معضلة مشاريع إيواء المهجرين بالشمال السوري بين الحاجة الملحة والتغيير الديمغرافي

معضلة مشاريع إيواء المهجرين بالشمال السوري بين الحاجة الملحة والتغيير الديمغرافي

منذ سنوات بات سقف أحلام المهجرين في المخيمات شمال سوريا الحصول على منزل بجدران وسقف يريحهم من أقمشة الخيمة المهترئة التي لا تحجب عنهم برد شتاء ولا حرارة صيف، إذ إن السنوات الفائتة وتجاوز مرحلة الطوارئ التي وُفرت لأجلها الخيام كانت كفيلة للبحث عن حلول مستدامة بعيًدا عن تلك الطارئة التي تؤمنها المنظمات الإنسانية.

وحسب دراسة أجرتها منظمة وحدة تنسيق الدعم "ACU" فقد قدرت عدد المشاريع السكنية التي أقيمت في السنوات الماضية بنحو 117 مجمعًا سكنيًا في ريف إدلب وعفرين، وريف حلب الشمالي والشرقي. لقرابة 

ويندرج بناء هذه الوحدات السكنية ضمن إستراتيجية إرساء الاستقرار، فقد بُدِئ ببناء أكثر من 57 ألف منزل في إدلب من أصل 77 ألف منذ العام 2019، ثم مؤخرًا ما أعلن عنه وزير الداخلية التركي "سليمان صويلو"، في أيار/ مايو الفائت من إطلاق مشروع وحدات سكنية متوزعة ما بين عدة مناطق شمال سوريا، ستستقبل ما أسماه بـ "العائدين طوعيًا" على أن ينتهي هذا المشروع بتجهيز 240 ألف مسكن لمليون شخص خلال 3 سنوات على أبعد تقدير.

تحسين بيئة النزوح أم تغيير ديمغرافي؟

على الرغم ممّا تشكله هذه التجمعات السكنية المستحدثة من تحسين بيئة النزوح وطوق نجاة للاجئين العائدين، إلا أن الأنظار تتجه نحو هذه المشاريع بوصفها مشاريع ترسّخ توطين السوريين ومبدأ التغيير الديمغرافي وإلغاء فكرة عودتهم إلى أوطانهم الأصلية ضمن باقي المحافظات السورية.

ويوجد في الشمال السوري قرابة 1873 مخيمًا ومركز إيواء ومخيمات عشوائية متناثرة، ما بين خيام، وكرفانات، ووحدات سكنية، ومنازل مصنوعة من الطوب، شكلت خلال مرحلة الطوارئ، وتضمّ أكثر من مليوني نازح، من أصل ما يزيد عن ستة ملايين يعيشون ظروفًا مأساوية مرعبة، حسب الفريق الإحصائي "منسقو استجابة سوريا". 

في حديثها لأورينت، وصفت "كندا حواصلي"، مديرة الوحدة المجتمعية بمركز الحوار السوري، موضوع الإيواء في حالات الصراع وحالات النزوح بـ "المقلق"، لأن حالة النزوح يفترض أن تكون مؤقتة ريثما تهدأ الأوضاع وتعود الأمور إلى ما هي عليها، مؤكدة على ذلك بأن أغلب المنظمات الدولية لا تدعم مشاريع الإيواء غير المؤقت أو المشاريع الدائمة (الأبنية لسكنية أو الأبنية الإسمنتية) لأنها تعتبر ذلك ترسيخًا لوضع مؤقت.

ومن المعروف أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وعلى غرار الجمعيات الإنسانية لا تشجع على أي مشروع من مشاريع البناء الإسمنتيةـ لأنها تعتبر المخيمات حالة مؤقتة، وإنما تمول نموذج المخيمات القماشية أو نموذج الكرفانات مثل "مخيم الزعتري" في الأردن، والهدف من ذلك عدم تثبيت عملية وضع راهن بحيث تتحول هذه المخيمات من مخيمات قماشية إلى مخيمات إسمنتية ثم تتوسع أكثر فأكثر لتصبح مثلاً كمخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق والذي أصبح أمرًا واقعًا.

تشير "حواصلي"، إلى أنه مع فترة الصراع الطويلة في سوريا بات من غير المقبول إبقاء النازحين في المخيمات البدائية بالعراء، دون مقومات حياة ضرورية، وهذا ما دفع الكثير من المنظمات إلى البحث عن حلّ ينقل العائلات لسكن لائق رغم ما خلّفته تلك المساكن من إشكالات تنظيمية وعمرانية ومن ترسيخ لعملية التغيير الديموغرافي واستنزاف الموارد، وإمكانية التكيّف المجتمعي الأكبر مع الواقع الجديد، والذي بدوره يؤثر على رغبة العائلات بالعودة لأوطانهم الأصلية في حال التوصل لحلّ سياسي.

ويبدو أنه من الصعب الموازنة بين ثنائية حاجة المدنيين المهجرين لسكن اللائق يحفظ كرامتهم ويخلّصهم من المخيمات بعد سنوات من النزاع، وبين تعزيز التغيير الديموغرافي الذي يتحمله أساسًا المجتمع الدولي والأمم المتحدة، إذ تمّت عمليات التهجير الممنهج تحت إشرافها عبر قوافل الباصات الخضراء، لذا بات من الصعب الوصول لحلّ مثاليّ.

"نحن أمام مليوني شخص قاطنين بالمخيمات لا سيما بعد الزلزال، فلدينا عائلات تقيم بالمخيمات منذ سنوات، ولدينا مخيمات كمخيمات "قطمة" بدأت تتحول إلى كتل إسمنتية جديدة، كما لدينا مشاريع إيواء جديدة لأن الناس بحاجة إلى حلّ، فإمّا مساعدة الناس على العيش بشكل لائق وما يترتب عليه من إشكالية مشاهد تغيير ديموغرافي بات شبه واقع بكافة مناطق سوريا، أو ترك الناس لمواجهة مأساتهم في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة"، تختم حواصلي.

هل تسعى تركيا لتعزيز التوطين؟

حسب دراسة قدّمها "معهد الجامعة الأوروبية"، شباط/ فبراير الفائت، فإن أفضل وصف يمكن إعطاؤه لتدخّلات الجهات الفاعلة الإنسانية في قطاع الإسكان هو أنها تحوّلاتٌ لمراكز إيواء النازحين، لا خطة إعادة توطين واسعة النطاق.

وهو ما يراه المحامي السوري "عبد الناصر الحوشان"، خلال حديثه لأورينت، نافياً جملة وتفصيلاً أن تكون هذه الوحدات السكنية بهدف توطين النازحين وجعلها بديلاً عن موطنهم الأصلي، بل إن الهدف هو إنساني بحت يساهم في إنهاء معاناة المدنيين في مخيمات سيئة.

وردّ حوشان على ما يمكن أن يُفهم من أن المشاريع السكنية المستحدثة هي إنهاء حلم المهجّرين بالعودة لمحافظاتهم بالإشارة إلى أن التغيير الديمغرافي هو إفراغ منطقة من قاطنيها الأصليين واستقدام سكان بدلاً منهم، وهو ما حصل في المناطق التي سيطرت عليها ميليشيا أسد والميليشيات الموالية، حيث استجلبت عائلاتها ونهبت ممتلكات السكان الأصليين بعد طردهم بعمليات تهجير قسري. 

واعتبر الحوشان أن المشاريع السكنية هي حالة مؤقتة وليست دائمة وهذا ما يمكن ملاحظته من طبيعة الأحياء السكنية الضيقة وغير المعدة للسكن طويل الأمد، باعتبار حجمها وتصميمها فهي لا تكرس ديمومة الاستيطان، ولا تعد حاجزًا أمام عودة المهجرين إلى مناطقهم الأصلية في المستقبل.

وتُتهم تركيا بترسيخ التغيير الديمغرافي وصنع حزام موالٍ لها من المكون السنّي على حدودها، ويُلمح ذلك عبر تسهيلها عمل المنظمات ودعمها في إنشاء التجمعات السكنية، إذ إن بناء المنظمات الإغاثية التركية والسورية للوحدات السكنية يتم بالتنسيق مع رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، إضافة لملاحظة بناء هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) أكثر من 25 ألف وحدة سكنية منذ عام 2019.

يشير المحامي الحوشان إلى أنه لا مصلحة لتركيا في تعزيز التغيير الديمغرافي، بل من مصلحتها وجود تنوع في هذه المنطقة. "فنحن نلاحظ وجود العرب والتركمان والأكراد ونلاحظ وجود قرى إيزيدية وبعض القرى العلوية، كما إن تركيا ساعدت التركمان والأكراد الذين عانوا من التطهير الواسع بحقّهم سواء من النظام أو من الميليشيات الكردية الانفصالية".  

"هدف تركيا باختصار قطع المشروع (الأمريكي- الكردي) الانفصالي عبر الأدوات نفسها سواء من العرب السنة والتركمان السنة والأكراد السنة أكانوا من السكان الأصليين أم من المهجرين، لأن المشروع الانفصالي يشمل كل المناطق المحررة وصولًا لحلب"، يختم الحوشان حديثه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات