قراءة في الحراك الشعبي بمناطق نظام أسد

قراءة في الحراك الشعبي بمناطق نظام أسد

لم تكن ظاهرة انتقاد الفساد المستشري والشكوى من سوء الأوضاع الاقتصادية في المناطق الواقعة تحت نفوذ وسطوة نظام أسد عبر وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة فريدة، فقد اعتاد السوريون بين الفينة والأخرى أن يتابعوا باهتمام متفاوت بعض الشخصيات التي تصدّت لهذه المهمة، أو ربما كُلفت بها.

لكن اللافت أن هذه الظاهرة – في الآونة الأخيرة – اتخذت شكلاً آخر، فهي توسعت كمياً بدخول شخصيات جديدة على هذا الخط، كما إن سقف الخطاب فيها قد ارتفع ليصل إلى مستوى القول: "الكل بدون استثناء".

ثم تطوّر الأمر ليعلن بعض الناشطين في تلك المناطق عن تنظيم شبابي أطلقوا عليه اسم "حركة 10 آب"، وبعد ذلك بقليل ظهر بعض الملثّمين الذين يرتدون بزّاتِ الضباط في تسجيل مصوّر عرّفوا أنفسهم بأنهم "حركة الضباط العلويين الأحرار".

أثارت تلك الظاهرة (الحراك الداخلي الذي اتخذ عدة أشكال) جدلاً واسعاً بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم، وتراوحت وجهات النظر حولها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولأنه يصعب مناقشة وجهات النظر المختلفة في هذا الحيّز الضيق؛ يمكن لهذا المقال التركيز على وجهة النظر القائلة بأن تلك الظاهرة لا تعدو عن كونها مسرحية سيئة السيناريو والإخراج.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أنه يُفضل التعاطي مع مقولة المسرحية بحذر شديد، لأن هذه المقولة تستخدم من قبل السوريين على نطاق واسع كإحدى تجليات نظرية المؤامرة ذات الشعبية الواسعة لدى شعوب المنطقة بالعموم، ولدى الشعب السوري على وجه التحديد، فهنا في هذه المنطقة يصل مستوى التهاون والاستسهال في إطلاق تسمية "مسرحية" أو "تمثيلية" على حروب مدمّرة على سبيل المثال.

بعيداً عن السياق العام لفكرة المسرحية المستوحاة من نظرية المؤامرة، يستطيع أصحاب وجهة النظر القائلة بأن ظاهرة المعارضة الداخلية مرتفعة السقف ومتسعة القاعدة، سَوق الكثير من الأدلة التي تدعم وجهة النظر هذه، مثل:

1- يصعب على السوريين تصوّر النظام السوري بهذا الشكل المتهاون مع منتقديه مهما كانت خلفياتهم وانتماءاتهم.

2- أغلب هذه الشخصيات تنحدر من الحاضنة الحقيقية للنظام السوري، وبعضها له تاريخ حافل بالتشبيح.

3- لوحظ أن حملة اعتقالات طالت بعض الناشطين المغمورين، أو بعض الذين عبّروا عن تعاطفهم مع تلك الشخصيات الناقدة دون الاقتراب من رؤوس الفتنة المفترَضين.

4- تعتبر ظاهرة "المعارض المزيّف" من أقدم التكتيكات التي استخدمها النظام السوري، والتي يقال إن القصد منها هو الإيحاء للآخرين أن مساحة الحريات في سوريا لا حدود لها، وهي تعمل كآلية للمراقبة يتم من خلالها جس نبض الشارع وقياس مدى الازدراء والإحباط لدى المواطن العادي، كما تعمل كأداة لتنفيس بعض الاحتقان.

ولكن، رغم قوة الحجة للأدلة التي تساق لإثبات فرضية "المسرحية"، هناك بعض الملاحظات التي لا بد من عرضها، فغياب التناغم التام بين تلك الشخصيات والذي يصل إلى حد التناقض أحياناً يضع المراقب أمام ثلاثة احتمالات:

إما الاعتراف بأن إخراج المسرحية على درجة عالية من الحرفية التي وصلت حد إقناع شريحة كبيرة من السوريين، أو أن تلك الظاهرة تشكلت من مزيج من المعارضين المزيّفين (الممثلين) وبعض الشخصيات التي تغرد منفردة خارج السرب.

والاحتمال الآخر هو أن فرضية المسرحية هي من نسج الخيال، وهناك ملاحظة أخرى تقول: يمكن القبول بفرضية المعارض المزيّف كاتهام موجّه لبعض الشخصيات التي اتصف نشاطها بالاستمرارية، أما ظهور بعض الشخصيات فجأة ومن ثم غيابها يوحي بأنها تعرّضت للتهديد والترهيب.

أخيراً؛ إن زيادة أعداد هؤلاء وتنوّع خطاباتهم قد يأتي بنتائج عكسية، أي قد يكون الهدف هو التنفيس مثلاً فتخرج الأمور عن السيطرة نتيجة لزيادة الجرعة.

لعل الفرضية القائلة إن تلك الظاهرة تشكلت من مزيج من المعارضين المزيفين (الممثلين) وبعض الشخصيات والقوى الممتعضة مما آلت إليه الأوضاع في تلك المناطق أقرب إلى الصواب.

من هنا، تعدّ مناقشة الأسباب والدوافع التي تقف خلف تلك التحركات، ومن ثم حجم تأثيرها مناقشة مبنيّة على حقائق وليست من نسج الخيال.

قبل كل شيء يجب التنويه إلى قضية لاحظها الجميع، وهي أن معظم المنضوين تحت لواء النشاطات والحركات المناهضة لنظام أسد ينحدرون من المدن الساحلية حيث تتركز الحاضنة الحقيقية لنظام أسد، لذلك يربطها بعض المراقبين بعدة أسباب منها:

1- نتيجة لسياسة الاسترضاء التي اتبعها نظام أسد مع بعض مكونات الشعب السوري، ساد اعتقاد أن هذا النظام يكافئ من يشاغب ويعترض على حساب الساكتين حتى وإن كانوا أكثر من ضحّى في سبيل نصرته.

2- زيادة نفوذ زوجة رأس النظام على حساب بعض الشخصيات الوازنة في تلك البيئة، وهو ما حوّل هؤلاء وأتباعهم إلى ناقمين ومحرّضين.

3- هناك فئة غير راضية عن سلوك النظام بالأصل (منذ بداية الثورة)، هذه الفئة وجدت في سوء الأوضاع المعيشية والأمنيّة التي يعاني منها السوريون بشكل عام فرصة للتعبير عن موقفهم المناهض لنظام أسد.

وقد تكون هناك أصوات ارتفعت لأسباب أخرى أقل أهمية، ولكن – بالعموم – مهما تعالت تلك الأصوات لا يمكن التعويل على تلك الظاهرة أن تنتج ثورة، وذلك لعدة أسباب أهمها: تشنّج القبضة الأمنيّة، والفقر المدقع الذي يعاني منه أغلب السوريين في المناطق الواقعة تحت سطوة نظام أسد.

والفقر لا يقود إلى الثورة كما يعتقد البعض، بل هو عامل اطمئنان للمستبد بأن هؤلاء غير قادرين على الانخراط بأعمال ثورية.

وعن ذلك يقول "إيريك هوفر": إن حياة الفقراء الذين يعيشون على حافة الجوع أبعد ما تكون عن الفراغ، إن الصراع اليومي المحموم في سبيل الحصول على الطعام والمأوى يجعلهم بلا دقيقة من الفراغ، أهداف هؤلاء الفقراء واضحة ومحددة؛ كل وجبة إنجاز؛ والنوم بمعدة ممتلئة انتصار؛ وأي وفر معجزة... هؤلاء الفقراء محصنون ضد الحركات الجماهيرية.

عندما ينتشر السخط والتذمّر على نطاق واسع في مثل هذه البيئة، فإن أكثر ما يمكن التعويل عليه هو الانقلابات العسكرية، فالطامحون إلى السلطة قد يتحمسون لفعل شيء على اعتبار أن المزاج العام سوف يكون مرحّباً بأيّ تغيير، لذلك يتوقع أن تكون جهود المراقبة والملاحقة في هذه الأوقات منصبّة على النخب العسكرية. 

التعليقات (1)

    زاهر احمد

    ·منذ 8 أشهر أسبوع
    انقلاب عسكري مستحيل الا اذا كان برعاية روسية أو إيرانية أو اسراىيلية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات