس الأبطال مازالوا في الداخل ولديهم علاقة قوية ومتينة بالمكان والزمان، هؤلاء لهم احترام خاص، والفنان مثله مثل أي إنسان يمر بحالة قلق في اختياراته، ولابد لنا أن نحترم هذا القلق، لماذا نقرأ الروايات الكبرى وتعجبنا شخصياتها، وعندما تجري أحداثها معنا نحاكمها بشراسة، أعتقد أننا نرتكب جرماً بحق الآخرين وبحق سوريا المقبلة، التي هي سوريا التسامح والقبول بالآخر، والقبول بالأفكار.

- ما هي المشاريع الفينة سينمائياً وتشكيلياً التي تعكف عليها، علماً أن لك يداً ماهرة وعيناً خبيرة في الرسم؟

انتهيت من كتابة سيناريو لفيلمين روائين طويلين عن الثورة السورية، ولكن موضوع تصويرهما غير مطروح في الوقت الراهن. الأول بعنوان "الوشم السابع"، والثاني بعنوان "ثلاثية" ويتحدث الأخير عن ثلاثة أشياء في حياتنا هي الواقع كما هو، والواقع المفبرك، والواقع الذي أحمله في داخلي وعلاقته مع الواقعين الآخرين. وأما بالنسبة لموضوع الرسم في الحقيقة كنت أستعد لمعرض فني تشكيلي ولكنه لم يكتمل، ربما أصابني نوع من الجفاف البصري، وجودي هنا في دبي لم يعطني أية أفكار جديدة، وأنا مجدد في أعمالي، وما قمت به قبل عام أو عامين أعتبره قديماً، وفي موضوع الرسم تحديداً اكتشفت أنه ينقصني الشعلة، ربما السبب هو بعدي عن دمشق، ولكن رغم ذلك فأنا أرسم ولكن ببطء وأقل قيمة من تصوراتي.

- عرض مؤخراً في مصر، فيلم "باب شرقي" وهو أول عمل روائي طويل يغوص في الواقع السوري ويصور أسرة سورية واحدة منقسمة على نفسها بين موال للسلطة ومن يعارضها. وسيعرض الفيلم في عدة مهرجانات سينمائية دولية، وهو بتوقيع المخرج المصري أحمد عاطف، ومشاركة عدد من الفنانين السوريين منهم لويز عبدالكريم والأخوين ملص، هل كان الفيلم يحتاج إلى مخرج سوري برأيك؟

المنظور التقليدي أو الثوري يفيد بأن الثورة هي حالة كونية وليست حالة تتطلب انتماءً بالجنسية، وكل ما تحصل ثورة في سبيل تغيير نظام قمعي، فكل الأشخاص من الشرق إلى الغرب لهم علاقة مباشرة، هذه هي وحدة الثورة، لأنها تقع ضمن منظومة كونية.

من جانب آخر، ومع بالغ احترامي الشديد لمن أخرج الفيلم أرجو أنه استطاع فهم عقدة التركيبة السورية، ولا تكفي حكاية سورية لتقول هذه حكاية سورية، كل حكاية لها روح وأعتقد أن قرب المخرج من أبطال فيلمه السوريين حتى العظم قد فتح له آفاق التعامل مع البنية النفسية والروحية للإنسان السوري، على أي حال أعتقد أنه من المبكر عمل فيلم روائي طويل في هذه المرحلة، ولكن بمجرد أنهم قاموا بتنفيذه فهذه شجاعة وأحييهم على عملهم.

- لكن الأفلام على اختلاف أنواعها تعمل على توثيق الأحداث وما يجري على الأرض؟

هناك فرق شاسع بين الأفلام الدرامية والتسجيلية، فالأخيرة لديها القدرة على توثيق الحياة بكل مخرجاتها، ونشرات الأخبار في كل يوم تحمل لنا ما لايعد أو يحصى من هذه الوثائق، أما الأفلام الروائية فهي محصلة فلسفية فيها رؤية للأبعاد التي لا نراها، وتخلق العلاقات بين الأشياء، والفيلم الروائي هو فيلم علاقات أكثر من أن يكون سرد حكاية، الناس تحب سماع القصص والروايات ولكن الحكاية هي جزء صغير من قيمة الفيلم، الفيلم بالأبعاد التي لا نستطيع التعبير عنها، وإنما لها عمقها وتسلسلها ودلالاتها. والثورة تحتاج إلى زمن حتى تختمر عناصرها ونستطيع رؤيتها بعين خارجية، ونستطيع التعبير عنها روائياً.

- بعيداً عن السينما، قريباً إلى التلفزيون، لماذا برأيك الناس تتابع تلفزيونات رسمية حتى الآن؟

تلفزيونات الأنظمة بشكل عام لها ميزة مهمة، وهذه الظاهرة لا تقتصر على سوريا وإنما تعمم على جميع الدول، فالتلفزيون بعكس السينما هو أفضل ملب لكسل البشر، وبالتالي هو ليس محرضاً ولكنه لسان السلطة، ربما تكون سلطة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، بالنهاية هي سلطة المال، والحالة المثالية أن تجعل من المشاهد مستهلكاً، وحتى يكون مستهلكاً يجب أن يتمتع بكسله، وبالتالي إعطائه كمية من الأشياء التي لا تثيره أو تحرضه وإنما تزيد من علاقته بالجلسة الهادئة والكرسي، بينما السينما في أغلب الأحيان تهز الأشياء وتخرش الروح وتكون محرضة.

- وماذا تقول في فبركات الإعلام أو الرواية المزدوجة عن حدث ما؟

أرى أن الإعلام بمجمله هو إعلام مفبرك، لأنه انتقائي. عندما يكون هناك حدث، من أي زاوية تناولت الموضوع فهذا موقف مني، فعملياً هو إنتقائي، والإنتقائية حالة فبركة، ومن ثم تأتي فبركة الفبركة، وفبركة الحدث نفسها لعبة، والذكي من يستطيع أن يكوّن نوعا من الإجماع حولها.

- وما رأيك بالانجازات التي يحققها الثوار على الأرض، منها السيطرة على مطارات ومعابر حدودية، وثكنات عسكرية، وغيرها من الإنجازات اليومية البطولية؟

منذ اليوم الأول عندما قال المواطن السوري لا، كانت هذه بشائر اجتياز جدار الخوف، المناقشة بين الناس ومسّ كيان السلطة أيضاً بشائر، هذا يعني أن سوريا اليوم لا تشبه سوريا الأمس، وهي قطعياً منتقلة إلى مرحلة جديدة. قبل أن تبدأ الثورة كان لدى أصحاب القرار في النظام الحاكم مشكلة مع الوطن، لم يستطيعوا التمييز بين الوطن والنظام، فكان مطلوباً من الجميع إبداء إخلاصهم للنظام تعبيراً عن إخلاصهم للوطن، أما الوطن فهو أكبر بكثير من هكذا نظام، الذي لم يعد قادراً على تكوين قاعدة شعبية سوى عن طريق حالة التخنيع والتبعية، ولم يتعامل مع الشعب على أنهم أفراد أحرارـ، ولكن تعامل معهم على أنهم رعية ولكن هذه العلاقة انتهت وتفجرت، والنظام قولاً واحداً سيدفع الثمن.

*كم من الوقت نحتاج برأيك لإعادة إعمار سوريا الجديدة، وهل يمكن أن تصبح سوريا قوة إقتصادية عربية مستقبلاُ، خصوصاً أن كافة مقومات التكامل الاقتصادي موجودة في سوريا؟

سوريا على مر العصور كانت ولازالت من أهم دول المنطقة، ولكنها كانت مقيدة الأجنحة منذ أربعة عقود وتعمل ضمن إطار مغلق هو إطار حزب البعث، وإطار المنافع الشخصية للنظام، وإذا تحررت من هذا القيد، فالشعب السوري خلاق ومبدع، ولا شي هناك يمنع أن تقفز سوريا اقتصادياً واجتماعياً، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى فترة عشر سنين حتى يعاد بناء سوريا الجديدة.

-الرئيس الأميركي باراك أوباما تحدث قبل فترة أنه يعمل على تقييم التدخل العسكري في سوريا ما إذا كان سيحدث فرقاً في حل الوضع السوري المتأزم منذ 22 شهراً أم أنه سيؤدي إلى تفاقم الأمور، كيف ترى الحل تدخل خارجي، أم أن الحل سيأتي من الداخل؟

الحل لن يأتي من الخارج لأنه يحتاج إلى مباركة أميركية، والقراءات السياسية للمشهد الأميركي الحالية تقول إنه في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما سيتم الابتعاد عن المشاكل الخارجية، ولابد من الالتفات إلى موضوع الإقتصاد الأميركي. يجب أن لا نعول على التدخل الخارجي، وإنما على الثوار الذين في الداخل، ونعول أكثر على وحدة المعارضة التي تعرضت لنكسات.

الثورة لها ثلاث أمور أساسية لتكون ناجحة، أولاً أن يكون لها قيادة تتمتع بكاريزما تشد مشاعر البشر، والبرنامج الواضح ليس في عشرين صفحة وإنما في ثلاث كلمات، فالثورة الفرنسية قامت على كلمات "حرية مساواة إخاء"، والأمر الثالث والمهم هو البعد الأخلاقي للثورة، فالثوار في الداخل يحاربون ضد قلة أخلاق هذا النظام، ضد حماقته وشراسته، وامتهانه للآخرين ومصادرة حرياتهم، وعدم فهمه للحياة البشرية والكرامة الإنسانية، ولا يمكن أن أكرر التجربة التي يمارسها النظام وأمارسها في الثورة، المعنى أنه يجب أن أملك قوة أخلاقية قائدة، تجعل الناس تلتف حولي وتؤمن بأنني سأقدم لهم الكرامة والحرية والقبول بالآخر. وأي منطق تسلطي إقصائي يحاول مصادرة الثورة وسرقتها والعودة بها إلى الوراء محكوم عليه بالهزيمة أمام حلم البشر بالحرية من كل فكر وسلوك مغلق.

-أمنية لمستقبل سوريا القريب من نبيل المالح!

أتمنى يوما أن أحمل منشورات وأتجول في شوارع دمشق، لأشجع مرشحين من سبعة أحزاب مختلفة لقيادة البلد، هذا الأمر يذكرني في خمسينيات القرن الماضي، في تلك الفترة كانت هنالك أحزاب كثيرة، ولكن الشارع اختصرها إلى عنوانين أو فئتين : إما تقدمي أو رجعي، والشخص الذي كنت متحمسا له بشكل كبير كان تقدمياً، وبعد فترة طويلة عرفت أنه من الطائفة المسيحية، في الحقيقة آنذاك دين المرشح لم يكن يعنينا وإنما فكره، أتمنى لهذا اليوم أن يرجع وأن أوزع منشورات وأقنع الناس أن هذا الشخص سيستطيع حمل المسؤولية في مجلس نيابي ديموقراطي.

بطاقة شخصية

*نبيل المالح من مواليد دمشق 28 سبتمبر، درس الاخراج السينمائي بمعهد السينما ببراغ، وحصل عام 1964على درجة الماجستير، وقدم خلال مشواره المهني أعمالاً فاقت الـ 150 فيلماً ما بين الروائي القصير والطويل والتسجيلي. قام بتدريس مادة الإخراج السينمائي والسيناريو لدى العديد من الجامعات، من بينها جامعة السينما في "أوستن - تكساس" وجامعة السينما في لوس أنجلوس، ونال أكثر من 60 جائزة دولية عن أفلام مثل "الفهد" (1972)، "الكومبارس" (1992)، "بقايا صور" (1978)، "إكليل الشوك" (1969)، "نابالم" (1969)، "حلب" (1965)، "الصخر" (1978)، "النافذة" (1978)، "المخاض" (1978)، "رجال تحت الشمس" (1970).

التعليقات (4)

    الأخوين ملص

    ·منذ 11 سنة 4 أسابيع
    الاستاذ نبيل المالح مبدع في كل شيء

    سينمائي سوري

    ·منذ 11 سنة 4 أسابيع
    نبيل المالح منظر لا اكثر و لا اقل....باستثناء فيلم الفهد لم يقدم عملاً مهماً...هو رجل يحب الانتقاد للانتقاد و لديه عقدة الخواجة

    متابعة من زمااااان

    ·منذ 11 سنة 3 أسابيع
    الى السينمائي السوري كلامك صح ... بس اللي بيقول الحق بهالايام بيشتموه ... و بكرة بيردوا علينا الاخوين و بيقولوا فيلم الكومبارس .. طيب ياسيدي و غيرو ... الاستاذ الكبير جدا جدا نبيل المالح شغلتو فاضية ... بس شو بدكون بالحكي .. يعني متحدث هههه .. نافع اكتر شي بهالايام ... بكل الاحوال ... في بكرة أكيد..

    الأخوين ملص

    ·منذ 11 سنة 3 أسابيع
    صديقتي (متابعة من زماااااااان ) احترم رأيك و يجب ان تحترمي رأي ولكن هل تعتقدين ان كلامك لائق و محترم و هل هذا نقد بناء .. لا اظن
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات