سباق مع روسيا على الانتهاكات: هل يجني نتنياهو ثمار شجرة التطرف الإسرائيلية؟

تكاد لا تتوقف التصريحات الإسرائيلية الداعية لتطبيق عقاب جماعي على الفلسطينيين في غزة وإبادتهم ومحو مدنهم من الوجود، حيث ذكرت صحيفة النيويورك تايمز أن ثمانية عشر ألف تغريدة إسرائيلية وردت فيها هذه الدعوات منذ يوم السابع من أكتوبر، مقابل ست عشرة تغريدة فقط خلال الشهر والنصف التي سبقتها، ما يدل على حجم التطرف الذي بدأ يطغى على المجتمع الإسرائيلي حسب الصحيفة الأمريكية.  

تشبيه وزير الدفاع الإسرائيلي "يوآف غالانت" الفلسطينيين بالحيوانات البشرية كان أكثر ما أثار ردود الأفعال المستنكرة مع بداية الحرب، لكن ربما لم ينتبه الكثيرون إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي وثق على نفسه وحكومته جريمة حرب هي منع إمدادات المياه والطعام والوقود عن أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في غزة، وضمن ذات السياق استشهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "بنبوءة أشعياء" في التوراة وهي التي تتحدث عن قتل كل نساء وأطفال الأعداء في معرض حديثه عن العملية البرية لاجتياح قطاع غزة، إضافةً لدعوة وزير السياحة الإسرائيلي إلى ضرب غزة بقنبلة نووية. 

جميع هذه التصريحات من غير المُحتمل محاسبة إسرائيل عليها، لكن الجرائم التي نُفذت بالفعل والموثقة بشهادات المسؤولين الإسرائيليين هي ما يمكن اعتمادها كجريمة حرب أو جريمة إبادة جماعية، إذ يعتقد الدكتور غياث أحمد دك المختص بالقانون والعلاقات الدولية، أن الحصار المفروض على غزة لسنوات قبل الحرب الحالية يُعتبر جريمة حرب، وقطع مياه الشرب عن أهالي قطاع غزة يندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية ومن الممكن ملاحقة إسرائيل عليها مستقبلاً. 

الحرمان من المياه كوسيلة حرب.. خرق فاضح للقانون الدولي 

آلاف جرائم القتل والتدمير للمباني والمخيمات والمدارس والمشافي يحاول الجيش الإسرائيلي التنصل من مسؤوليته عنها، بادعاء استهدافه مقاتلين في هذه الأماكن وهو ما تتماشى معه وتبرره تصريحات المسؤولين الأمريكيين وتقارير وتغطيات وسائل الإعلام الأمريكية، بزعم أن مقتل المدنيين والأطفال أضرار جانبية للعمليات العسكرية المشروعة، لكن توثيق استخدام حرمان السكان من المياه والطعام كوسيلة عقاب جماعي من الصعب إنكارها، حيث إنه رغم الجرائم المتعددة التي ارتكبها الرئيس الروسي "فلادمير بوتين" في سوريا وأوكرانيا، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت قراراً باعتقاله ومحاكمته على مسؤوليته عن عملية ترحيل غير قانونية لأطفال من أوكرانيا إلى روسيا، وهي ما يمكن اعتبارها جريمة بسيطة مقارنة بالإبادة الجماعية وقصف المدن والمدارس والمستشفيات وايقاع آلاف الضحايا. 
 
يرى أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد نور حميدي أنه بغض النظر عن الآلية والأدلة التي يمكن محاكمة المجرمين من خلالها، فإن مجرد البدء بمحاكمتهم أو إصدار قرار بتوقيفهم سواء من محكمة دولية أو محكمة وطنية خاصة كما فعلت محكمة فرنسية بحق "بشار أسد"، فهو انتصار للعدالة ووسيلة ضغط لإدانة جرائم الحرب والمساهمة بعدم تكرارها.   

روسيا وإسرائيل تتصدران الهجمات على إمدادات المياه حول العالم

صحيفة الغارديان البريطانية نقلت عن مركز دراسات المحيط الهادئ المختص بتعقب الصراعات على المياه تأكيده أن عام 2022 شهد رقماً قياسياً بعددٍ الصراعات حول المياه بمئتين وثمانٍ وعشرين حادثة عنف، وهو ما أتى مدفوعاً بالهجمات الروسية في أوكرانيا على السدود ومحطات المياه، وما يتجاوزها من الهجمات الإسرائيلية على مصادر المياه والآبار ومحطات التحلية في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يرى مركز دراسات المحيط الهادئ أن الفلسطينيين هم الأكثر معاناة من العنف المائي في المنطقة، إذ تستخدم إسرائيل العنف لفرض سيطرتها على الإمدادات المحدودة في الأراضي المحتلة.
 ومن المتوقع حسب المركز أن يشهد العام الحالي 2023 رقماً قياسياً جديداً يتجاوز العام الماضي على خلفية قطع إسرائيل لمياه الشرب عن أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، وقصف محطات معالجة الصرف الصحي ومحطات التحلية ومنع الوقود لتشغيلها، حيث يضطر الفلسطينيون إلى الشرب والطهو والاستحمام بالمياه الملوثة أو مياه البحر.

جرائم الحرب وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وملاحقة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية تبقى فعلاً رمزياً لا يحقق الكثير للضحايا، في الوقت الذي يتحكم فيه الأقوى غالباً بتطبيق القانون وبمسار الأحداث، لكن حرمان المجرمين من الاطمئنان الكامل وأنه لا يوجد من يحاسبهم حتى إعلامياً أو رمزياً يجعلهم لا يتمادون في جرائمهم على الأقل وهو ذاته ما ينطبق على نظام "بشار أسد" في سوريا الذي بدأ يتعرض لعدة محاكمات على بعض جرائمه بحق السوريين أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي وفي فرنسا وربما لاحقاً رفقة قادة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.