هل تستطيع تركيا استعادة حلب.. وكيف يمكن أن يعود الحلبيون لمدينتهم؟

هل تستطيع تركيا استعادة حلب.. وكيف يمكن أن يعود الحلبيون لمدينتهم؟

إذا ما تصوّرنا أن تركيا قررت استعادة حلب بالفعل، فكيف يمكن أن يحصل ذلك؟ سؤال فرض نفسه بقوة خلال الأيام الأخيرة الماضية بعد تجدد الحديث التركي الرسمي والإعلامي عن مشاريع وخطط تتعلق بحلب.

وبغض النظر عن منطقية هذا الطرح، فإن هناك طريقتين يمكن من خلالهما استعادة حلب: الأولى عبر تفاهمات سياسية مع شركائها في مسار أستانا، إيران وروسيا، والثانية عبر القوة العسكرية.

بالنسبة للخيار الأول لا يوجد سبب منطقي واحد يجعل الروس والإيرانيين يفكرون بوضع حلب عاصمة الشمال السوري وثاني أكبر وأهم محافظة في البلاد، تحت الوصاية أو النفوذ التركي، وإلا لما كانوا قد فعلوا كل شيء من أجل استعادتها وطرد قوى الثورة المتحالفة مع تركيا منها نهاية العام ٢٠١٦، في صفقة لم يعد يخفى على أحد أن تركيا كانت جزءاً منها..حتى تركيا لم تعد راغبة بحلب وقتها.

ثانياً؛ فإن طبيعة العلاقات السياسية بين أنقرة وموسكو لا تسمح اليوم بمثل هذه الصفقة الكبرى، والتي تعتبر بمثابة لعب بالتوازنات الإقليمية والدولية، في وقت رفض فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة تركيا وانسحب من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، كردّة فعل على قبول أنقرة بانضمام السويد إلى حلف الناتو.

ثم حتى لو افترضنا توصّل الجانبين لاختراقة تاريخية تنتج صفقة من هذا النوع، فهل يمكن لبقية القوى الفاعلة بالملف السوري القبول بها؟

بالطبع لا..لا إيران تقبل، ولا الولايات المتحدة والغرب، ولا الدول العربية ولا أي جهة أو طرف، لأن مثل هذا التغيير يُعتبر مساساً، بل وتغييراً في الواقع الجيوسياسي لسوريا والمنطقة كلها، هذا الواقع الذي يناضل الجميع منذ عام ٢٠١٩ لتثبيته والحفاظ على استقراره.

هذا من الناحية السياسية، أما من الناحية العسكرية، ومع افتراض أفضل الظروف لصالح تركيا وقوى المعارضة المتحالفة معها أو المقرّبة منها، فهل يمكن للحلبيين اليوم أن يرحّبوا بأي مشروع لدخول هذه الفصائل إلى مدينتهم بعد الفشل المدوّي والتجربة المريرة لحكمها في الشمال؟

لقد مثّل قرار وزارة الخزانة الأمريكية بمعاقبة اثنين من هذه الفصائل يوم الأربعاء، اللطمة التي لم يكن منها بدّ بعد أن طبقت أخبار التجاوزات هناك الآفاق.

بل يمكن القول إن على كل قوى الثورة والمعارضة المتحالفة مع تركيا، وبالتحديد فصيلي الحمزة والعمشات اللذين طالتهما العقوبات الأخيرة، أن يكونوا ممتنّين لأمريكا بأنها اكتفت بفركة الأذن هذه، والتي أفرحت كل السوريين الذين يرفضون الظلم والتجاوزات والانتهاكات، فكيف إن حصلت على يد من يحسب نفسه على ثورة العدل والحرية والكرامة ؟!

أعلنوا اليوم عن خبر استعداد هذه الفصائل لدخول حلب، وستجدون كل التوّاقين لعودة حلب أو استعادتها يعارضون بشدة هذا المشروع !

لماذا؟

لأنهم لا يريدون رؤية أبو عمشة ومن معه، وسيف أبو بكر وفرقته، ولا أيٍ من أسماء القادة والفرق والتشكيلات التي تحوّل الشمال تحت حكمها وسيطرتها إلى أسوأ مكان للعيش على صعيد الأمن والخدمات، ناهيك عن كثرة المظالم والتجاوزات والتعديات والمخدرات وتفشي الجريمة والانتحار..الخ، لا يريدون رؤيتهم في حلب مجدداً!

فمن يريد إذن والواقع على ما هو عليه في الشمال، أن ينتقل هذا الواقع إلى حلب؟

بل إن الثوار الشرفاء والوطنيين المحترمين رفضوا من قبل أيّ عملية عسكرية جديدة تستهدف طرد ميليشيا قسد من منبج أو غير منبج، تكون بالتعاون مع هذه الفصائل، بعد النتائج المروّعة لما أحدثته وأفسدته في رأس العين وتل أبيض تحديداً، وطالبوا إما بأن تكون العملية خالصة على يد الجيش التركي أو لا تكون أبداً، فهل الجيش التركي قادر على أن يقود لوحده وينفذ بنفسه عملية استعادة حلب؟

من الناحية السياسية سيتسبب ذلك بعداء شامل لتركيا وموقف جماعي إقليمي ودولي ضدها..سيتوحد العرب مع الإيرانيين مع الروس والغرب ضد هذا التحرك لو حصل، ويدرك صانع القرار التركي ذلك بطبيعة الحال، ولذلك فهو أمر خارج الحسابات تماماً، ومن يحسب حساب التحرك المنفرد لاستعادة السيطرة على تل رفعت مثلاً، فسيحسب أضعاف هذه الحسابات عندما يفكر بحلب.

في تصفيات كأس العام ١٩٨٦ تغلّب المنتخب العراقي على المنتخب السوري في الدور الأخير بمباراة أقيمت في مدينة الطائف السعودية، ليطلق المعلّق الشهير الراحل عدنان بوظو مقولته التي بقيت تتردد بين السوريين طويلاً: "حدودنا الطائف".

ويبدو أن الأتراك والدائرين في فلك السياسية التركية من السوريين أن يقتنعوا بأن حدود التدخل التركي في سوريا هو الشمال، وعليه فإن الإعلان عن خطة يشرف عليها الرئيس رجب طيب أردوغان من أجل إقامة مناطق صناعية هناك تحاكي نموذج حلب، وتشجع على عودة السوريين أو قسم منهم طوعياً بالفعل للمنطقة، هو أبعد ما يمكن أن تحصل عليه أنقرة ويفرح به أنصارها الآن.

أما مستقبلاً، فكل الاحتمالات مع المستقبل تكون واردة، لكن مع استمرار واقع الفصائل التابعة لتركيا على النحو الحالي، فإن الاحتمال المنطقي الوحيد الوارد هو تفاقم سجلها القانوني وتدهور سمعتها وتزايد النفور الشعبي منها وصولاً لتحوّلها إلى مجموعات خارجة عن كل قانون، مع استمرار الربط بينها وبين تركيا، ما يسيء أكثر للثورة ولتركيا معاً، ويقضي على أي روح أو تطلّع من أجل أي تعاون يستهدف التغيير.

التعليقات (3)

    الصناعي رياض الهريسي

    ·منذ 8 أشهر أسبوع
    لا لهون و بس لنقلب عاليها واطيها لتركيا . شوية وسخات بدهن يحتلوا حلب الشهباء هبوا يا حلبية خلف الدكتور بشار لحماية ارض الوطن

    عمر

    ·منذ 8 أشهر أسبوع
    كلام في الصميم .. سلمت يمناك أستاذ عقيل

    ساخط سوري

    ·منذ 8 أشهر 6 أيام
    يعني قررت المعارضة تبيع حلب متل ما باعت ادلب لتركيا؟
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات