الجنوب السوري منطقة عازلة أم بداية التقسيم؟

الجنوب السوري منطقة عازلة أم بداية التقسيم؟

تأتي رمزية الجنوب السوري من كونه بداية انطلاق الثورة السورية منتصف آذار 2011، حين خرج أبناء محافظة درعا باحتجاجات لم تلبث أن انتشرت على معظم الجغرافيا السورية، هذه الرمزية وإن أخذت أشكالاً مختلفة لاحقاً من تطورات ميدانية وتحولات في أشكال السيطرة، إلا أنها لم تخرج عن كون الجنوب يشكل خاصرة رخوة لنظام أسد وبالتالي كان التعامل معه حذراً، سواء في درعا ورمزيتها، أو السويداء وطبيعتها الخاصة.

وفي كل مرة يحدث فيها تطور ما في الجنوب، سواء كان ميدانياً أو على صعيد التدخل الدولي، يعود الحديث حول منطقة عازلة أو أمنية في الجنوب في تدخل يشبه التدخل التركي في الشمال أو الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا.

مؤخراً ازداد الحديث عن المنطقة العازلة أو مشروع الإدارة الذاتية للمنطقة، أو حتى التدخل الدولي والإقليمي المباشر، فما هي أسباب عودة الحديث حول هذه المشاريع للواجهة؟

حراك السويداء

الحدث الأبرز على الأرض السورية خاصة في مناطق سيطرة النظام خلال الأسابيع الماضية، هو حراك أبناء السويداء ونزولهم للساحات في مشهد ذكّر السوريين بما حصل عام 2011 خاصة أن المتظاهرين في السويداء نادوا بذات الشعارات التي تدعو لإسقاط النظام ورحيل رموزه، حراك السويداء وإن لم يكن جديداً فقد خرج أبناء المحافظة في حراكات سابقة، إلا أن المختلف حالياً هو زخم وطبيعة وشعارات الحراك الأخير، وبالتالي أصبح النظام أمام موقف جديد مربك من حيث طبيعة التعامل معه، إذ لا يستطيع النظام وصم حراك السويداء بذات التهم التي أطلقها على حراك السوريين منذ العام 2011 حين وصفهم بالإرهابيين أو بالإرهاب / السني / أو باستهداف الأقليات، حيث أسقط حراك السويداء ورقة حماية الأقليات التي يتذرع بها النظام دائماً وأصبح في موقف مرتبك، لذلك كان لا بد من تهمة جديدة يوجهها لهذا الحراك، ولأسباب تاريخية وديموغرافية كانت تهمة التعامل مع /إسرائيل/ جاهزة، حيث بدأت أجهزة النظام الإعلامية بالضخ بهذا الاتجاه، إلا أن مواقف المتظاهرين وشعاراتهم جعلت من هذه التهمة ضعيفة وغير ذات تأثير في الشارع الموالي للنظام أو حتى للخارج الذي يدعمه.

لذلك كان لا بد من إيجاد تهم جديدة أخرى وبسبب طبيعة السويداء الإثنية ووجودها على الحدود الجنوبية، اتهم الحراك فيها بأنه يعمل على إنشاء إدارة ذاتية في المنطقة وأن هذه الإدارة هي بداية التقسيم الذي يحذر منه النظام على حد قول أركانه، دعا بشار الأسد بوقت سابق لإنشاء سوريا المفيدة في دعوة واضحة للتقسيم.

رد المتظاهرين في الساحات أيضاً كان واضحاً عندما رفعوا لافتات ترفض تشكيل أي إدارة ذاتية أو الدعوة للتقسيم، مشددين بالوقت نفسه على وطنية حراكهم واتفاق مطالبهم مع مطالب السوريين.

الصحفي نورس عزيز ابن محافظة السويداء أكد أن الحراك لا يدعو لإقامة منطقة عازلة ولا إدارة ذاتية وأن المتظاهرين في الساحات عبروا عن ذلك بصراحة، مؤكداً بالوقت ذاته أن ما يجري الآن في الشمال السوري وفي غزة سيكون له تأثير على الأوضاع في الجنوب السوري.

الموقف الأردني 

بعد قمة الجزائر العربية ومحاولة بعض الدول العربية تعويم نظام أسد وإعادته للجامعة العربية، ظهرت عدة مبادرات بهذا الاتجاه كان أبرزها المبادرة الأردنية التي أطلقها العاهل الأردني والتي تدعو النظام في سوريا للانخراط في عملية سياسية وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة الذي أطلقه المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون مقابل عودته للجامعة العربية، هذه المبادرة أنتجت لاحقاً قمة عمان التي حضرها نظام أسد وكانت المدخل لعودته للجامعة العربية، الخطوات الأردنية نحو النظام بدت متسارعة، لكنها شهدت انتكاسة كبيرة لاحقاً وذلك لعدة أسباب تتعلق بـ:

1-عدم وفاء نظام أسد بالتزاماته التي تعهد بها أمام اجتماعي عمان والجامعة العربية، بما يتعلق بالموقف من إيران، وبالملف الأبرز الذي يشكل قلقاً للأردن ودول الخليج بصورة خاصة وهو ملف المخدرات وتهريب الكيبتاغون.

2-تهديد نظام أسد للأمن القومي والمجتمعي في الأردن ودول الخليج نتيجة ازدياد وتيرة إدخال وتهريب المخدرات إليها، جعل الأردن قلقاً من احتمالية تصاعد تأثيرات هذه التجارة وتحولها إلى ورقة ضغط بيد النظام.

تغير الوقائع على الأرض دفع المسؤولين الأردنيين لرفع لهجة التصريحات ضد نظام أسد في الآونة الأخيرة وتوجيه التهم له بالسماح بدخول المخدرات للداخل الأردني، دعم هذه التصريحات غارات للطيران الأردني على الحدود السورية، بعد إسقاط مسيرات كانت تحمل كميات من المخدرات قادمة من مناطق سيطرة النظام.

هذا الموقف الجديد للسلطات الأردنية إضافة لحراك السويداء عزز فرضية احتمال إقامة منطقة عازلة في الجنوب تشبه ما حصل في الشمال السوري، لكن هل يستطيع الأردن منفرداً القيام بهذه الخطوة؟

يقول الباحث السياسي الأردني صلاح ملكاوي، إن عقيدة الجيش الأردني / المعروف أردنياً بالجيش العربي / لاتسمح له بالتدخل بأي بلد عربي والخروج خارج حدود الأردن، كما إن إقامة منطقة آمنة ليست قراراً أردنياً، ولكنه قد يكون إقليمياً أو دولياً، مستبعداً وجود الظرف المناسب لإقامتها لا دولياً ولا إقليمياً، كذلك لا توجد دولة مستعدة لتمويل هكذا مشروع مالياً أو المشاركة عسكرياً، مضيفاً أن الجيش الأردني قادر على توجيه ضربات مؤلمة لمن يعتدي على الأردن، الأردن خط الدفاع الأول عن الخليج بما يتعلق بتهريب المخدرات حيث أعلنت وزارة الداخلية الأردنية أن ما يتم ضبطه في الأردن هو معد للتهريب إلى دول أخرى كدول الخليج وأن 20% من ما يتم ضبطه في الأردن هو موجه للأردن.

الموقف الإسرائيلي 

منذ انطلاق الثورة السورية لم تكن إسرائيل بعيدة عن الملف السوري وإن لم تكن منخرطة بشكل مباشر فيه، إلا أن التدخل الإيراني والتوغل الذي حصل للميليشيات الإيرانية في الجنوب دق ناقوس الخطر لدى القيادات الإسرائيلية خوفاً من تكرار سيناريو حزب الله اللبناني، الأمر الذي دعا القيادات الإسرائيلية للتنسيق مع الروس والأمريكان من أجل إبعاد إيران عن الحدود مع سوريا، وكذلك زيادة وتيرة استهداف مواقع لنظام أسد من قبل المدفعية والدبابات الإسرائيلية في مناطق حضر وخان أرنبة في محافظة القنيطرة.

التنسيق الإسرائيلي الروسي الأمريكي بدأ مع الاجتماع الأمني الذي حصل في القدس بين رؤساء مكاتب الأمن القومي فيها، حيث تمت مناقشة إبعاد الميليشيات الإيرانية لعمق 60 كم داخل الأراضي السورية مما يرسم حدود النفوذ فيها، إلا أن الروس فشلوا في تحقيق هذه الشروط وبقي الوجود الإيراني في المنطقة.

التطورات الأخيرة في غزة قد تعزز فرضية حزام أمني لحماية إسرائيل جنوب سوريا وبالتالي تتلاقى الرغبة الإسرائيلية مع تخوف الأردن ودول الخليج من غزو المخدرات لبلدانهم في إقامة حزام أمني أو منطقة عازلة في الجنوب.

وبالتالي ما هي عوامل نجاح وعوائق تحقيق مثل هذه الخطوة في الجنوب؟

لعل تلاقي الرغبة الإسرائيلية مع التخوف العربي قد يجعل هناك إمكانية لتحقيقها، لكن بذات الوقت فإن صعوبة في التنسيق بين هذه الأطراف عسكرياً في ظل عدم وجود اتفاقات بين بعض الأطراف مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وبالتالي سيكون هناك صعوبات سياسية ولوجستية في التنسيق بين هذه الأطراف.

يشكل الوجود الإيراني عائقاً آخر في طريق تطبيق مثل هكذا مشروع، كذلك فإن تطبيقه يحتاج إلى توافقات جديدة مع روسيا قد تتضمن تقديم تنازلات لها في ملفات أخرى لا تستطيع هذه الدول تحمل تبعاتها.

الموقف الأمريكي يشكل عائقاً آخر مع وجود قاعدة أمريكية في التنف على الحدود العراقية السورية، وبالتالي يحتاج تحقيق تشكيل المنطقة لموافقة ودعم أمريكي سياسياً وعسكرياً.

أحد أسباب إمكانية تطبيق المشروع هو وجود قوى مدنية وعسكرية في الجنوب قادرة على إدارة المنطقة في درعا والسويداء، لكنها بذات الوقت بحاجة لدعم سياسي واقتصادي وعسكري.

أيضاً هناك عائق آخر يتعلق بمشروعية التمثيل، ففي حال قيام منطقة عازلة ستحتاج لإدارة وبالتالي ما هو الشكل الذي ستكون عليه هذه الإدارة؟

هل هي حكومة جديدة تضاف لحكومات الأمر الواقع؟

 وبالتالي تتنازع شرعية التمثيل معها، أم تتبع لقوى المعارضة الأخرى التي لاتملك القدرة على إدارة مناطقها، وبالتالي إدخال تركيا كلاعب جديد في الجنوب وهو مالا ترغبه الدول التي لها مصلحة بقيام المنطقة.

هل الأقاليم أو المناطق العازلة هي بداية للتقسيم؟

يستبعد الدكتور زيدون الزعبي المتخصص بالإدارة قيام إدارة ذاتية جنوب سوريا لأسباب موضوعية وجيوسياسية ولا يوجد هناك استعداد لأي من دول الإقليم لإقامة منطقة عازلة.

لكن بذات الوقت هناك شبه توافق على ما يُسمى الأقاليم والتي أسماها نظام أسد أقاليم تنموية نافياً عنها الصفة السياسية والإدارية وهي سبع أقاليم تنموية الجنوب، دمشق،البادية،الأوسط، شمال شرق، شمال غرب، الساحل.

ويؤكد الدكتور الزعبي أن الأقاليم ليست مفتاحاً للحل أو التقسيم، إنما الشكل الإداري واللا مركزية هي مدخل للحل في سوريا، أما الأقاليم فهناك إشكالات وعوائق تتعلق بالهوية تجعل منها فقط أقاليم تنموية توفر حركة اقتصاد دون شكل تمثيلي يخلق عوائق جديدة.

التخوف من خطر التقسيم ينطلق من الخوف من الاعتراف بهذه الأقاليم ككيانات مستقلة /خاصة تلك التي تشكل سلطات أمر واقع في شمال شرق وشمال غرب / والتي بدأت تتباين اقتصادياً وإدارياً وحتى اجتماعياً.

يضيف الزعبي أن الأقاليم قد تكون مدخلاً للفدرالية وهي ليست تقسيماً كما يظن البعض، وإنما هي أحد أشكال إدارة الدولة الموجودة في عدد كبير من دول العالم، ويستدرك بأن الظرف الجيو سياسي غير مناسب لإقامتها حالياً.

وهنا يأتي السؤال الذي لايمتلك أحد الإجابة عليه قبيل تطبيق الحل السياسي في سوريا.

هل إقامة مناطق عازلة وتشكيل إدارت وحكومات على الجغرافيا السورية، هو بداية لمشروع تقسيمي يفرض قوى أمر واقع بدعم إقليمي؟

أم هو بداية لتطبيق القرارات الدولية بصورة مفككة ومن ثم دمجها مع بعضها البعض في مشروع واحد؟

أم هو بداية لتطبيق حكم فدرالي في مناطق النفوذ وتحويل سوريا لدولة فدرالية ؟

أم هو بداية لتطبيق اللا مركزية السياسية والإدارية على الجغرافيا السورية كنوع من الهروب من انسداد الأفق الذي يواجه الحل السوري؟

الإجابة على هذه الأسئلة مرتبطة بطبيعة وشكل الحل السوري والذي يبدو حتى اللحظة أنه لايلوح في الأفق.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات