الطبقة وسد الفرات: أكذوبة التنمية تفسد حياة البشر!

الطبقة وسد الفرات: أكذوبة التنمية تفسد حياة البشر!
جاء تحرير مدينة الطبقة التي تتبع إدارياً لمحافظة الرقة، في العاشر من شباط/ فبراير 2013 ليعيد إلى واجهة الأحداث والتأملات هذه المدينة الصغيرة التي ارتبط اسمها بـ (سد الفرات العظيم) كما درج إعلام نظام الأسد على تسميته طوال عقود من حكم الأسد الأب الذي اعتبر سد الفرات إحدى منجزات حكمه!

لكن خلف تلك الصورة البراقة، يستعيد السوريون من أبناء المنطقة الشرقية خصوصاً، كيف تحول (الإنجاز العظيم) إلى كارثة، لطالما ملأت أفلام السينمائي الراحل عمر أميرلاي بالمرارة، وهو الذي أنجز أكثر من فيلم (ممنوع) ليقول هذا الكلام (الممنوع)، مجرداً القائد الخالد من منجزاته ومعجزاته!

هنا رؤية لواقع الطبقة المحررة، التي كان يطلق عليها اسم (مدينة الثورة) نسبة لانقلاب حزب البعث العسكري في الثامن من آذار عام 1963 الذي أضحى (ثورة) في عرف الاستبداد..رؤية لعلاقتها بسد الفرات، يتشابك فيها الاجتماعي مع الاقتصادي مع قيم الفساد التي ينشرها تغول الاستبداد.. ليصنع شعاراً كاذباً، لا يلبث أن ينهار حين يعود الجميع لرؤية ما حل بالمكان والبشر والأحلام والوعود!

(أورينت نت).

ســـد الفرات «العظــيم»: وعود التنمية التي أفرغت جيوب الســـوريين!

أورينت نت- تيسير أحمد

سقط سد الفرات «العظيم» بيد «العصابات الإرهابية المسلحة».. سقط المنجز الاقتصادي الأكبر للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. أصبح بيد الجيش السوري الحر الذي حطم مع كثير من السوريين تماثيل وصور الأب القائد (باني سورية الحديثة)، أما بحيرة الأسد فلن يعود اسمها كما كان بعد اليوم، ستصبح بحيرة الطبقة أو ربما سيطلق عليها أحد ما اسم صحابي جليل مدفون في تلك البقعة من أرض سوريا!

 السبعينيات: حلم الاشتراكية المثالي!

حفظ السوريون طوال العقود الأربعة الأخيرة، عن ظهر قلب أن المنجز الأهم للرئيس «الخالد» هو سد الفرات العظيم، الذي كان يعد بمواسم وافرة من القمح والقطن، وباكتفاء ذاتي من الكهرباء.

في سنوات السبعينيات اندفع الشباب، الطامح لتأسيس مجتمع وأسرة مثالية في ظل النظام الاشتراكي، إلى المدينة النموذجية «الطبقة»، التي بنيت وفق مخططات مجلوبة من السوفخوزات والكلخوزات السوفييتية.. مهندسون زراعيون منحتهم الدولة أراض ومساكن متشابهة، وما عليهم سوى إقامة مشاريعهم التعاونية الزراعية وفق الخطط الخمسية.

تحولت «الطبقة» خلال حقبة السبعينيات إلى مجتمع اشتراكي مثالي، كان يعتبره حافظ الأسد مفخرة من مفاخر سوريا الحديثة، شباب من مختلف المحافظات، من مختلف الطوائف والأديان، يبنون مجتمع سوريا الاشتراكي.

لم يستمر الحلم إلا قليلاً، فمواسم الخصب التي وعد الناس بها، تحولت إلى مواسم جفاف، والمستعمرات الزراعية، هجرها الشباب عائدين يجرجرون أذيال الخيبة إلى المدن التي خرجوا منها، باحثين عن فرصة عمل في إحدى دول الخليج، أو موسم هجرة إلى كندا أو أستراليا.. فوحش الفساد كان أكبر من الحلم، والقبضة الأمنية أقوى من عنفات سد الفرات.

 الثمانينيات: آلة لتوليد الكهرباء!

تحول السد خلال حقبة الثمانينيات إلى مجرد آلة لتوليد الكهرباء، ومياه البحيرة التي كان يحجزها خلفه أصبحت مجرد حوض كبير لتربية الأسماك.

ذات سنة كبرت سلالة من سلالات أسماك البحيرة، وتوحش بعضها وأصبح يهدد حياة الناس، ففكر بعض المسؤولين «الجهابذة»، الذين أرسلوا في بعثات رفعت الأسد، ذات سنة من ثمانينيات القرن العشرين، بتسميم البحيرة للتخلص من هذه الأسماك المتوحشة، ولكن الله لطف بعباده، فكميات السم المقترحة لن تكفي لعملية التسميم، فما كان من «عبقري» آخر إلا واقترح صعق الأسماك بالكهرباء، وهذا ما حدث، فلم تمت الأسماك المتوحشة فقط، بل ماتت أيضاً جميع الأحياء المائية وبيوضها.. وكان على السوريين ان ينتظروا سنوات عدة لكي تعود دورة الحياة إلى مياه البحيرة من جديد.

لم يستفد فلاحو الجزيرة من مياه السد، فاتفاقيات تقاسم المياه مع الأتراك والعراقيين، دخلت مراحل معقدة نتيجة الصراعات السياسية، وفي أغلب المراحل لم تكن تعمل في السد أكثر من عنفة واحدة من أصل ثمانية، فغرق السوريون في الظلام، وظهرت نغمة التقنين.

 التسعينيات: الكهرباء تعمل على الفيول!

في أواسط التسعينيات جمعتني مناسبة عزاء مع مسؤول كبير في وزارة الكهرباء، فسألته بمرارة، عندما انقطعت الكهرباء فجأة، وخارج وقت التقنين المقرر: ومتى ستجدون حلاً لمشكلة الكهرباء والتقنين، فضحك من كل قلبه وقال: «مو على دورنا»، لم أفهم يومها ماذا يقصد بالـ«نا» وعلى من تعود.. على المسؤولين والسلطة، أم على السوريين عموماً؟!

مع عقد التسعينيات أصبح سد الفرات مجرد ذكرى للتنمية الموءودة، والوعود الفارغة، لم يعد له أي دور في توليد الكهرباء، أصبحت محطات التوليد التي تعمل على الفيول هي المصدر الأساس.. وحلت شبكة الربط الكهربائي الإقليمية محله.

كانت العواقب البيئية التي نتجت عن السد أكبر بكثير مما يتخيل المخططون، إذ حجز السد التربة والطمي خلفه، وأفقرت الأراضي الزراعية على ضفتيه، وزاد تملح التربة وزحفت الصحراء حتى التصقت بضفة النهر.

 مطلع الألفية الثالية: الفلاحون هجروا قراهم!

في العقد الأول من الألفية الثالثة، حلت الكارثة بالجزيرة، هجر الفلاحون قراهم التي كانوا يعتاشون منها، وتحولوا إلى أجراء في ريف دمشق ودرعا، أصبح النازحون من الجزيرة يملأون شوارع دمشق، فأقاموا مخيمات بنيت من الأكياس على أطراف المدينة الغربية، وفي حقول درعا. ومن يخرج خارج دمشق باتجاه الجنوب كان يفاجأ بكمية المخيمات المبنية على عجل، كانت كارثة الجزيرة، القشة التي قصمت ظهر النظام، فبدأ يرسم السياسات التنموية لها، ولكن المصيبة كانت أكبر، فقد تلقت سوريا قبل ثورتها بعام واحد مساعدات غذائية لمليون سوري اضطروا للنزوح من قراهم في حوض الفرات والخابور، فأطلقوا على مأساتهم اسم «حسكافور» تتشبيهاً لها بمأساة دارفور.

عندما استولى الكتائب الثائرة من الجيش الحر وجبهة النصرة على مدينة الطبقة وسد الفرات، لم يجدوا إلا أرضاً يباباً، وسداً خارج الخدمة، تماماً كما هي أحلام التنمية والتقدم التي وعد نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد السوريين، ذات يوم من العام 1970، بتحقيقها ولم تتحقق.

جارة ســـــد الفــــرات: تاريـــخ متأصل من العــداء للنظــــــام!

أورينت نت- أحمد صلال

تتبع مدينة الطبقة التي تداولت وكالات الأنباء خبر تحريرها من سلطات نظام الأسد مؤخراً إلى محافظة الرقة إدراياً.. فهي لا تبعد عن مركز المدينة أكثر من (50) كيلو متراً، وهي تقع على الخاصرة الجنوبية لبحيرة الفرات.. ويفصلها عن محافظة حلب مسافة جغرافية تقدر بـ (150) كلم.

تاريخ المدينة الحديث يرتبط بتاريخ إنشاء سد الفرات مطلع سبعينيات القرن المنصرم، وتتألف المدنية من ثلاثة أحياء سكنية ملاصقة للبحيرة المطلة على السد، بالإضافة إلى القرية التي تمثِّل الجزء القديم من المدينة، ويقطنها ما يقارب الـ 75000 ، وفيها سوق تجاري ومحلات صناعية تشكِّل رديفاً للعمل الزراعي، بالإضافة للريف القريب أيضاً، وتعدُّ المدينة عقدة مواصلات طرقية حيوية، حيث إنها تتوسط قلب الشرق السوري، وتفصل بين المنطقة الشمالية والجنوبية والمنطقة الشرقية والغربية.

 فيسفاء وافدة صنعها السد!

ينتمي سكان القرية والريف لقبيلة الناصر العائلة المنتفضة ضد النظام بالكامل، وهم شيوخ قبيلة الولدة العربية العريقة،وتقطن هذه المدينة منذ التاريخ العثماني ويشهد لها بممارسة فعل وطني ضد القوى الاستعمارية التي مرت في تاريخ المدينة وآخرها الاستمعار الأسدي الذي بذلت على مذبح الحرية 7 من أبنائها المقاتلين في الجيش الحر ومايناهز من مئة معتقل.أمَّا الأحياء الثلاثة الحديثة التي تشكل المدنية، فيقطن فيها فسيفساء سوري من كل محافظات سوريا؛سكنوا هذه المدنية حينما قدموا للعمل في السد، وشكلوا بنية اجتماعية متجانسة ليس لها مثيل، حتى لهجة أبناء هذه المدنية نتيجة التزاوج بين عدد كبير من اللهجات أضحت مغايرة للمألوف السردي اللهجوي المعتاد،بالإضافة لوجود جالية روسية صغيرة نتيجة الهجرة التي شهدتها خلال السنوات الأخيرة وكانوا خبراءً عاملين في السد ومهندسين.

ويرتبط تاريخ هذه المدينة بتاريخ متأصل من العداء مع النظام و موروثاته في إحدى جوانبها سياسية والأخرى اقتصادية، فالسياسية تتجسد في محاولات النظام تفريغ البنى الاجتماعية من موروثاتها السياسية والثقافية والوطنية والتدخل بشؤونها القبلية، ومحاولة خلق زعامات اجتماعية ذات كاريزما موالية له، وهذا لم ما لم يفلح به!

أمَّا الاقتصادية فتتجلى بغمر مياه نهر سد الفرات لمساحات شاسعة من أراضيهم الزراعية الخصبة وعدم تعويضهم عنها، والقيام بنقل جزء منهم نحو مناطق الشمال في محافظة الحسكه ضمن التهجير الذي أطلق عليه"مشروع الحزام العربي"، للتخلص من بنى اجتماعية متأصلة في المشهد الوطني وغير مهادنة للاستبداد تاريخياً.

كانت مدينة الطبقة ثالث مدينة سورية خرجت نصرةً لدرعا شرارة الثورة وتحديداً ب23-3-2011 آنذاك، وشهدت مظاهراتها السلمية قمعاً من قبل أجهزة أمن وجيش النظام، وقامت على خلفيتها حملة اعتقالات كانت حصيلتها اعتقال أكثرمن خمس وثمانين ناشطاً في يوم واحد،وقد فاوضت الأجهزة الأمنية على إطلاق سراحهم مقابل التوقف عن القيام بأيِّ شكل من أشكال النضال السلمي ، ولكنّ الطبقة استمرت وبزخم مدني رفيع المستوى، وكانت أعداد المظاهرات مقارنةً بالعد الإجمالي للسكان كبير نسبياً رفعت فيها شعارات الحرية والعدالة والمدنية والكرامة، وشاركت في أغلب جمع الثورة السورية ، ولم تتأخر سوى عن جمع قليلة نتيجة تغيب أعداد كبيرة من المعتقلين في الأقبية الأمنية، ولم يستثنِ ذلك أكثر من ثمانية عشر طفلاً تم اعتقالهم في إحدى جمع الحرية، وتعرضت المدينة لتهميش إعلامي جعل مفصلاً كاملاً من تاريخ الحراك السلمي ليس معروفاً بالشكل الكامل.

 بيوت الطبقة تضمد جراح الريف الحلبي!

وشهدت المدنية خلال شهر رمضان الفائت حركة نزوح كبيرة من الريف الحلبي، فبلغ عدد النازحين كما أفاد التوثيق الذي أدلى به ناشطي الحراك السلمي15ألف نازح ، بالإضافة إلى أولئك الذين نزحوا إلى أقارب ومعارف لهم، مما أعاق توثيق أعدادهم ولم تتلقَ المدينة مساعدات إغاثية وإنسانية من أية جهة كانت، واعتمدت على مقدرات ذاتية من مجموع شخصيات وأعيان المدينة لكي يعيلوا هؤلاء العوائل، وشكل فريق عمل تطوعي من خمسين شابا ذكوراً وإناثاً تعهّدوا بالسهر على راحة وتأمين متتطلبات الضيوف كما يحب أن يسميهم هؤلاء الشباب، وعلى خلفية ذلك، شهدت مدارس عديدة من المدينة توقفاً عن العمل نتيجة استعمالها لصالح الإيواء. ونتيجة اشتداد القمع البوليسي بحق ناشطي الحراك السلمي وأشكاله، انتقل الحراك لمنحى الكفاح المسلح، وتم تأسيس بعض الكتائب التي قامت بعمليات نوعية واستهدفت مراكز أمنية واستخباراتية وعسكرية وأوقعت ضربات موجعة بهم، وما كان من النظام غير أن اعتبر منطقة القرية خارجة عن سيطرة النظام وثائرة ضده، وعلى إثر ذلك قام بمحاصرتها وعزلها عن الأحياء، والقيام باعتقالات واسعة واستهدافها بالقصف المدفعي والأسلحة الثقيلة والرشاشات، مما أودى بحياة الكثير من المدنيين واستمر الكفاح المسلح.

 وقائع تحرير المدينة!

خلال أقل من24 ساعة في الثلث الأول من شهر شباط 2013 قامت كتائب الجيش الحر العاملة في الطبقة وهي"أويس القرني"و "أحرار الطبقة" وآخرين بتحرير المدينة من المظاهر الأمنية والعسكرية للنظام، والتي تتشكل من: فرع المخابرات العسكرية الجوية- مفرزة الأمن العسكري- مفرزة الأمن السياسي- مفرزة أمن الدولة- مفرزة الشرطة العسكرية- مديرية المنطقة التي تحولت لثكنة عسكرية -وفوج من الهجانة منوط به حماية السد ومنشآته الصناعية، وأسفرت معارك التحريرعن استشهاد سبعة من أفراد الجيش الحر مقابل47 من جيش النظام وأسر أكثرمن 59 من أفراده واثنين منهم برتب عالية بالإضافة لعدد من الضباط.. بينما البقية فروا بطائرة هلكوبتر تاركين جنودهم لمصائرهم, لكنَّ الجيش الحر لم يقم بضرب أو التنكيل بأي أسير، وسمح لبابا سمعان راعي كنيسة الطبقة بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم، وأعلن الجيش الحر عن مقايضتهم بأسرى للجيش الحر لدى النظام وعدم قبول المقايضة المالية أو المادية في تصرف ينم عن أخلاقيات وقيمة تفكير الجيش الحر. والآن تعدُّ مدينة الطبقة محررة بالكامل مع سد الفرات، ويسثتنى مطار الطبقة العسكري الذي يبعد6 كلم عن المدينة، ويقع في منقطة صحراوية معزولة وتتم محاصرته الآن من قبل الجيش الحر، والمطار يحوى على سرب طائرات ميغ وسيخوي وعدداً من المروحيات الحربية من طراز م 25 التي تتميز بالقصف عن قرب،بالإضافية إلى ترحيل أسراب من الطائرات التي كانت موجودة في مطارات الريف الحلبي الملاصق لمدينة الطبقة وخاصةً كويريس الذي نجح الجيش الحر ببسط سيطرته عليه، مما يجعل هذا المطار طريق إمداد ومركز لتحليق طائرات لا توفر أي نوع من أشكال الذخيرة بحق المدنيين العزل، بالإضافة إلى كونها تشكل تهديداً مباشراً لجسم سد الفرات الذي يحذر خبراء من أنه قد يتعرض لتشققات قد تنتج عنه كارثة إنسانية إذا استمر القصف وخاصةً عبر البراميل والقنابل العنقودية مما قد يعرضه لاهتزازت كفيلة بإحداث المحظور،وخاصةً أن السد ترابي ويحوي خلفه كمية تقاربالـ 14مليون متر مكعب من المياة قد يمحى محافظتي الرقة ودير الزور عن الوجود كما أفاد الخبراء وقد تتأثر به العراق أيضاً.

الطبقة الآن مدينة محررة.. تحلم كما كثير من المناطق الشرقية بتسليط ضوء إعلامي ينتشلها من التهميش، وعلى صعيد أخر فالمدينة بحاجة إلى مساعدات إغاثية عاجلة، وتشكيل لجان عسكرية وسياسية لمتابعة موضوع السد الذي يعدّ أخطر تحدٍ يواجه قوى الثورة والمعارضة السورية، وهناك مخاوف من فعل وحشي قد يقدم عليه النظام إن هو استهدف السد، وفي وقت سابق وخلال التحرير كانت هناك تهديدات جادة بالقيام بهذا الفعل.. وإن تلاشت نسبياً مع مرور الوقت.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات