لماذا لم تنخرط ميليشيا قسد بالصراع الأمريكي- الإيراني؟ وكيف تستفيد من الحياد؟

لماذا لم تنخرط ميليشيا قسد بالصراع الأمريكي- الإيراني؟ وكيف تستفيد من الحياد؟

لا تزال ميليشيات قسد تنأى بنفسها عن الصراع الإيراني- الأمريكي الذي ارتفعت وتيرته بعد عملية "طوفان الأقصى" في غزة جنوب فلسطين، إذ لا يزال القصف المتبادل بين الميليشيات الولائية لإيران والقوات الأمريكية، في الوقت الذي تعيش فيه قسد حالة استنفار واسع جراء اشتباكات عنيفة تخوضها ضد بعض العشائر العربية، كانت قد اتهمتها قسد بالتبعية لميليشيا أسد. 

يعد نهر الفرات حدًّا طبيعيًّا فاصلًا بين شرقه حيث مناطق سيطرة قسد إلى جانب قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وبين غربه حيث مناطق سيطرة ميليشيا أسد والميليشيات الإيرانية، وتربط بين الضفتين عدة معابر نهرية تستخدم في عمليات التهريب، بين الطرفين ولا سيما النفط.

ارتباط العمال الكردستاني بإيران

يدور حزب العمال الكردستاني  في الفلك الإيراني، فهو إلى جانب حزب الله اللبناني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وجماعة الحوثي وغيرها من الميليشيات الموالية لإيران جزءٌ لا يتجزّأ من منظومة الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، وبالتالي يمكن اعتبار مشروع هذه المنظومة داخل سوريا وظيفيًا لا أكثر.

في تحليل نشره "معهد كارنيجي للدراسات"، جاء فيه، إنه وبينما كان حزب العمال الكردستاني يشنّ هجمات كثيرة في تركيا منذ اندلاع الثورة السورية، كان من اللافت تسجيل زيادة في أعداد المقاتلين المصابين من أصل إيراني-كردي (مؤشر لزيادة مشاركتهم في العنف)، في حين أن حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)  النسخة الإيرانية من حزب العمال الكردستاني أوقف تقريبًا عملياته على الأراضي الإيرانية.

وأشار تحليل المعهد إلى تقارير تفيد بنشوء تحالف إستراتيجي بين العمال الكردستاني  وإيران في محاولة لممارسة ضغوط على تركيا، وتعزيز موقع الأسد في سوريا من جديد.

في آب/ أغسطس الفائت وبعد ارتفاع حدة التوترات بين الجانب الأمريكي والميليشيات الإيرانية شمال شرق سوريا، نفت ميليشيا قسد عبر مدير مركزها الإعلامي، "فرهاد الشامي" انخراطها في أي عملية ضد إيران في سوريا، كما نفت الأنباء التي تحدثت عن احتمالية الصدام مع الميليشيات الإيرانية غرب الفرات في حال تعرضت لضغوط أمريكية، وهو ما يرسخ فكرة هيمنة جناح كبير داخل قسد يتبع لحزب الـpkk الذي تربطه علاقة وثيقة بإيران والنّظام.

يشير "سامر الأحمد"، باحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، خلال حديثه لأورينت، أن ميليشيا قسد رغم إعلان موقفها من أنها لن تشترك في أي معركة ضد ميليشيات إيران، أو ضد ميليشيا أسد في دير الزور، إلا أنها بالنهاية تتبع أوامر مموليها حالها كحال أي ميليشيا، مضيفًا "احتمال مشاركة قسد واردٌ رغم استبعادي صراع ميليشياتي بشكل مباشر خلال الفترة القريبة، لكن السؤال الأهم إلى أي مدى يمكن للجانب الأمريكي الاعتماد عليها وإشراكها لا سيما أن قيادات حزب العمال الكردستاني تتمتع بعلاقات جيدة جدًا مع الحرس الثوري الإيراني.

من جهته يتفق الباحث السياسي المختص في شؤون منطقة شرق الفرات بمركز جسور للدراسات، "أنس الشواخ"، مع الأحمد في "أن قسد لا يمكنها المشاركة في أي قتال ضد ميليشيا أخرى دون أن تحقق لها المشاركة مصلحة ما، لذلك يمكن أن تعتمد أمريكا على الفصائل ذات المكون العربي والمنتمية لقسد، في حال مواجهة الميليشيات الإيرانية".

وفق تقدير موقف  قدّمه مركز "جسور للدراسات الإستراتيجية"، كانون أول/ ديسمبر الفائت، أشار فيه إلى أنه من الصعوبة عزل حزب العمال ممثلاً في وحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة وحزب الاتحاد الديمقراطي كذراع سياسية، عن قسد وفكّ ارتباطهما، خاصة أن وحدات حماية الشعب والمرأة يشكلان القوة الرئيسة في قسد منذ تأسيسها، إضافة لتدخل الحزب في كافة مستويات الإدارة العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في مناطق سيطرتها.

ترقبٌ حذر دون صدام ممتدّ

بعد سلسلة من المعارك العنيفة بين ميليشيا قسد وقوات من العشائر العربية في دير الزور، أطلقت "قسد" مشروعًا جديدًا لنشر 120 نقطة عسكرية على ضفاف نهر الفرات في المناطق الواقعة تحت سيطرتها من محافظة دير الزور، من بلدة الجزرات غرب دير الزور وصولاً إلى الباغوز أقصى شرق المحافظة، لمنع تهريب المحروقات، ومنع تسلل عناصر تابعين للنظام والميليشيات الإيرانية إلى مناطق سيطرتها.

مشروع قسد كان قد سبقه تطور لافت وهو تنفيذها قصفًا صاروخيًا طال مدينة الميادين التي تحكمها ميليشيات ولائية لإيران، مخلّفة قتلى وجرحى، وذلك ردّاً على شنّ مجموعات من النظام والأجهزة الأمنية التابعة له، في 29 من الشهر الفائت، هجومًا بالمدفعية الثقيلة والهاون وأسلحة "الدوشكا" على قرى وبلدات أبو حردوب، ذيبان، وأبو حمام، مخلفًا قتلى بينهم مدنيون.

وكان موقع "نهر ميديا" (المهتم بأخبار دير الزور)، قد نشر تحقيقاً أكد فيه مشاركة وجهاء عشائر موالين لميليشيا أسد والميليشيات الإيرانية في انتفاضة العشائر العربية قبل شهرين ضد قسد، وقطعهم نهر الفرات بعد التواصل مع أقرانهم شرق الفرات، حيث نسقت تلك المجموعات نشاطها ووجودها في مناطق سيطرة قسد شرق الفرات ضمن حركة أطلقت على نفسها (حركة أبناء الجزيرة والفرات).

يقول الباحث الكردي، ومدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إبراهيم كابان، لأورينت، إن "قسد مهتمة الآن بإنهاء ملف جماعة "الهفل" المدعوم من تركيا والنظام، حسب وصفه"، لافتاً إلى أن تحركات "الهفل" بهذا الوقت هي من أجل منع قسد من الوصول إلى جنوب نهر الفرات المتاخم لنقاط النظام والميليشيات الإيرانية.  

ويبدو أن موقف قسد من عدم الانخراط في أي مواجهة مع إيران كانت دافعة لميليشيات إيران بالتدخل في شرق الفرات إبان استنفار العشائر العربية ضد قسد. 

يصف الباحث السوري الكردي، "محمد شمدين سلامة" في حديثه لأورينت، عدم انخراط قسد في هذه الصراع، بـ "الاختيار المنطقي" بالنسبة لها، فهي لا تستطيع فتح جبهة واسعة أمام قوة إيران المتوزعة في منطقة واسعة، بالإضافة إلى أن لإيران بنى اجتماعية ودينية في داخل مناطق سيطرتها. 

في حين اعتبر الباحث كابان، أن ابتعاد قسد عن الصدام بميليشيات إيران هو حق مشروع لها فدخول قسد في معركة مع تركيا والميليشيات الإيرانية يعطي اتفاقًا بين تركيا وإيران ضد قسد، إذ ستتحول إيران لعدو آخر لقسد هي بغنى عنه، إضافة إلى أن محاربة قسد للميليشيات الإيرانية يتطلب من الولايات المتحدة تكثيف دعمها لقسد والإقرار بسلطتها وحمايتها، والأمريكان عموماً لم يقدموا أي ضمان لقسد ولا حتى الاعتراف، والدليل هو القصف التركي المستمر ضدها دون أن يحرك الحليف الأمريكي ساكنًا.

كيف تستفيد قسد؟

برغم التنسيق العالي والدعم العسكري الهائل التي تحظى به قسد من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فالموقف الأمريكي كان واضحاً في أن مهمته في سوريا محاربة داعش فقط، ولم يتجاوز دعم التحالف الأمريكي لقسد الجانبَ العسكري في محاربة التنظيم، فلا اعتراف سياسيًا أمريكيًا بالإدارة الذاتية (الجناح المدني لقسد) حتى الآن، فضلاً عن خوف قسد من تكرار سيناريو الخذلان الأمريكي لها في معركتها بعفرين 2018، ثم في ريف الحسكة وريف الرقة بعدها بعام ضد تركيا وحلفائها.

"إن وجود قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في شمال شرق سوريا مرتبط بشكل رئيسي بوجود تنظيم داعش الذي يتراجع نفوذه يومًا بعد يوم، وانتهاؤه يعني بالضرورة انتهاء الدور الأمريكي وهو ما لا تريده قسد"، يقول الباحث الشواخ. 

مستدركاً، "لكن مع  وجود المليشيات الإيرانية فهذا يتطلب بقاء قوات التحالف الذي يعتبر مفيدًا لقسد، كما إنه وعلى فرضية مشاركة قسد بضرب الميليشيات الإيرانية فهذا أيضًا مكسبٌ لقسد، إذ سيضمن لها ذلك دعًما متزايدًا عسكريًا وسياسيًا من التحالف". 

ويمكن القول إن قسد استفادت من الحياد في الصراع الإيراني الأمريكي في سوريا ودير الزور بشكل خاص، فأثناء التوترات الأخيرة بين قسد والعشائر العربية بريف دير الزور، كانت القوات الأمريكية هي من تتولى مراقبة خطوط التماس في المنطقة خوفًا من تسلل ميليشيات إيرانية، وبالتالي تمكنت قسد من السيطرة نسبيًا على العشائر المنتفضة. 

يرى الباحث سلامة، أنه بعد مراقبة الجيش الأمريكي لخطوط التماس لمنع أي تسلل إيراني واضح نحو مناطق سيطرة قسد، باتت قسد  تدرك أن أمريكا سوف تستمر في هذا الدور خصوصًا بعد حرب غزة الحالي، وتداول أخبار عن نقل إمدادات من العراق إلى سوريا، وأيضًا إعلان البيت الأبيض في أن الولايات المتحدة سوف تستهدف قواعد إيرانية في سوريا بشكل دوري.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات