"التيك توك" شمال سوريا.. 3 أسباب للانتشار و4 مخاطر

"التيك توك" شمال سوريا.. 3 أسباب للانتشار و4 مخاطر

يشهد الشمال السوري على مدى السنوات الماضية ازدياداً لافتاً في الاعتماد على تطبيق "تيك توك" كسبيل لكسب الأموال وتحقيق الدخل الشهري، إذ وجد عدد كبير منهم في التطبيق ميداناً خلّاقاً يعود عليهم بمردود مالي يفوق توقعاتهم في كثير من الأحيان، مقابل تأمين المتطلبات والخدمات والحاجات المرتبطة بالمستخدمين والجانب الرقمي من حياتهم.

وساهم ارتفاع معدلات البطالة وانعدام فرص العمل وانخفاض مستوى دخل الفرد في مختلف القطاعات في شمال غرب سوريا، إلى لجوء الأهالي للغوص في أعماق العالم الافتراضي وجني الأموال، إذ يعيش قرابة 85 بالمئة من سكان الشمال الغربي في سوريا على المساعدات الإنسانية.

وبعد بحث معمّق أجراه موقع "أورينت نت" في تلك الحالات على منصة "تيك توك" وجد أن معظم المستخدمين في الشمال السوري، يتخذون من هذه المنصّة مصدر دخل لهم، فمنهم من يقدم موهبة رياضية ودروساً تعليمية وآخرون من باب التسلية، ومنهم أيضاً من يعتمد على هذا التطبيق للتسوّل دون الكشف عن اسمه سواءً أكان شاباً أو فتاة.

سبيل للشهرة وكسب المال

يمضي المدرب أحمد السواس (29 عاماً) نحو 6 ساعات يومياً أمام شاشة هاتفه ممارساً لعبة "الباركور" الرياضية، حيث باتت بالنسبة إليه نوعاً من العمل الذي يؤمن له مصروفه الشخصي من خلال تقديم الحركات البهلوانية في صالته الرياضية الواقعة في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، مقابل تقديم المتابعين له بعض الهدايا، وهو ما يتيح له بيعها مقابل مبالغ مالية معينة.

يروي السواس لـ"أورينت نت" أنه بدأ بالظهور على تطبيق "تيك توك" منذ قرابة 5 شهور وتحديداً في شهر أيار/مايو الماضي، بعد أن بات التطبيق يحمل رواجاً كبيراً في المنطقة لما فيه من إفادة على صعيد الشهرة وتحقيق المكاسب المادية، بالإضافة لفعاليته وسرعة انتشار مقاطع الفيديو عليه مقارنة بالتطبيقات الأخرى.

يؤكد "السواس" أن مدخوله الشهري من البرنامج يتراوح من 75 إلى 200 دولار أمريكي، مشيراً أنه لا يمكن الاعتماد عليه بشكل أساسي كمصدر للعيش، ولكن يمكن اعتباره مساعداً جيداً في دخله المادي من ناحية الهدايا التي تصله خلال البث من جهة، وشهرة صالته الرياضية من جهة أخرى والتي دفعت العديد من سكان الشمال السوري لتسجيل أبنائهم.

وعن المشكلات التي يواجهها، يقول "السواس" لـ"أورينت نت"، إن أبرزها هي مشكلة ترويج الفيديوهات وقلة الحضور في البثوث المباشرة، منوّهاً أن تحقيق عدد كبير من المشاهدات عن طريق الترويج أمر "مكلف جداً"، وهو يحتاج إلى مبالغ مادية كبيرة.

ونفى التيك توكرز "السواس" تعرضه لأي حالة استغلال أو تنمر، من قبل محيطه سواء أقاربه أو أهالي المدينة، معلّلاً ذلك بتفرده بموهبة رياضية، على عكس الكثير من الشبان والفتيات.

مشاركة يومياتهم

ولم تتوقف قصة السواس مع "التيك توك" ومشواره في جني الأموال من خلال البثوث المباشرة، ولكن هنالك بعض الشباب التحقوا في البرنامج بعد أن يئسوا من قلّة مردود أعمالهم، بهدف الحصول على نصيبهم من خير الداعمين وهداياهم.

النازح "أحمد العلي" ( 22 عاماً) من بلدة القصر غرب حلب، يُفنّد لـ"أورينت نت" قصّته مع برنامج "تيك توك" وكيف خاض تجربته على المنصّة التي يسعى من خلالها لتحقيق دخل إضافي يُساعده في تأمين مستلزماته المعيشية وكيف تكون مساعدة لمعيشته لما يُحقق من دخل أسبوعي من عمله في محل لبيع المثلجات، إذ يحصل العلي أسبوعياً على 600 ليرة تركية (25 دولاراً أمريكياً)، مقابل 14 ساعة عمل يومياً. 

يُكمل العلي حديثه لـ"أورينت نت" أن مشواره على المنصّة بدأ منذ قرابة ثلاثة أشهر وأنه لا يمتلك أي موهبة أو أي محتوى هادف، وأن بثّه يقتصر على مشاهدته وهو يعمل في محل المثلجات، وأن مكاسبه من البرنامج تقتصر على ساعات الظهور في البث.

ويمنح التيك توك دولاراً أمريكياً لكل ساعة بثّ مباشر بحضور 250 شخصاً، وتُضاف القيمة كلما زاد عدد المشاهدين. 

من أين تأتي الأموال؟

"عبد الحميد عبد السلام" متخصّص في التسويق الرقمي يجمل في حديثه لـ"أورينت نت" ثلاث طرق لتحقيق أرباح على تيك توك، "الأولى" هي الدعم المباشر والذي يتم تقديمه لمستخدمي التيك التوك خلال خدمات البث المباشر، إذ يُقدم الداعم نقاطاً يتم تحويلها فيما بعد إلى أموال.

ويوضح أن الطريقة الثانية هي التسويق بالعمولة، وهي طريقة يقوم بها التيك توكرز بالاتفاق مع شركة معينة للترويج لمنتجها، وهذه الطريقة غائبة عن الشمال السوري، لعدم وجود حسابات قويّة تحقق نتائج إيجابية أو انتشاراً واسعاً بالملايين للمنتج.

وأمّا الطريقة الثالثة للربح من التطبيق، فهي تقديم الاستشارات من المستخدمين إلى المتابعين، وفي هذه الطريقة يُصبح المستخدم (التيك توكرز) وسيلة للتعارف وتقديم مهاراته للآخرين، وهنا يكون المستخدم وحسابه منبراً مفتوحاً للجميع ليقدم نفسه وما لديه للآخرين الراغبين في الاستفادة منه، والتي من شأنها أن تصبح مصدراً لتلقي المعلومات للكثير من الراغبين.

ويمكن إسقاط الطريقة الثالثة على صانع المحتوى "أحمد جربان" (26 عاماً) المهجر من مدينة معرة النعمان، إذ يعمل أحمد على نشر فيديوهات تعليمية للمونتاج والتصميم على حسابه الشخصي المُسمى (أحمد أبو خالد)، ما يجعله مصدراً لنشر ثقافته عبر المنصة.

يقول صانع المحتوى أحمد لـ"أورينت نت" إنه باعتباره ناشطاً إعلامياً وقدم دورات عديدة في الداخل السوري، كان لزاماً عليه مواكبة التطورات في هذا العصر وأهمها هي تطبيقات التواصل الاجتماعي، خاصّة أن عمله متعلق بالشهرة والإنترنت.

يستطرد الجربان في حديثه أنه وجد هذا التطبيق أكثر سلاسةً من باقي المنصات كـ"فيسبوك أو إنستغرام أو تويتر"، إذ تعتبر خوارزمية التيك توك سهلة مقارنةً بغيرها، إذ يساعد التطبيق صاحب المحتوى على نشر فيديوهاته بسرعة كبيرة.

ولم ينفِ الجربان مساعيه للشهرة عالمياً والتي من شأنها أن تنعكس إيجاباً على عمله في حال الاستمرار، لافتاً أنه لا يعتمد على التطبيق حالياً لتحقيق الربح.

لـ"دواعٍ إنسانية"

وخلال البحث الذي أجريناه على مستخدمي تيك توك في الشمال السوري، وجدنا أن الكثير من المستخدمين يعتمدون على التطبيق لعرض قصصهم الإنسانية، ويعتبرونه فرصة لكشف حالتهم المعيشية المتردية وخاصّة قاطني المخيمات، إذ تجلس بعض الشخصيات سواء نساء أو رجال في البث المباشر مع مجموعة من الأطفال يستجدون المساعدة أو عرض حالة إنسانية أو حربية لهم، ويطلبون المساعدة من متابعي البث.

وخلال إعدادنا التقرير رفض الكثير من هؤلاء المستخدمين التعريف عن أنفسهم وكشف تفاصيل حالتهم أو التطرق إلى موضوع ظهورهم على "التيك توك"، خوفاً من التنمر عليهم من محيطهم.

ولعلّ ما كشف شيوع هذه الظاهرة هو تحقيق أجرته قناة "CNN" مؤخراً في مخيمات الشمال السوري، والذي أظهر قيام عدد من النازحين في الخيام باستخدام التيك توك والتي يرونها أنها وسيلة لـ"التسوّل" عبر الإنترنت، والذين عادةّ ما يتعرضون للسرقة من قبل أصحاب الحسابات البنكية الذين يتعامل معهم النازحين في سحب أرباحهم من التطبيق.

بدوره، اعتبر سليمان (اسم مستعار)، المقيم في مخيمات عفرين شمال حلب، أن ما يعرضه للمتابعين عن حالته المعيشية أمر طبيعي، مشيراً إلى أن الواقع الحقيقي في المخيمات شمال سوريا بات أمراً واضحاً للجميع، فهو أساساً لا يحتاج إلى مشاركة.

استرسل سليمان أثناء حديثه لـ"أورينت نت" أن الجميع يعلم وضع الحالة المعيشية المتردية للنازحين في عفرين، بالإضافة إلى أن أهالي الشمال السوري هم على دراية كاملة بأن فرص العمل معدومة بالمطلق في المنطقة، وإن وجدت فهي خالية من العدالة وخاصّة أن أجر العامل اليومي يتراوح بين 35 ليرة حتى 80 في الحد الأقصى.

غياب الوعي

يرى الباحث الاجتماعي "منير سلوم" أن مشاركة الناس يومياتهم أو شكواهم أو محتواهم بشكل عام، يحمل وجهاً سلبياً على الفرد والمجتمع وذلك بسبب غياب الوعي الكافي لدى رواد التواصل بكيفية التعامل مع العالم الخارجي، والتي تتركز بدايةً في فقدان الخصوصية والأمان على الصعيد الشخصي والعائلي.

وأوضح أن العديد من رواد هذه المنصّات وخاصّة الذين يعيشون في مناطق الصراع يتأثرون بشكل كبير بما يعيشيه العالم الخارجي التي تصلنا صورته بأنه مجتمع مثالي، ما يدفعهم لمقارنة حالتهم وأوضاعهم بما يعشيه هذا العالم، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر وكبير على استقراره في بيته.

ويضيف السلوم أن العديد من الرواد في شمال سوريا تغيب لديهم الثقافة الاجتماعية المتنوعة، ما يعرضهم لأخطار عدّة أبرزها "التنمر والتحرش واستغلال المعلومات الشخصية"، منوّهاً أن السكان متفاوتون في الظروف والإمكانيات والثقافات.

وشدّد الباحث الاجتماعي على ضرورة أن يتحلى رواد هذه المنصات بالمعايير الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية، بالإضافة إلى تذخير أنفسهم بالوعي الكافي قبل استخدامها، وخاصّة تحديد الجوانب التي يمكن مشاركتها مع الجمهور، ووضع خطوط عريضة تحميه داخل هذا العالم الافتراضي.

الجانب الاقتصادي لسكان الشمال السوري 

وبلغت مؤشرات الحدود الاقتصادية للسكان المدنيين في الشمال السوري في آخر تقرير نشره فريق منسقو استجابة سوريا مطلع شهر أيلول/سبتمبر الجاري، 6.473 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع ارتفع إلى 4.669 ليرة تركية، مِمّا زاد من حد الفقر 1.12% ما رفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 90.93%، الأمر الذي زاد أيضاً من حد الجوع بنسبة 0.37%، ما رفع على إثرها نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع 40.67%.

وارتفعت أيضاً نسبة البطالة العامة شمال سوريا وفقاً للتقرير إلى 88.65%، مع اعتبارعمال المياومة ضمن الفئات المذكورة، كما ارتفعت نسبة التضخم بمقدار 1.29% على أساس شهري، و 74.18% على أساس سنوي.

ويؤكد التقرير أن المنطقة تشهد عجزاً واضحاً في القدرة الشرائية لدى المدنيين وبقاءهم في حالة فشل وعجز على مسايرة التغيرات الدائمة في الأسعار، والذي يتجاوز قدرة تحمل المدنيين لتأمين الاحتياجات اليومية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات