فوضى الشمال المنظمة

فوضى الشمال المنظمة

لا يمكن لعاقل أن يقتنع أن ما يحصل في الشمال السوري هو أمر طارئ أو خارج عن السيطرة أو أنه أمر استعصى على سلطات الشمال وداعميهم من إيجاد الحلول الناجعة له لو أرادوا.

الفلتان الأمني الذي يعيشه الشمال السوري أو ما يسمى (المحرر) بات السمة البارزة والظاهرة والمعمَّمة على كل البلدات والقرى والشوارع والأزقة, فلا يكاد يمر يوم دون اشتباك مسلح أو حادثة قتل أو سرقات أو عملية اختطاف أو تغييب قسري أو اعتقال بدون موجبات قانونية, رغم أن حواجز الجيش الوطني منتشرة وتُحصي حتى عدد حبات الزيتون الذاهبة للمعاصر وأرغفة الخبز التي يتناولها النازح والمهجر أو المقيم.

تحت قاعدة "من أمن الحساب أساء الأدب" ومبدأ "هيك بدّو المعلم" يُحكم الشمال, وتُرتكب كل الموبقات, ويُمارَس الفساد العلني, وتجري التعدّيات الموصوفة, وتحصل الجرائم المشهودة, من قبل سلطات الأمر الواقع على المواطنين, والسكان المحليين, والنازحين, دون أي خوف من محاسبة أو عقاب وبغياب كامل لكل المفاصل الأمنية إلا على الضعفاء ومن لا ظهر لهم يحميهم, فلكل قضية ثمن يُدفع أو هناك جهات فوق القانون لا تحاسَب وتفعل ما تريد وأينما تريد وبأي وقت تشاء, وإن كانت تهمة "إضعاف الشعور القومي" و"وهن نفسية الأمة" قد اعتُمدت من قبل نظام الأسد, فتهمة بي كي كي هي تهمة جاهزة لكل كردي يُراد ابتزازه, وتهمة داعشي جاهزة لكل عربي يُراد النَّيل منه.

الحكومة المؤقتة التي باتت مخصصة لإصدار البيانات وتصدُّر المشاهد الاستعراضية وحضور الحفلات والولائم, فلا شيء يعكّر صفوها طالما أن المعلوم يصل مع بداية كل شهر للحسابات البنكية أو للمندوبين الموكل لهم جمع الإتاوات, وتغلق كل الطرقات المؤدية لـ "شلالات كمروك" وتنتشر الحراسات لساعات طويلة على الطرقات لأن هناك دعوة عشاء لوزير بالحكومة المؤقتة (.....) كما كان يفعل ماهر الأسد أو غسان بلال أو ذو الهمة شاليش تماماً, لكن الحكومة ورغم انشغالها بالحفلات والدعوات لا تغفل عن إصدار اللوائح الضريبية التي أنهكت كاهل المواطن بالشمال واستثنت لوائحها فقط الهواء المتنفَّس من السماء وما تبقى كله خاضع للجبايات.

القضاء ليس بأفضل حالاً، وسلطاته التنفيذية ليست بأحسن, فالمال هو الحاكم وهو من يربح معظم القضايا, وأحياناً يكون السلاح هو القاضي والفيصل كما حصل منذ أيام عندما قامت مفرزة للشرطة العسكرية باعتقال مطلوبين وتجار مخدرات بمدينة الباب فقامت جحافل صقور الشام المظفرة بغزوة مباركة عبر مهاجمة الشرطة العسكرية على دوار الراعي بمدينة الباب وأخرجت كل المعتقلين, وهي ليست بالحادثة الأولى أو الغريبة بل تحدث بشكل دوري وعلى عينك يا تاجر.

أما تشبيح أمراء الحرب أو من يُطلَق عليهم قادة الفصائل بالشمال في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام فحدّث ولا حرج, فقد استعبدوا البشر والشجر والحجر, دون حساب أو متابعة أو رقابة, فتحول الشمال لدويلات ومزارع و "كل ديك على مزبلته صياح", فيمنع الحاكم بأمر (السلاح) ما يريد ويسمح بما يشاء ولو أراد هؤلاء لأصدروا لوائح تحدد عدد المرات المسموحة للزوج لينام مع زوجته, وقد يفعلونها بقادمات الأيام.

تحت عنوان: لمصلحة مَنْ يجري تدمير التعليم في شمال سورية؟ نشر عضو الائتلاف السابق السيد أحمد رمضان على حسابه تغريدة فيها العجب العجاب حيث قال: 

كيف يمكن لمجالس محلية فرعية أن تفرض امتحانات الثانوية العامة دون مرجعية؟ أين الحكومة المؤقتة وما موقف مسؤوليها؟ ليس هناك بلد تتعدد فيه جهات تفرض مناهج وامتحانات لوحدها، كما يحصل في ريف حلب, مناطق درع الفرات, وغصن الزيتون, آلاف الطلبة مصيرهم في مهبِّ الريح، لا يكلف أحدٌ نفسه لوضع المشكلة على طاولة البحث، تقول وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة إنها هي من تشرف على امتحانات الثانوية، فتظهر مجالس محلية تتلقى دعمها من السلطات التركية لتقول إنها هي المسؤولة، ويضطر الطالب لأداء امتحانين لجهتين مختلفتين في يوم واحد في بلد واحد, يتساءل المرء: وهل المجالس ليست تابعة للحكومة؟ وهي هي مستقلة لجهة التمويل والمرجعية؟ ومن يمنحها سلطة الإشراف على التعليم؟ بل ما معنى أن تُمنعَ الحكومة من إجراء الاختبارات في المدارس (التي يفترض أنها تحت إشرافها) وتلجأ لقاعات الجامعات كي تقوم بذلك؟ أي فوضى وأي تغوِّل هذا؟ هل ثمة اتفاقات لمنع الحوكمة في الشمال المحرر؟ وهل المطلوب تفتيت السلطة وتعيين نكرات على رأس ائتلاف مُغيَّب وحكومة مُعطَّلة، وتحميلهم الفشل والتغاضي عن الجهات المستفيدة, ما يجري يخدم النظام المستبد والتطبيع معه، ويبدو أن مهمته جعل السوري في موقع الكاره للثورة، والمتحسِّر على ما فات، والمترحِّم على النبَّاش الأول، ومن ينتقد أو يرفض مهددٌ بالتصفية أو الإقصاء والانتقام.

نعم يبدو وكأن ما يحصل مخطط له أو يتم السكوت عنه بشكل مقصود ولغاية في نفس يعقوب, فلا يمكن أن تحصل كل تلك الجرائم وتمر كل تلك الانتهاكات وتحصل كل تلك التجاوزات بعيداً عن أعين من يُفترض أنهم مسؤولون عن الشمال, فهل المطلوب أن تسبّ الناس الثورة وتترحم على النبّاش الأول؟ أم إن المطلوب إيصال الناس لمرحلة من اليأس تجعل من عودة مؤسسات النظام وأمن النظام وسيطرة النظام على الشمال أمراً مقبولاً وبعيداً عن أي اعتراض خدمةً لتطبيع قادم؟

التعليقات (1)

    محب بلاد الشام

    ·منذ 9 أشهر 3 أسابيع
    بأوامر من الدولة العميقة في أمريكا ، وفرعها في المهاجرين
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات