الساحات لم تعد واحدة

الساحات لم تعد واحدة

شهدت الساحة اللبنانية والفلسطينية على حدٍ سواء، حالة من الانتظار الدقيق لما سيقوله زعيم ميليشيا حزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة الماضية، وقد سادت التوقعات بأن الكلمة ستحمل تصعيداً كبيراً، بينما توقع آخرون بأنه سيقوم بالإعلان عن المشاركة المباشرة في الحرب، في تطبيق عمليّ لنظرية "وحدة الساحات"، التي روّج لها "المحور" بشكلٍ مبالغ فيه في الأشهر الماضية، إلا أن مضامين الخطاب أجهضت هذه التوقعات، وأكدت استمرار المناوشات ضمن ما أصبح يُعرف بـ"قواعد الاشتباك" تجاه المناطق المحتلة في جنوب لبنان، وقد وصف المتابعون بأن الخطاب تحليلٌ سياسي طويل، لأحداث يعرفها الجميع.

وبعيداً عن مواقف الأطراف المختلفة، والإشارات المتكررة من قبل عددٍ من قيادات حركة حماس بأن المطلوب من "الحزب" أكبر مما يقوم به، شكل الخطاب ضربةً قاسمة لما يُعرف بـ"وحدة الساحات"، وهي النظرية التي تقول إسرائيل بأنها تعود لصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، وتعني خوض عدة جبهات أو ساحات بحسب النظرية حرباً ضد "إسرائيل"، بهدف استنزافها على الصعد العسكرية والاقتصاديّة والعملياتيّة، وتقوم بشكلٍ أساسي على إسناد الساحات الأخرى الحرب مع غزة من خلال قصف المدن الإسرائيلية، عبر رشقات صاروخيّة مكثفة، إضافةً إلى الهجمات الأخرى، ما يمنع الجيش الإسرائيلي من تركيز جهوده الحربية تجاه جبهة واحدة.

وبناء على ما تحمله هذه النظرية من فعلٍ ميداني متنوع، ولكن مباشر، وعلى انكفاء "حزب الله" عن خوض معركة شاملة انطلاقاً من جنوب لبنان، يُمكن القول بأن هذه الساحات لم تعد واحدة، إذ تُشير العديد من المصادر بأن إيران غير معنية حالياً بفتح معركة شاملة عبر أيّ من أذرعها في المنطقة، خاصة بعد ما استطاعت تحقيقه في المفاوضات مع الولايات المتحدة بوساطة قطرية، والإفراج عن عددٍ من المليارات، إلى جانب الملف النووي، الذي لن تفرط به بسهولة إيران، وقد تتالت الإشارات بشكلٍ معلن أو مستتر، بأن النظام الإيراني لن يخوض أي معركة مباشرة، وهي واحدةٌ من الدروس التي استفادتها إيران على أثر حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي، فيما تحرك أذرعها وميليشياتها في الإقليم.

سقوط وحدة الساحات على الرغم من الوعود الموهومة وتسكين الجماهير الثائرة بأن "الاحتمالات" مفتوحة، هو سقوطٌ لا رجعة عنه، فقد مضى على انطلاق الحرب على غزة أكثر من شهر، وسقط فيها ما يربو عن 10 آلاف قتيل، وآلاف الجرحى، وعوضاً عن وضع النظرية مدار التطبيق الجدي، اختارت إيران أن تحرك الميليشيات اليمنية أو العراقية لضرب أهداف أمريكية أو استهداف إسرائيل بالصواريخ بعيدة المدى، وهو خيار لا قيمة له في ميدان المعركة، خاصة أن المسيرات والصواريخ التي تُطلق من اليمن تعترضها الأساطيل الأمريكية في البحر الأحمر، أو منظومات الدفاع الجوي في السعودية والأردن، ولا تكاد تصل إلى "إسرائيل"، بينما الجبهة الأقرب للأراضي المحتلة، والأقدر على استهداف الجيش الإسرائيلي تتحرك ببطء شديد لا يتناسب مع حجم الضخ الإعلامي الذي رافق التسويق لوحدة الساحات، أو الذي سبق خطاب نصر الله يوم الجمعة.

"لقد سمعنا جعجعة، ولكن لم نرَ طحنًا".. ربما كانت أكثر عبارة انتشرت على أثر انتهاء خطاب نصر الله، والتي شكلت بشكلٍ أو بآخر عامل طمأنينة لإسرائيل، فبعد دقائق معدودة منه، استهدف الجيش الإسرائيلي سيارات الإسعاف أمام بوابة مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة، ومنذ يوم الجمعة وتصعّد قواته من قصف المدنيين وارتكاب المجازر الفظيعة، بينما تتابع الساحات المختلفة، استهداف "العواميد" والرادارات، أو إطلاقاتٍ إعلامية بعيدة المدى أو المنال.

لم تعد "وحدة الساحات" قيد الاختبار، فالساحات لم تعد واحدة...

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات