لماذا تواصل دول مسار أستانا التمسّك به.. وما سرّ الرضا الأمريكي؟

لماذا تواصل دول مسار أستانا التمسّك به.. وما سرّ الرضا الأمريكي؟

دون انتباه أو اهتمام كبير، مرّ اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية دول مسار أستانا، الذي عُقد نهاية الأسبوع الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن لا يبدو أن اللقاء يحمل أيّ جديد، لدرجة أن المبعوث الدولي إلى سوريا "غير بيدرسون" المتفائل دائماً، خرج بعد ذلك بأيام قليلة ليعبّر عن تشاؤمه الكبير بمستقبل العملية السياسية في سوريا.

أربعة أشهر من الغياب

مرت نحو أربعة أشهر على آخر اجتماع للمسار أعلنت في ختامه كازاخستان (الدولة المستضيفة) انتهاء هذه الصيغة على أساس "أنها حققت أهدافها" ومن أجل "أن تأخذ الجامعة العربية التي عادت لها "سوريا" الدور في حل الصراع" كما قال وقتها وزير الخارجية الكازاخي.

رفضت وزارة الخارجية الروسية وقتها هذا الإعلان، وأكدت مع شريكتَيها إيران وتركيا استمرار المسار والبحث عن دولة أخرى تستضيفه، ثم توقف الحديث عن الأمر بعد ذلك، قبل أن يعقد وزراء خارجية الدول الثلاث اجتماعهم يوم السبت الماضي.

"اجتماع غير رسمي لكنه ليس شكلياً" هكذا وصف أحد أعضاء الوفد الذي يمثل المعارضة السورية في مسار أستانا لقاء سيرغي لافروف وهاكان فيدان وحسين أمير عبداللهيان، مشيراً إلى أن ذلك بمثابة إعلان عن قرب انعقاد الجولة الحادية والعشرين من اجتماعات المسار.

وكانت صيغة أستانا قد انطلقت في بداية العام 2017، بهدف "خفض التصعيد العسكري في مناطق الصراع بسوريا"، لكن جميع الهدن والتفاهمات التي نتجت عنه تعرّضت لخروقات كبيرة من قبل ميليشيا نظام أسد وحليفَيه الإيراني والروسي، ما أدى لخسارة المعارضة مساحات كبيرة من الأراضي في شمال غرب البلاد على مدار ثلاثة أعوام، قبل أن يتم تثبيت خطوط التماس على ما هي عليه حالياً منذ آذار/مارس 2020.

التمسك بالمسار

أمر يبدو أنه أرضى مختلف الأطراف، على رغم تباينات موقفها وتناقضات مصالحها، ما دفع الجميع للتمسك بهذا المسار حتى الآن.

فتركيا، كما يقول محمد سالم، مدير وحدة الدراسات في مركز "أبعاد"، استفادت بشكل كبير من خفض التصعيد لأنه منع المزيد من الهجمات للنظام وحلفائه على مناطق سيطرة المعارضة، ما كان سيتسبب بتدفق موجات جديدة من اللاجئين والنازحين إلى أراضيها وحدودها، كما منحها القدرة على الحديث عن مناطق آمنة تعيد إليها قسماً من اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها.

أما بالنسبة لروسيا، فهي من أشد الراغبين بالترويج لفكرة انتهاء الحرب في سوريا، من أجل إقناع الدول المانحة بمباشرة تمويل عمليات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، بينما أيدت الولايات المتحدة المسار، وإن لم يكن بشكل رسمي، لأنه حقق لها "تبريد الصراع" طيلة ثلاث سنوات كاملة، مع وجود مناوشات هنا وهناك، دون أن تكون منخرطة فيه، وهو ما تريده واشنطن إلى حين نضوج رؤية شاملة للحل لديها، كما يقول عضو وفد المعارضة الذي طلب عدم نشر اسمه.

ويبدو أن الوفد الذي يمثل المعارضة ما زال يشعر بالحرج الكبير نتيجة الغضب الشعبي من نتائج المسار، على الرغم من تجدد قناعة الوفد بأنه لولا تفاهمات أستانا، على كل ما تعرّضت له من خروقات، لكانت الخسائر أكبر من ذلك بكثير.

الأهداف الممكنة

ومع هذا لا يمكن لأحد القول إن المسار يُعوّل عليه في إنتاج أي أفكار سياسية جدّية للحل في سوريا، الأمر الذي يطرح أسئلة مستمرة عن سبب التمسك به من قبل الدول الضامنة.

يقول الباحث محمد سالم: سياسياً ما أنتجه المسار حتى الآن هو اللجنة الدستورية، وبهذا استطاع الروس إفراغ القرار 2254 من مضمونه واختصاره بمفاوضات لتعديل الدستور قفزاً على بند الانتقال السياسي، لكن وبسبب غياب أي طاولة مفاوضات ديبلوماسية أخرى بين النظام والمعارضة، فإن الدول المتدخلة في الصراع تمسكت كلها بمسار اللجنة الدستورية حتى الآن.

أما ما يمكن أن ينتجه في المستقبل، يضيف سالم، فهو التطبيع بين النظام وتركيا تمهيداً للتوصل إلى صيغة تشرعن الوجود العسكري التركي شمال سوريا، على الرغم من تعنت النظام ومشاغبة إيران بهذا الخصوص.

متى وأين تُعقد الجولة القادمة؟

عندما أعلنت كازاخستان نهاية مسار أستانا في ختام الجولة العشرين، في حزيران/يونيو 2023، تدخل نائب وزير الخاجية الروسي على الفور وقتها، وأكد أن المسار مستمر وأن كازاخستان ليست مخوّلة بتقرير أي شيء يخصّه.

لاحقاً قالت الحكومة الكازاخية إنها مستعدة لإعادة النظر بالأمر، إلا أن الجفاء بين موسكو وأستانا، مع اقتراب الأخيرة أكثر من الغرب وابتعادها عن المعسكر الشرقي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وشعور الروس بطعنة حليفتهم السابقة، ربما يزيد من إصرارهم على نقل المفاوضات إلى مكان آخر بالفعل.

لكن التوافق على أرض تحتضن اجتماعات المسار يحتاج إلى جهد وتقاطعات ترضي جميع الأطراف، وهو أمر يحتاج لبعض الوقت، كما يقول عضو وفد المعارضة في حديثه لـ "أورينت".
إلا أن المصدر يؤكد بأن هذا الأمر لم يتم البحث فيه طيلة الأشهر الماضية، لكن بعد اللقاء الأخير لوزراء خارجية الدول الضامنة، سيبدأ العمل على التحضير للجولة رقم 21 التي غالباً ما سيتم عقدها قبل نهاية العام الجاري، كما سبق وأن وعد وزير خارجية روسيا في حزيران/يونيو الماضي.

بيدرسون ينفجر

الحفاظ على المسار بهذا الشكل حتى من دون تحقيق نتائج مهمة، أمر لم يعد يروق على ما يبدو للمبعوث الدولي غير بيدرسون، الذي اعتبر في إحاطته الأخيرة التي قدّمها يوم الثلاثاء الماضي إلى مجلس الأمن، أن السلام في سوريا ما زال بعيداً وصعب المنال.

وهذه هي المرة الأولى التي يبدو فيها بيدرسون على هذه الدرجة من التشاؤم والغضب، بعد سنوات من إصراره على بيع التفاؤل للسوريين، وترويجه لإيجابيةٍ وتقدّمٍ تحققه مفاوضات اللجنة الدستورية، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول دوافعه لقول هذا الكلام، خاصة وأنه التقى بوزراء خارجية دول مسار أستانا في اجتماعهم الذي عقدوه يوم السبت.

وبينما كان بيان الخارجية الروسية "إيجابياً" بعد اللقاء، حيث أكد أنه "جرى التأكيد على الدور الرائد لصيغة أستانا، وعلى سعي الدول الضامنة لمواصلة الجهود الهادفة للوصول إلى تسوية شاملة في سوريا، على أساس الالتزام الصارم باحترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها"، كان حديث المبعوث الدولي سلبياً أمام أعضاء مجلس الأمن، حيث أشار إلى أن "سوريا في حالة خراب، والسلام لا يزال بعيداً، ومن المؤسف أن الحل الشامل للصراع السوري لا يزال بعيد المنال"، مضيفاً "أن الفجوات في الإرادة السياسية، وانعدام الثقة العميق، والمناخ الدولي الصعب، كل هذا يلعب دوراً في الوصول لطريق مسدود".

بين الحديث عن طريق مسدود بات يراه حتى بيدرسون، وبين التبشير الروسي باستئناف مسار يُراد منه الوصول لحل سياسي شامل، لكن من دون الإشارة إلى القرارات الدولية، بل على أساس الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها فقط، تستأنف كل من روسيا وتركيا وإيران التحضيرات لعقد جولة جديدة من مفاوضات مسار أستانا، تحت عنوان بارز هذه المرة هو: أين ستُعقد الجولة القادمة؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات